في الاحتفال باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس):

رحــــيل

ربى الحـايك - سوريا

 

لكلّ تلويحةٍ مقصد للدروب، وغنى للقلوب
لكل دمعةٍ ضحكة مثل فنجان صحوة نشربه على أحرّ من الألم..
وفي كلّ خريفٍ يغيبُ الأخضر عن خافق الشجرة لتثمر من جديد، وأما الخطى فهل ندرك أنها لا تتناقص إلا ليقترب الوصول؟؟.
هكذا يكون الرحيل درباً للحياة..
**
تَعَلّمنا سهولة البكاء.. وحفِظنا مخطئين أن الوفاء بالحزن، وربما بالانكسار على المُغلِقين أبواب وجوههم، والغائبين كلّ شمس..
فنرى أنفسنا عند كلّ تلويحةٍ لما هو حبيب.. نقتاتُ على حزننا، ونرتشف دمعة نفتح لها الأوزان لتقتحم بقايا ماتبقى..
نقطع موعداً مع التعب، ونكون سلاحاً مع الوجع يساعد الروح على الهلاك.. ويساعد أحبتنا على انكسارهم علينا..
يشدّ الرحيل على القلب كلما فارَقنا أنفسنا قبل أن نفارق شقائق النبض.
***
وفي الرحيل أيضاً.. رحيل عن الذات..
أخطاء نرتكبها بحقّ أنفسنا..
حواجز نصنعها مع من يجيدون رسم ابتسامتنا..
وكثيراً ما تكون تلويحتنا لأنفسنا.. شائبة في بوح النقاء الإنساني، ودمعة في عين الفعل.. فنحوِّل الخطأ إلى خطيئة إذا لم نقف، و نوقف تمدد الانكسار لنعانق أولاً اعتذارنا من أنفسنا.. ونلتقي..
نقرّر الغياب عن وجوه حبيبة.. لازَمَتنا في نبضها
نقرّر السفر بعيداً عن امتلائنا بأحبتنا في لحظة جبن، لا قوة..
فالقادرون على حمل خطاهم بعيداً عن وعد هم الجبناء، إذ لا قوة في الانفلات من عروة أحبّة صادقين..
ونكتشف أنه كان علينا أن نلتقي مع أنفسنا في هذا الرحيل.. ونعود أكثر محبة، وأشدّ قوة من أزمة عابرة.. فنلتقي..
****
الهاربون من حياتنا ليسوا غيرنا فقط.. بل قد نكون نحن..
فإن لم ندرك الوقت نكون نحن اللافظين شعورنا، والرافضين طريقنا..
يعاتبنا هروب بعض الخطى من صباحاتنا، فنتّكئ على أوجاعنا غير آبهين كم مضى علينا من الخريف دون أن ننهض من جديد في سبيل خطوة مقبلة..
فهذه الحياة لا تتقن فنّ انتظار أحد، وأما الزمان فليست قضيّته أن يحمل عنا تعثّرنا..
و لاشيء يجعلنا نلتقي مع أنفسنا سوى حركة لا سكون فيها..!!
***
كل الذين يغيبون تاركين لنا إرثاً من الذكريات السعيدة والجميلة لا يمرّ عليهم موت، ولا يسرقهم غياب..
موتنا لايعني لحظة وداعنا، لايعني غياب الجسد، هو ألا نترك ذكرى جميلة يقتات عليها القلب أوقات الضجر.. هو أن يسقط الآخر روحاً لا أن يرتقي..
فكيف لا نلجم إحساس أنانيتنا بارتقاء أحبتنا لنعقد معهم موعداً دائماً للحياة حتى في غيابهم عن مساحة الرؤية..؟؟!.
عندما يغيبُ الأحبة.. ننسى أمانتهم لنا..
نفتّتُ أوراق زهرتنا وكأننا نصرخ بهم: ها نحن نبكيكم، ها نحن نموت معكم.. وهنا يكون الفراق الكبير الذي يُبعدهم..
نتناسى أمنياتهم بضحكتنا، ونستثمر أنانيتنا بأننا معكم كنا أجمل، وأحلى وأكثر بهاء..
نحن لا نبكِهم.. بل نبكي أنفسنا بغيابهم، نبكي وحدتنا، وأحاسيسنا.. نبكي ابتسامة كانت ترتقي في حضرتهم.. لانعثر علينا كما كنا معهم..
نتفرّد بصقيع الوقت نستذكر صورهم.. هنا عبروا، هنا مروا، هنا جلسوا، هنا ضحكوا، هنا تركوا في الغصّة قلباً أنهكه الحنين..
لو أحببناهم حقاً لصنعنا سعادة حمقاء من أجلهم، ولزرعنا في القلب ابتسامة إن هم شعروا بها سكنتهم السعادة فحققنا وعدنا لهم.. والتقينا برغم رحيلهم..
**
إن نحنُ خذلنا شعورنا من ننتظر ليحيا بنا..؟؟
إن كنا خيبة أنفسنا كيف نطلب من الآخر أن يصدق وعد حضوره..؟؟
تقترب الأوقات من الموعد فنظنّ أنها المصيبة إن أخذت وجهاً حبيباً، ونرفض التقاءنا مع الفكرة خارج خطّ الحياة..  متجاهلين الفارق بين رؤى البصر وعمق البصيرة..
فإن أنتَ انحنيت للدمعة مُتَّ، تصبح أنت الغائب وليس هم.. تفارق وعدك باحتمال ضحكتهم فتقف في صفّ الخيانة..
ومع كل ذكرى ننسحبُ إلى فراق أشدّ ألماً.. هو فراقنا عن أنفسنا، وعن أمنياتهم لنا..
نصغي إلى كلماتهم التي عبرت من خلالنا دون أن نمنحها القيمة، ونشدّ على أيدينا كما لو أننا نمسك أيديهم.. نغمض العين على صورتهم، ونستعجل حزننا، وربما حزنهم علينا.. ليستبيح الجفاف درب الشعور، وتصبح زاويتنا المنسية هي أنفسنا..
فوجودهم كان يهمّش الغربة في دواخلنا، هم أخوة الفرح والحياة.. يدلون النوافذ على العصافير يوم كان حضورهم اعتيادياً ليصبح رنين ذاكرتهم مربكاً للريح.
فلماذا نحوّلهم إلى هوامش بيضاء، وعنواناً للأحزان والقسوة..؟؟!.
***
في الرحيل الأخير..
يداهمني عطرك دائما في سكينتي، ويمسكني صوتك في انفرادي مع فنجان أفكاري متلبّسةً بالأشواق..
تحلّ ضيفاً عليَّ، على الوقت، تشرقُ على الذاكرة كلّما نادى الضوء انبثاق العبق.. ولحظة انسكاب الأمل تدقّ على الحلم وتمتطي صهوة الربيع لتُريني مرآتي أنني بدونك.. أيها المجموع بقلبي ماتخيّلتُ لحظةً مقبلة ستحيا بغيابك، ظننتُ أنني أخونك بابتسامتي، بفرحتي بخطوتي تمضي.. قبل أن أدرك أنك كنتَ تهيِّء لي الليالي حتى أقف فلا وجع بعدك يؤلمني.. ولا آه تهطل مع غصّتي فكنتَ الحنون حتى بألمي الذي أهديتني آخره ونهايته.. ترتاح وأرتاح وتستقبل ابتسامتي على شفتَي أمنيتك لي..
عليّ أن أحترم حضورك برغم الغياب.. عليّ أن أحيا حتى أكون وفية لإرادتك.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك