في الاحتفال باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس):

دفاعا عن الجنون

وفاء الشوفي - سوريا

         
الصورة الشعرية هي الذاكرة المتراكمة بشقيها البصري و الذهني في قاع النفس .. و من هذه الذاكرة يتدفق الشعر راسما" رؤاه عبر تلك العلائق الﻻنهائية مع البيئة الحاضرة و المخزنة..
لكن الشعر مسبار يضيء ليس في الماضي و حسب إنما في المستقبل أيضا" ..إنه الصورة التي تنبع من عمق الذاكرة و تجري لما بعد الحاضر سابقة كاتبها و متجاوزة" له ..كأنه ناقلها ليس إﻻ.
 وهذه مقتطفات من كتاب ((دفاعا" عن الجنون)) للشاعر السوري ممدوح عدوان
ما هو الشعر؟
هو ذلك الشيء اﻹيجابي العظيم، هو ما يؤكد لنا أننا نبكي ﻷننا لم نتعود الذل بعد، ولم نقبله، وأننا ننزف ﻷننا لم نمت، وأننا لم نتأقلم مع الظلم ، إنه ينبهنا إلى ما كدنا أن ننساه" ، ويذكرنا أننا بشر وأننا أكبر وأعظم من يومياتنا.
نحن شيء"آخر' غير السعي والهرب و الخوف والشجار، غير المماﻷة والتقية واﻻستغراب، إن لدينا كرامة و أحاسيس.
ونحن الذين كنا قادرين على التمتع بالجمال وكنا ذواقين ننفر من القبح والحقارة والدناءة وكنا أباة" نرفض الضيم مثلما نرفض الخيانة و الغدر.
نحن بشر، ﻻ بد أن نتذكر هذا دائما"، وﻻ بد أن يذكرنا الشعر بهذا دائما"، نحن أكبر من الربح والخسارة وأكبر من القبول والاستسلام أو الخبث و المراوغة.
نحن نتألم
نتألم بهذا العمق و بهذه الوفرة.
ﻻ بد لنا من تذكر ذلك
لذا ﻻ بد  من الشعر
 لذا ﻻ بد من الشاعر.
الشعر يدعونا إلى تصفية الحساب، ولكن ليس على طريقة حسابات الدكاكين: أي أنه ﻻ يحسب بالفواتير، و ليس على طريقة القوادين الذين يفتحون الجراب ليروا كم جمعوا،  بل على طريقة الطبيب الذي يريد أن يعرف كم راح في النزف وهذا الطبيب قد يصف علاجا "لكنه ﻻ يعنيه أن يخفي الحقيقة وأن يجامل المريض أو ذويه،  سيقول أن مريضه يحتاج إلى الدم أو الغذاء، ولكنه قد يقول إن مريضه قد مات.
وهو ليس طبيبا "محايدا"، هو الطبيب - المريض  و هو يعرف أنه عينة من اﻵخرين وبالتالي فإن إعلان خطورة الحالة أو العجز عن المعالجة أو فقدان اﻷمل هو تقدير لحالة الجميع ولهذا ﻻ يهتم كثيرا " للعويل الذي قد يحدث بحجة ندب هذا الميت ﻷنه يعرف أن كل واحد من المعولين يبكي نفسه ويتهيأ لدفن نفسه، أو أن كل واحد منهم مدعو لمواجهة حالته و تأمين العﻻج لها: أي تأمين العﻻج الجماعي.
ومهما بلغ التوتر خارج القاعة ومهما ادعى المحتشدون الحرص والرغبة في اإسراع يجري الطبيب - المريض أبحاثه بهدوء، يصور ويحلل ثم يقرر. تكمن خطورة ما يفعله في أنه سيكشف مسؤولية وصول المريض إلى هذه الحالة، مسؤولية المريض تجاه نفسه ومدى تسببه في الوصول إلى هذه الحالة و معها كشف بمسؤولية كل طرف آخر.
هل نستغرب إذن أن يتسلل أحد لقتل الطبيب أو المريض أو الطبيب - المريض؟!
لهذا كان ﻻ بد من الشعر
لهذا كان ﻻ بد من قتل الشعر
كثيرون ﻻ يريدون لنا العلاج
يفضلون لنا أن نستخدم المهدئات.

تعليق عبر الفيس بوك