الحياة الفكرية والثقافية في عـُمان في النصف الثاني من القرن الثامن عشر:

علوم التاريخ والأنساب والفلك والفلسفة: (10/11)

د. صالح بن عامر الخروصي – سلطنة عُمَان


شغلت علوم الشريعة والعربية الحيز الأكبر في الإنتاج الفكري في عمان، ومع ذلك ظهرت مؤلفات في علوم أخرى كالتاريخ والأنساب والفلك والفلسفة. والملاحظ أن بعض الفقهاء وعلماء اللغة صنفوا أيضا في بعض هذه العلوم.
أ/ التاريخ والأنساب:
إن أقرب المصادر التاريخية العمانية التي عاصرت قيام الدولة البوسعيدية في أواخر الاربعينيات من القرن الثامن عشر كتاب (قصص وأخبار جرت في عمان) من تأليف الشيخ أبي سليمان محمد بن عامر المعولي ـ أحد العاقدين بالإمامة على مؤسس الأسرة البوسعيد أحمد بن سعيد البوسعيدي ـ ، وقد اعتمد المعولي في كتابه على ما ورد في كتاب (كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة) لسرحان بن سعيد الازكوي، الذي سرد الأحداث التاريخية التي شهدتها عمان منذ العصر الجاهلي حتى عام 1728م، ثم أكمل المعولي الأحداث التي وقعت خلال الفترة من عام 1728 حتى 1744م  ، وانفرد بذكر حملات نادر شاه الفارسي على عمان في أواخر عهد اليعاربة، إلا أن تأريخه للكثير من الأحداث ليس دقيقا. ثم ظهر بعد ذلك كتاب بعنوان (تاريخ أهل عمان) لمؤلف مجهول أكمل الأحداث حتى عام 1783، واستقى معظم معلوماته أيضا من كشف الغمة. وممن ألف في علم التاريخ والأنساب الشيخ عدي بن صلت بن مالك البطاشي، الذي يرجح أن تكون وفاته قبل عام 1200هـ/ 1786م.
ب / الفلسفة (الأسرار والمكاشفات):
بحث بعض العلماء في تلك الفترة في بعض الجوانب الفلسفية ولكن تحت مسمى (الأسرار والمكاشفات)، وربما يكونون قد انطلقوا من ذات المنطق الخاص ببحوثهم في (السلوك) عندما امتنعوا عن استخدام مصطلح التصوف. وعلى أية حال فإنه عندما تطرق بعض الفلاسفة المسلمين من أمثال أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (ت في عام 260هـ/874م) إلى أنواع المعرفة الحقيقية التي ينبغي للمسلم أن ينشدها قدم الشيخ أبو نبهان الخروصي مفهوما خاصا أطلق عليه (الكشف) وعـّرفه بأنه: إظهار الشيء برفع ما يواريه من الأستار بواسطة الأنوار وهو ما يسميه بـ(المعراج النفسي). وقد وضح ذلك بقوله: "الكشف أعلى مرتبة من العلم واليقين، لكنه خاص لبعض العارفين"، ويعتقد أنه بالإمكان طلب هذا العلم  بـ" تجريد مرآة القلب وجلائها حتى تخلص من جميع الأكدار فتصير في نهاية الإشراق بالأنوار ممكنة، وحينئذ تطلع فيه شمس الإيمان بأنوار العرفان، وتنجلي له الحقائق، وتنكشف له في ذاته غوامض جواهر أسمائه تعالى وصفاته، فيلج في بحارها، ويلتبس بأنوارها، ويحظى بأسرارها ". وذكر الشيخ أن الوصول إلى حالة الإشراق بنور الإيمان لا تتم للنفس إلا بمجاهدة الشهوات، وإخضاعها للإرادة والعقل الحكيم. وقدم شرحـا فلسفيـا لذلك مفاده أن "هيكل أو جسم الإنسان جسد مظلم، وطبعه ثقيل، فهو يتكون من الماء والتراب، أما العقل فجوهر نوراني، والروح أمر رباني وسر إلهي، فإن غلب على الإنسان طبعه البشري المادي الثقيل سقط إلى القعر والهاوية، وإن غلب عليه طبعه الروحانـي الخفيف اللطيف حلـّق في الأجواء حتى ينتهي إلى أعلى عليين". ويرد هذا المعنى على ألسنة بعض فلاسفة المسلمين ومنهم الكندي وذلك في قوله: " إن النفس من نور الباري، فهي لذلك لا تصل إلى المعرفة إلا بالتطهر من الأدناس وترك الشهوات".
وممن طرق علم الأسرار والمكاشفات الشيخ عامر بن علي بن مسعود العبادي، وقد ألف كتابا بعنوان ( أنوار الأسرار ومنار الأفكار ) ، ومن شعــره الذي يدل على مكاشفاته قصيدة قال فيها:  
             برزت لكم في عام طمرغ نبذة     بكنوزها ورموزها متلألئـــــــة
وعلماء الأسرار يرمزون لكلمة طمرغ بأرقام محددة: فالطاء رمزه 9، والميم 40، والراء 200، والغين 1000. ومجموع هذه الأرقام 1249، ولعلها العام الهجري الذي قال فيه قصيدته. ومن المؤلفات قريبة العهد بالفترة التي تناقشها هذه الدراسة ولها علاقة بالجانب الفلسفي كتاب (كشف الأسرار المخفية في علم الأجرام السماوية والرقوم الحرفية) لعمر بن مسعود المنذري (ت في عام 1160هـ/1747م)، ويتضمن الكتاب الذي يتكون من ستة مجلدات مواضيع مختلفة في علم الفلك والفلسفة وأصول الروحانية وتسخير الأملاك والجان.
ج/ علم الفرائض:
يقصد بالفرائض المواريث، ورغم أن هذا العلم هو أحد علوم الشريعة الإسلامية إلا أن التخصص فيه يلزم ـ بطبيعة الحال ـ التمكن من معرفة أصول الحساب، حيث يتم تقسيم تركة المتوفى على الورثة وفقا لنصيب كل منهم، حسب المعايير التي تحددها الشريعة. وكان بعض الفقهاء بارعين في هذا العلم، ومنهم على سبيل المثال الشيخ محمد بن عامر المعولي الذي يعد كتابه (المهذب) أحد أهم المراجع وأسلسها في المواريث. وقد تميز المؤلف بعقلية علمية وبديهة حاضرة وذاكرة ملفتة. كما تميز بالأمانة والدقة العلمية، وسعة الإطلاع على المصادر وأمهات الكتب في هذا المجال.
د/ الكيمياء:
يقصد بالكيمياء تحويل المعادن كالحديد والنحاس إلى معادن نفيسة كالذهب، وكان من أبرز العلماء الذي كتبوا في هذا العلم الشيخ أبو نبهان الذي ألف كتابا بعنوان (الصناعة الإلهية في علم الكيمياء وقلب الأجساد النحاسية). وقد اقتفى الشيخ ناصر آثار والده فصنف في هذا العلم أيضا. كما كانت لناصر بن سليمان العبيدانـي النزوي إهتمامات كيميائيـة هو الآخر.

تعليق عبر الفيس بوك