كنتُ عاطفيةً

هالة عبادي - سوريا


هي الأمور مختلطة هنا، الناس لا يرونه، لذلك فعواطفه تنتقل بين جميلات متصفحه ليل ونهار.  
بعد ظهر يومٍ حار توقفت عند مفترق طرق، نوافذ تسبب في الرأس دواراً، تطل منها ذكرياتٌ تمر بلا انقطاع، تمر تاركةً على الزجاج دموعاً وبقايا نزف.
أحاول جاهدة مسح تلك البقايا، ليته لم يرني، " مجرد استعراض" هكذا كان حديثه معي، بصقت على ذكراه، لم يخفف ذلك من غلواء قهري.
الغضب يغمرني حتى أخمص قدمي، غضبي من الرجال، خاصةً أولئك الذين لا يحبون سوى أنفسهم.
حشد غفير من متبلدي المشاعر بهتافات ثقافية ورموز وشعارات مدنيّة يمرون بكثافة، كان لدي بصيص أملٍ به.
لا يتجول وحيداً، بلا ملابس رسمية، ساعته، هاتفه، والأساور التي تلف معصمه، رفضه القاطع لربطات العنق، لم أصادف قبل أحداً مثله، أو لم نتصادف، كلانا كان ذاهب للصيد.
التقيته وحوله نساءٌ كثيرات، من جنسيات مختلفة، نساءٌ مع أطفال وأخريات بلا أطفال، البعض يغطين شعرهن وأخريات يطلقنه كما تفعل الغجريات، وهو يتنقل بينهن بمنتهى النشوة.
لا أعرف أي نوع من النشوة يجد بحضورهن بتلك الكثافة، ليت المطر ينزل فيغسل تلك النافذة.
لم أجد مكاناً لأنتظر معهن، تنحيت جانباً لكنه انتبه لنظراتي المسروقة إليه، جميلتان على الرصيف تنتظران مثلي، اقتربتا منه أشار بيديه لتتباعدا توسطتهما بلطف، حدقتا باندهاش.
لم تحد كل منهما نظراتها عني، بدأت بتحريك خصلات شعري، فابتعدتا قليلاً، قال: " دعينا نمش"، لامست جبيني نجوم السماء، لقد لقنتهم درساً، انفردت بالسعادة، ومضيت معه إلى حيث أراد.
أناسٌ قادمون وذاهبون، واجهاتٌ زجاجيةٌ براقة، أبنيةٌ عالية، أعدادٌ كبيرةٌ من أشياء كثيرة، هل كانت تلك اللحظة مناسبة لإطلاق عواطفي؟
كل الذنب يعود على خصلات شعري، لولاها لما عرضت عواطفي عليه، لو لم تفرق النساء عنه، لما استطعت.
شرعنا بالسير صعوداً حتى القمة... لو أن كارثةً حالت دون متابعتنا المسير،  وقفت أمي مرحبةً خلف الباب، ببلهٍ أخذ يحدق فيّ، ثم اختفى على عجلٍ.
أفكر بنظرة أمي، ثابتةٌ لا زالت الأرض تحت قدمي، أجلس على طرف سريري أمشط خصلات شعري وأعيد ترتيب عواطفي، أما هو، فكعادته كل يوم اختبأ في الحمام لتختلط رغباته بمجاري المدينة.

تعليق عبر الفيس بوك