في الاحتفاء باليوم العالمي للشعر في 21 آذار (مارس):

كل البيوت وحيدة

سماح البوسيفي - تونس


خُلِق كل بيت من فكرة هربًا أو خوفًا أو شقاءً..
أما تلك البيوت السعيدة فتظل مجرد تصورات نكتبها نحن في الأدب..
نحن نحاول أن نخلق بيوتا تشبهنا..
فيظل الخوف والحرمان خطوطا أدبية عريضة لكتابة الشعر والرواية.
في الحقيقة أنا أيضا أكتب الأدب؛ لأني أخاف وأهرب وأبكي وأختفي فليس هناك مكان أشد رحمة  عليَّ من الأدب.
 فالمكان الذي يفتقر للسكان هو أيضا مكان وحيد.
نحن نتشابه جدا: الكاتب والكتاب والبيت.
أنا أكتب لأن البيت يحاصرني.
ففكرة الضلالة خارج الأدب هي بكل عفوية في تصوري بيت أنام فيه لأحلم ببيت آخر لا يشبهه لكنه أكثر دفئا وأقل رحابة.
في بيتنا القديم كل شيء ساخن جدًا حتى فكرة الهروب كانت مجرد عودة آمنة ليبقى البيت القديم في مكانه هو نجاتي من الخوف... مجرد خوف
في سن مبكرة لم أمش ولم أتفوه بكلمة بابا أو ماما
كانت أول مصافحة لي مع الجدران.
البيت لم يكن حائطا؛ بل عمودا يستند عليه قلمي
واليوم مازالت الجدران تستند عليّ وأصافحها
وكلما فكّرت في أن أول فكرة للموت ستلاحقني هو اختفاء هذا البيت من أمامي؛ لأربي في قلبي بيتا أقل حظا منه ويحتمي البيت بي من فكرة الحرمان والهجران.
إن البيوت الشقيّة وحدها بيوت عامرة بالأدب.
للشعر والنثر والقصة والرواية بيوتٌ فقدت أرجلها, بيوتٌ تعرج، وبيوتٌ عمياء.
وللأدب بيوتٌ باردة ولنا ككتاب بيوتٌ نخاف دونها وتحمينا من العراء.
لا أجد فكرة آمنة أنام فيها إلا بيوت الأدب حيث أستطيع أن أقول: أنا حرة هنا.
ليست الحرية مجرد انفصال عن هوامش الأشياء المرئية.
إنّ الحرية الحقيقة تبدأ من فكرة الفراغ الكامن في الشيء وصورته، فأنا مادمت أتخيل بيتي وأنا أكتب في بيت آخر لا يشبهه فكرة مجرد فكرة عنه.
فإني لم أحتمل حريتي وهو يطفو من عمق إرادتي نحو ورقتي وهنا أنا كشاعرة  مازلت وحيدة كبيتي...
ليس الشعر فكرةً بل بيتًا..
إنَّ أشد البيوت سعادةً تلك البيوت التى مازالت أفكارا تراود كُتَّابَها...

تعليق عبر الفيس بوك