بين شرف الانتماء وضرورة الولاء

 

مسعود الحمداني

لعل موضوع الأسبوع الماضي المعنون بـ"شرف لا يستحقه هؤلاء المجنّسون" فتح جروحا مغلقة، ونكأ حنينا باطنا، وانقسم حوله من هو مؤيد له، ومعارض لما طرحه من نقاط.. وهذا أمر صحيّ وعاديّ، وطالب بعض القراء بالكتابة حول المجنّسين الذين حصلوا على الجنسية العمانية، بينما ظل "انتماؤهم" لأوطانهم الأم.. وهذا شيء طبيعي ـ حسب وجهة نظري ـ فمن لا خير له في أهله، لن يكون فيه خير لوطنه "الجديد"، ولكن إذا تحوّل "ولاء" هذا الفرد "المواطن" إلى دولة أخرى فهنا يجب محاسبته، بل وتجريده من جنسيته العمانية، أمّا مسألة التواصل مع وطنه القديم فلا يعني إلا علاقة لصيقة لا يمكن بترها أو استئصالها.. لذا يجب علينا التفريق مبدئيا بين مفهوميّ الولاء والانتماء للإنسان.

فالكثير من الذين حصلوا على الجنسية العمانية من دول عربية وأجنبية ظلوا على تواصلهم مع أهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم في بلدانهم الأصلية، وهو الذي نطالب به العمانيين الذين حصلوا على جنسيات دول أخرى، أنا لا أطالب هؤلاء الأفراد بعدم الوفاء والولاء لأوطانهم الجديدة، ولكن نطالبهم جميعا بكف أيديهم وألسنتهم عن قذف هذا الوطن العظيم، والتعالي عليه، أو الانتقاص من قدره، أو التنكّر له، أما مسألة "الولاء" فذلك ليس من حقنا أن نفرضه على من حمل جنسية أخرى، فهذا شأنه الشخصي ـ كما ذكرتُ ـ وهو واجب تفرضه عليه مواطنته لتلك الدول، وإلا أصبح فردا مارقا، بل وخائنا لوطنه الجديد.

وصلتني العديد من الرسائل عبر البريد الإلكتروني حول المقال السابق بعضها من أشخاص حصلوا على الجنسية العمانية، ولعل واحدة من أهمها رسالة وصلت من مواطن عماني مغترب في الولايات المتحدة الأمريكية ربما يعرفه البعض من المسؤولين لدينا، مكتوبة باللغة الإنجليزية، أوردها مترجمة كما هي، عنونها مرسلها بـ "لم أنس جذوري أبدا.." يقول فيها: "هناك بعض الحقيقة في مقالتك، ولكن ليس كل عماني ترك عمان لكي يبحث عن الجنسية أو عن هويّة جديدة، فعمان هي البلد الذي سيظل قلبي فيه، وأنا فخور بذلك، تركتُ عمان منذ 28 سنة وأصبحتُ شخصا ناجحا في عالم الصرافة في مجال الاستثمار والمال، والإدارة في الولايات المتحدة، وهو أمر لا يستطيع الكثيرون تحقيقه ثم يبقون على جنسيتهم العمانية، حاولتُ في كثير من المناسبات أن أجد عملا في عمان، ولكني لم أستطع، كنت أريد أن أستخدم خبراتي في خدمة وطني، ولكنهم أخبروني: "أنه لا يوجد مكان لأمثالي!!"..

بعد ذلك حصلت على عرض مذهل في الولايات المتحدة.. ورغم ذلك فعمان وجلالة السلطان قابوس سيظلون جزءا من نجاحي". المرسل/ الرضا بن أحمد أبو نواس "سياتل ـ الولايات المتحدة".

إنّ مثل هذا الانتماء والولاء للوطن هو ما يمكن أن يكون مثالا لكل من اغترب، أو تجنّس بجنسية بلد آخر، فليس كل أصيل يغريه بريق المال.. إن قضية الانتماء للمكان لا يمكن أن ينفصل عنها إلا منافق، أو من لا أصل له، أو ذلك الذي يريد أن يمسح من ذاكرته كل طفولته الأولى، وجذوره الأصيلة، ليستبدلها بأوهام يختلقها لنفسه، فيوهم ذاكرته بأن أجداده وآباءه وُلدوا وعاشوا وترعرعوا في ذلك الوطن الذي حصل على جنسيته قبل عدة سنوات فقط!!.بينما الحقيقة تقول أن آثارهم، ومنازلهم، ومزارعهم، وأبناء عمومتهم، وجميع أهاليهم موجودون في بقعة ما من عمان.. وهنا لا أعمم ـ فكما قلت في المقال السابق ـ إن هناك الكثير من الأفراد والأسر العمانيين الذين حصلوا على جنسيات دول أخرى ولكن ظلوا على ودهم وتواصلهم مع أرحامهم وذويهم وأبناء قريتهم في السلطنة، وهؤلاء هم من نفخر بهم، ونشد على أيديهم.

الكثيرون يعرفون الكاتب الأمريكي من أصل أفريقي إليكس هيلي ورحلته للبحث عن جذوره الأولى التي استمرت اثني عشر عاما، وذهابه إلى موطن أجداده ليتعرّف على أصوله الحقيقية، حيث كانت رحلة بحث عن الذات سردها في روايته "الجذور" والتي لاقت نجاحا منقطع النظير، فهذا الأمريكي من أصول زنجية لم يتنكر لأصوله "كما يفعل البعض" ولم تلهه الحضارة الغربية بكل جبروتها من البحث عن جذوره الأصلية بعد مئات السنين من الاستقرار في أمريكا، لأنه علم أن "الذي لا أصل له، لا هوية له".

فليت أولئك الذين نسوا أو تناسوا في طريق بحثهم عن الجنسية والمال في بلدان أخرى أن يتذكروا أنّ عمان ستظل دوما الوطن العظيم الذي لا ينسى أبناءه مهما تنكّروا له، وأنّه سيظل أكبر من وثيقة سفر، وأنّ شمس الحقيقة لا يمكن أن يحجبها غربال لا يحتفظ حتى بماء الوجوه.

Samawat2004@live.com