علي كفيتان
الكثيرُ منا سَمع عن قصص مغارة علي بابا والأربعين حرامي، وأبناؤنا تربوا على هذه القصص الشيقة؛ فهناك ثلاثة أقانيم هي الكنز، والأربعين حرامي، وعلى بابا، والأخير هو حلَّال العقد ومُنقذ الجميع وصاحب طريق الفضيلة، رغم أنه ضعف في أول مواجهة مع الكنز، ففرش رداءه، وأخذ ما طاب له من الجواهر، ووضعها على ظهر حماره، وقفل عائدا إلى بيته.
تحكي القصة أن علي بابا رجل فقير، وزوجته سيدة فاضلة، يعيشان في قرية استولى عليها أربعون حرامي ينهبون ثرواتها، ويجمعونها في كهف بعيد داخل الغابة، بينما يسود الفقر والفساد كلَّ أركان القرية، ويطحن الفقر جميع رعاياها، وبعد أن نضبت مناجم الذهب، وغص الكهف باللؤلؤ والجواهر، فرضوا على الناس الزكاة وهم لا يملكون نصابها الشرعي.
علي بابا يذهب كل صباح ليحتطب من الغابة ويبيع ما جمع على ظهر حماره الهزيل في سوق البلدة ليؤمن قوت أهله، وذات يوم وهو في تُخوم الغابة سمع صوتَ حوافر الخيل تدكُّ أرض الغابة، فانسل من خلف أكمة وشاهد وفدا من أربعين رجلاً على صهوات الجياد عند باب الكهف، وصاح أحدهم بأعلى صوته "افتح يا سمسم"؛ فانفرج باب الكهف، ودخل الجميع مع أحصنتهم المحملة بالذهب والفضة، وبعدها خرجوا وغادروا المكان، وأُغلق الباب على نفس الصيحة التي دخل بها ذلك الوفد رفيع المستوى.
استغربَ علي بابا من هذه الحادثة، فهو يعرف الأربعين تمام المعرفة هم عِلية القوم وسادة القرية، التي أفنا عمره لخدمتها، فقال: لماذا لا أجرب الدخول إلى الكهف، وأزيل هذا الغموض، وهذه الحيرة عن نفسي؟!! جرَّ حماره، ووقف بالباب، وصاح بأعلى صوته: "افتح يا سمسم"، ففغر الكهف فاه على كنوز مكدسة، وبينما هو مُنبهر، وجد خاتمَ أمه وقلادتها التي قضت منذ سنوات بالمرض، علم بأن الكنز يعود للأربعين رجلاً، وأيقن أنهم كانوا ينهبون ثروات القرية لعقود.
فرش علي بابا رداءه، وكدس فيه ما استطاع حمله من المقتنيات، وخرج جارًّا دابته المريضة، وفرحاً بما جمع، وعند دخوله البيت أخبر زوجته الفاضلة، فحاولت ثنيِه عن الأمر، وقالت له أعد هذه الأشياء حيث وجدتها، فهي ليست لنا، فأخرج لها خاتم وقلادة أمه، وقال: هذه لي، فلماذا أخذوها من أصبع ورقبة أمي التي كانت تحتضر مرضاً وجوعاً، وأقسم بأن لا يعيد ما أتى به، لكنه احتار في كيفية إخفاء هذا الكنز، فذهب لأخيه قاسم وطلب منه عِدَّة الحفر فالرجل مزارع، ولكن قاسم استغرب، وقال: أخي علي بابا حطَّاب، فما حاجته لأدوات الحفر؟ فتبعه من حيث لا يراه وراي أخاه يحفر حفرة عميقة وسط باحة بيته ويضع الذهب والفضة ثم يدفنها، وهنا ظهر له قاسم، وقال له إمَّا أن نتقاسم الثروة أو تدلني على مصدرها، حاول علي بابا عدم البوح، لكنه في النهاية رضخ لرغبة أخيه، وذهبا إلى الكهف ودخلا، فغادر علي بابا سريعا، بينما ظل قاسم يجمع بجشع، ومر الوقت حتى حضر الأربعون ليودعوا حصيلة نهبهم اليومي، حاول قاسم الاختباء، لكنهم أمسكوا به، ولم يظهر منذ ذلك اليوم، بينما علي بابا يندب حظه على فقدان أخيه.. قالت له زوجته: اذهب لفقراء القرية، وأخبرهم بما حصل لعلهم يقفون معك وتستعيد أخاك، فوافقها الرأي، وجمعهم وأسرَّ لهم بما حدث.
في اليوم التالي، تجمَّع أهل القرية، وذهبوا إلى الكهف، وصاحوا جميعا بأعلى صوت: "افتح يا سمسم"، فانفرج باب الكهف على مقتنياتهم التي نهبها الأربعون حرامي طوال عقود من الزمن، فأخذوها، وأقاموا قرية فاضلة تربَّع على عرشها علي بابا، وساد العدل والسلام، وتمتع أهلها بالرفاه الاجتماعي والحكم الرشيد.
alikafetan@gmail.com