وقفة مع الطيران العُماني وخسائره

عبدالله العليان

في الجلسة التي عقدت بمجلس الشورى منذ عدة أسابيع، تحدث معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات في بيانه الموسع، عن مسؤوليات الوزارة من طرق وموانئ ومطارات...إلخ، وقد ناقش أعضاء المجلس معاليه، بعد البيان، الذي شمل كل الجهود والمشاريع التي تضطلع بها الوزارة في هذا الصدد.

والذي يهمنا في هذا الحديث، ما جاء في بيان معاليه عن الخسائر الكبيرة للطيران العماني، التي كانت مدار مناقشات وأسئلة الأعضاء، وحديث وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أيضاً، والواقع أن الخسائر التي قُدِّرت بمئات الملايين، وتزيد على المليار، فاجأت الكثيرين، ومن بينهم أعضاء مجلس الشورى، وكذلك المتابعين الذين كانوا يعتقدون أن الطيران ناجح بكل المقاييس، من خلال الأحاديث والكلام الذي نسمعه من زيادة رحلاته إلى دول كثيرة في كل القارات، وأن سُمعته العالمية كما نسمع أصبحت معروفة...إلخ، وهذا ربما يدل على نجاح مؤكد وليس العكس: لكن الأمر في الواقع كان مُختلفاً تمامًا مع هذه الخسائر الكبيرة، فلماذا يتم توسيع الرحلات الدولية إذا كانت هذه الخسائر تحدث بمئات الملايين؟ وأين هي الجدوى الاقتصادية من هذا التوسع الذي نسمعه إلى وقت قريب إن كانت هناك جدوى لهذه الرحلات الدولية؟! وهذا الأمر بلا شك يحتاج مراجعة جادة من مجلس الإدارة.

هذه الخسائر ستتحملها ميزانية الدولة طبعاً، والظروف الاقتصادية الآن معروفة في ظل انخفاض سعر النفط! لذلك، فقضية خسائر الطيران العماني في الآونة الأخيرة، عاماً بعد عام، مؤلمة جدا، وكنا نتوقع أن النجاح هو الذي جعل مجلس الإدارة يوافق على توسيع رحلاته حتى إلى وقت قريب من عدة أشهر، والإشكالية أن هذه الخسائر الكبيرة للطيران العماني -كما يُقال- من خلال المناقشات، ومن وسائل التواصل الاجتماعي، تتم من خلال زيادة أسعار الرحلات الداخلية، خصوصاً بين مسقط وصلالة؛ لأنها الرحلات الأكثر نجاحا، من كل الرحلات كما يقال، ونعتقد هذا صحيحاً، لأنْ لا خطوط طيران دولية في هذه الرحلات، كونها رحلات داخلية في البلد الواحد، وهذا يحتاج إلى إعادة نظر بجدية؛ فالكثير منا يعرف أن الرحلات الداخلية في البلد الواحد أسعارها معروفة ومحدودة، تقّدر أنها رحلات داخلية من طيران تلك الدولة، والكثير منا تعايش مع هذه الرحلات المخفّضة في سفراته، سواء كان طالبا، أو سائحاً، أو رجل أعمال، حتى من إدارة الطيران العماني مَن يُدرك هذا الأمر، فلذلك، كنا نتوقع مع التخفيض الأخير للطيران العماني للأسعار بين مسقط وصلالة، مع دخول طيران السلام، العام المنصرم، أن يستمر هذا التخفيض، كونها رحلات داخلية، لكننا تفاجئنا بأن الطيران العماني زاد في أسعاره مؤخراً، مع إجازة نصف العام الدراسية ومع فعاليات مهرجان مسقط، وهذا واضح أنه رتَّب الأمر لظروف الإجازات واستغلال سفر الكثيرين لحضور نشاطات هذا المهرجان!

ما نُريده من طيراننا الوطني، أن يكون إيجابياً في تعاطيه مع قضية الخسائر؛ من خلال إعادة النظر في قضية المنافسة العالمية للخطوط الدولية، وأن لا تتحملها الرحلات الداخلية، بحكم ظروف المواطنين التي (تقَّدر بقدرها) -كما تقول القاعدة الفقهية الشهيرة- ونحن مع نجاح هذا الطيران، وسمعته التي يثني عليها الكثيرون من خارج السلطنة تهمنا، وهذا يحتاج المحافظة عليها، لكن ليس الإبقاء على ما هو عليه من حيث بقاء الخسائر المعروفة تستمر، بل لابد من المراجعة الجدية القوية لخطط الشركة العمانية للطيران؛ من حيث المحاسبة والمراجعة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإعطاء الفرص للكفاءات العمانية، وهي موجودة، وعندها الإمكانيات التي تعزز نجاحها، وكفانا من الخبرات الأخرى غير العمانية، وقد استفدنا من بعضها في العقود الماضية، فنحن في عُمان اليوم لدينا من الخبرات المتراكمة التي نفخر بنجاحاتها في مؤسسات عامة وأهلية، وقد أشرتُ في موضوعات سابقة إلى أهمية أن تتاح الفرصة للكفاءات الوطنية، وللأسف بعض المسؤولين يعتقد أن الخبرات غير الوطنية هي الناجحة ولا شيء غير ذلك، ولا يعير الخبرات الوطنية أي اهتمام بالصورة التي نتمناها، وقد توالى على الشركة العمانية العديد من الخبراء الأجانب في عقود عدة، حتى إلى وقت قريب!

وفي هذه الفترة، ظهرت الخسائر أيضاً؛ فالمسألة ليست بهذه النظرة غير الدقيقة لكيفية الحاجة للخبرة غير الوطنية، نعم من المهم أن نستفيد من الخبرات الوافدة، وقد استفدنا منها في سنواتنا الأولى، وقضية الأخذ والعطاء مسألة معروفة في الحضارات والثقافات، لكن الاستفادة لها مدد، يتم وضعها في الحسبان للإحلال، ثم وضع خطط للتأهيل من هذه الخبرات الوافدة، ونحن بحمد الله قد أهلّنا الكثير من الخبرات العمانية في العقود الماضية، وحان الوقت أن نعطيهم الثقة، وقد حققت هذه الكفاءات نجاحات كثيرة في مؤسسات حكومية وأهلية -كما أشرنا آنفاً- فالخسائر الكبيرة للشركة العمانية للطيران ليست عابرة وعادية، فلابد من الاستقصاء، حتى يظهر الداء، ويبدأ العلاج الشافي، وكفانا معالجة هذه الخسائر، بزيادة أسعار الرحلات الداخلية، وتقريبها من الرحلات الدولية، وهذه للكثيرين فوق طاقتهم حقيقة، وليس هناك صعوبة في وقف هذا الهدر من الخسائر، وأعتقد أن التقييم الدقيق للرحلات الدولية هو الحل الناجع القويم، وهذا ما نأمله من معالي وزير النقل والاتصالات وأعضاء مجلس الإدارة.