الشيخ سالم العبري – سلطنة عُمان
في هذه الحلقة نبدأ بتساؤلات الشيخ صقر القاسمي لقارئه عن شاعريته فيقول:
هـل تـراني يـا قـارئـي شاعـرا
يـهــيــم بـالحــســن وبـالـفـــن؟
نعــم ولكــن هــوى مـوطـنـي
وأمـتـــي ذاك الـــذي أعــنـــي
أشـغـلـنـي حـبـهـم عــن هــوى
يخـطــر فـي ذهــني ولا يعـني
ولــي شــبـاب وهــو فـي حـبه
طفـلٌ ومـا زال الهـوى المغني
من مائه سكـري ومن أرضـه
الصـلاة في الفـرحـة والحــزن
لقد قدم الشاعر هويته إلى قارئه بقلمه في أبيات قليلة تترجم عن شخصيتة جُلّ اهتمامها حب الوطن والانشغال بقضايا أمته هذا ما كان من أمر هويّة الشاعر ولكن ما هو الموقف من هوية شعره إذ إنّ كثيرا من الشعراء تختلف طبيعتهم عن طبيعة شعرهم وتتناقض أفعالهم وأقوالهم، إن شاعرنا – كما يقول الدكتور الشكعة يقدم توصيفا وتوظيفا لشعره:
الشعـر صنـفـان صنـف خــالد أبــدا
علـى الـزمان وصنـفٌ ضـائع فـانـي
فنـق شعـرك مـن عـيب ومـن خـطل
وزنــه مـن قـبــل أن يـبــدو بميـزان
وحـاذر الهجـو أن يـزري بقـدرك أم
قيـل، وقـال، لحـــاه اللــه من شـاني
دعــوا إذا نـابـــت الأوطـــان نـائـبة
سـلاحــك الحق فـهـو الهـادم البـاني
آلـف بـه الشمـل وأشــعـل حـماستــه
نار النفـوس وآس المـدنف الــعــالي
وهو إذا يتغنى بالوطن القطري لا يحصره بجزء فنظرته أن الأوطان هي الممتدة الضاربة بالتاريخ التي يعتز بها المواطن حين يقلب التاريخ وينقِّب عن الاثار فتتباهى بالحقب والفترات الزمنية وتتحدث الآثار عن الأسرة الفرعونية، أو الفاطمية، أو الساسانية، أو فترة مالك بن فهم وأسرة الجلندى، والنباهنة واليعاربة والبوسعيد والقواسم، وهو يبدو أنه رسخ في أبنائه أن أصولهم من بلدة "الجصة" في عُمان، ففي إحدى زيارات ابنته الشاعرة ميسون بنت صقر بن سلطان القاسمية إلى السلطنة حرصت أن نذهب بصحبتها إلى "الجصة".
وفعلا أخذنا طريقنا إليها فلما بلغناها تنفست الصعداء وهي تتأمل وتنقب في ذاكرة الفكر والتاريخ وكأنها زارت هذا المكان المقدس، ثم إن الشيخ صقر القاسمي المستند بمعرفة التاريخ المشرق للإمبراطورية العمانية وهو قاموس ذلك التاريخ بوقائعه وبقادته وبرموزه وبقبائله. فها هو يحتفي بالشيخ سليمان بن حمير النبهاني عند زيارته لوالده الشيخ سلطان بن سالم القاسمي حاكم الشارقة عام 1368 هجرية والتي عنوانها (وطن منبت الكرام)" وقد بدأها بقوله
(نــحِ المدام تفديك نفسي فمدامي أضحى عُصارة حسي)
وهو بهذا المطلع يسير على نهج الشعراء في مختلف العصور الشعرية العربية حيث يبتدرون قصائدهم بالغزل سواء أكان مستهلا بنظم شعري، أو حقيقة بتذكار حب خالد فهذا هو كعب بن زهير بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصدح بسعاد: (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)
وقصيدة الشيخ هذه هي من قصائده الأولى ومرحلة انتسابه للشعر والشعراء لذلك غير مستغرب استهلاله بقوله:(نح المدام)، و(نح) فعل أمر لنادل الخمر يوحي بالزجر والتوبيخ، والشيخ ربما قد علق بذهنه رأي القائلين بجواز شرب الخمر إن لم تفضِ إلى السكر
نـح عـني الـمــدام تـــفــديـك نـفـسي
فمــدامــي أضــحـى عــصـارة حــسي
وكــسر الجــــام والـدنــــان فـإنـــي
مــفــــرغا حـــبـــها بــآخـــــر كـــأس
إن نفـــــسي تعـــذبت فــي بقـاهــــا
أمـــن الحــــق أن تــــداوى بـرجــــس
يا ابــن ودي دع عـــنك لـومي فإني
مـــولـــع القلــــب يا ابـن ودي فـأسـي
دهـــمتـني حــــوادث الدهــر حـــتى
لــــذ لــــي من عــذابـــها سكن رمسي
يا لهــــا مــــن حـــــوادث شـيـبـتـني
في شــبابـــي وزعــزعـت ركن آنسي
والــليــــالي مهــــما تكـــــر فـــفيـها
يا ابــن ودي للـمـــــرء أعـظــم درس
لـــم نعــــاد الآيـــــام غـيـــــــر أبـي
طاهــر الـنـفسي للمكـــــــارم نـــــدس
قـــد كـــفـــى أننــي أعـــيشوا بهمـي
إذ تـرفـــعــت عـــن جـدى كـل جـبس
فلئـــن أنكـــر الجـــديـــدان فضـــلـي
واتحـــــدتــني اللـــــــيالـــي ببخـــــس
فسلــــوها: هـــلا عــلــوت عــــلاها
ودهــاهـــا عـــنـــي وهـــمــت نفـسـي
وسلـــوا المكـــرمات هــلا أجـبتــني
ركنها إن يهـيء الزمـــان بنحـــس
وسلــــوا الخــطــب هـل ألان حـصـاتي
أوتشكيـــــت مـــن عـــــناء وتعـس
هــــمـــة تأنـــف الهــــــوان وعـــــــزم
يحـــسر الطـرف عن مداه ويخسى
بلــدي الشـــــام، والعــــراق، ومـــصــر
"يمن، نجد"، موطنـي مع "قدسي"
وطنـــي منــــبـــت الكـــــرام عُــــــمـان
وغـــياث المنكـــوب من كل بـوس
عــربـــي نــمـــي لقحـــطان ذي الفــخــ
ــر ونجــي من كل وغــــد أخـس
خضـــب البحـــر مـــن دمــاء الأعـــادى
وقرى الحـوت من شبـيــه الدمقـس
وأرى البــرتـــغـــال يومـــــا عــــبوســـا
لم يقـوم بـعــــده لهم مـن درفـــس
تلك أفـعــــــاله فســــــلْ "زنـــــزبـــــارا"
وتأمـــل فالـــدهر لا شـك منــسى
فـلـــئــــن دال عـــــزه أن لـــلـــــدهـــــر
ليـوميـــن مـــن سـعــود ونحـــس
لـــــــم تـــدم هــــــــــذه ولا ذاك بـــــــاق
فلـــك بالقــــضاء يغـــدو ويمـــس
قـف بنـــــزوى وانظـــر هـــــنـاك بـنـــاء
(يتجلـــى كصــنـع جـــنٍّ لأنــس)
ثــم يمِّــــــم بالســــير قـــلعـــــة (نـخـــل)
مربـــط الصافــنات من خير جنس
هـــي تسعــــون ألــــف رأس من الخــيــ
ــل عليها من كل شــوس وشمــس
أرجـــفت مـــن صهـيلها الهنـد والصــيـن
وأنكــت بــالبـرتغـــــال وفــــرس
ما أغـــارت إلا وقــــائـــدهـــــا النصـــــ
ــــــر وردّت كيد العـــــداة بنكس
أمــــة شــــــادت الفــــخـــــــار لتـــبـقــى
بكمـــــاة لــدى المـكاره حـــمـس
يــــا سلـــيـــل الملــــــوك مــن آل نــــبــ
ـهان هـم الناشئون من خـير غـرس
إن يــــومـــا شـــــــرفة فـــيــــــه ليـــــوم
جاد فيــــه الزمـان من بعـد يـأس
فعـــلـــى الرحــــب والســــعادة فــــانــزل
يا حـفيد الملـوك في كــل نفــــس
أنت من صنـــوك المبارك في أعـــلى مكا
ــــــن وقــــــــيتــما كــل بـــــوس
فــاعــقــــــدا الحـــــلف واليُــــــمن وقــما
بوفـــاق مـا أن يشــــــاب بلبــس
واعقـــــــدا بالوفــــــــاق عـــهد جـــــدود
أرهـقـوا خـصمهم بشــــدة بــأس
فـ(عُـــــمان) لـــــو فـــرقـــــتها الأيـــادى
مهجـة تشــتكـي لاهـــــون مـس
هــــي كــــالأمـــــــس للتـــألف خـرثـــــاء
فـــردا لها الفــخـار كأمـــــــس
إيـــــــه مـــــــولاي يا ســــــلالــــة مجــد
مستـطيـل سناه ماضـي المجس
إيـــه سلــــــطان يـــا ســــلالـــــة سلــــطا
ــــن ومـن مثــــله لفتـح وغـرس
كــــم عــــظيمـــا من ذكـــره فـــقـد الحـــز
ــم ومــــا كان خائر النفس جبس
شـــــاد مـــلكا وارهب الخصم في البحــ
ــــر وأردى مـن سيفـه كل نـدس
أرعـــــب الهنــــــد (بالبغال) وأجـــــلى
ظلــم الظــلم من (عـــمان) بعنس
يا مــــــلاذي وأنـــــت كفــــــو إذا نــــو
ـدي وغـوث أن كر خطب بنحس
لك منـــا النفــــــــوس فأمـــــــــر تجدها
لك إن ضــنَّ كل وغــد أخــــس
وإذا نورد هذه القصيدة كاملة مع طولها فلأنها تعطي صورة واضحة لشعر الشيخ صقر القاسمي وذات بعد وطني وقد نأتي بالقادم بشيء من التحليل لها فإلي اللقاء.
