رودي سليمان شهادة تاريخية أم شاهد قبر؟

غادة سعيد – ناقدة وأكاديمية - سوريا


إلى هذا الحد عند الشاعرة السورية/ الكردية المنشأ، رودي سليمان- يصبح الفناء في المحبوبة/ سوريا، تضحية بطريقة مقاربة لمطلق الموت، لا تحيا إلا من أجل الحبيبة سوريا، هي بالأحرى تحيا من خلالها؛ وتتوقف الحياة من أجلها ومن خلالها.
تشدو كفراشة، فتختال بين الصور الشعرية - رغم كآبتها ودمويتها وسوداوية الكتابة - علَّها تتحرر بعمق، وتحلم بعودة سوريا، لنكتشف ما وراء الكلمات من مناجاة وشغف على الحياة ذاتها داخل سوريا، طبعا، ورخاءً، وتعايشًا، زحبورا وجرأة رائعة، تطل من وراء عتمة اللوحة الشعرية التي بين أيدينا..
تصبح العاشقة - رودي سليمان- ميتة/ حية، تبقى حية من خلال نوع من التنفس الاصطناعي/ الأمل تتوسله ميتة بالقوة حيث في كل سطر من قصيدتها - ولو كان يشي بواقع مرير- فهي في كل لحظة متعلقة بالمعشوقة/ سوريا.
أن نعبر عن هذه الحالة، هي أن نكرر بلا هوادة أننا سنموت من أجل المحبوبة/ سوريا حتى ترجع لنا؛ أن نعلن أن الحياة هبة مشروطة بالتخلص من هذا الواقع الأليم التي تمر بحياة الارض الطيبة التي مشى الله عليها كما تقول الأسطورة..
على قمة الخراب/ الفناء الحاصل على أرضها و التي ما فتأت في كل سطر من القصيدة تذكر القارئ/ المحتمل، تظهر التضحية والموت عن طيب خاطر من أجل خلاصها، هي إذن قصيدة تحريضية للمقاومة و رفع الهمم وعدم الاستكانة، فسلاحها النهائي هو الرغبة المتسلطة وشراهة التملك عند الشاعرة من أجل استرداد الحبيبة/ سوريا، دون إعطاء تصور أو مرجعية إثنية أو سياسية أو فكرية لهذا الاسترجاع/ التملّك.. هي فقط تريد عودة الحبيبة/ سوريا لما كانت عليه..
وهنا يجب علينا طرح السؤال: أي سوريا تريد الشاعرة، وتحديدا ماهو التاريخ الزماكاني الذي تقصده بالضبط لهاته العودة؟
هو سؤال ذكي ينمّ عن نظرة وبعد النظر، وفي الوقت نفسه دعوة لكل السوريين لتحديد ميثاق يجمعنا أكثر مما يفرقنا..
كما لو أن كل حقيقة - هذه الحصة من الظل حيث يستنفد الضوء - تنقلها القصيدة، والدنو من الموت/ الخراب الحاصل ليس شيئا آخر لتكون القصيدة، شهادة تاريخية أو شاهد قبر يغطي مرة سوريا الحديثة/ المعاصرة الغارقة في الدماء حدّ الهلاك..
هذا الموت الذي أصبح لنا – كقراء - من خلال كل كلمة، وكل حرف، وعبر كل صوت وصمت، حيث المعنى لا يمنح معنى المغامرة؛ فمن أجل أن تملك معنى المغامرة تحتاج إلى معنى عميق للكلمات، ولمعانيها المتعددة (الدال والمدلول كما الدلالات) التي ليست سوى نيران إشعالها..
هكذا، القصيدة المحمولة للشاعرة من قبل كلماتها، ستحيا من حيواتها الحميمية، كي لا تموت وتنبعث من رمادها وخرابها لغد أفضل هو بيد أبنائها السوريين..
هكذا، نحن في الأول مسوقون ثم مهجرون ثم مهجورون من قبل كل ثانية لحياتنا بحيث لا نستطيع في نهاية المطاف أن نشهد سوى على هذا العشق لسوريا..
شكرا رودي سليمان على لوحتك/ القاتمة التي تحمل ألوان قزح وتأبى إلا أن تظهر لنا من وراء كل سطر.. شكرا لك على رسالتك لكل السوريبن.. فقد حان موعد استرجاع سوريااااناااا..
القصيدة:
خذوا ماشئتم من البلاد
عتمتها
ريقها
شلال دمها
صدى أنينها
سلطانها المغتال
حزنها المغرور
صبا حربها
خرابها في أبهى صوره
سلاسل قيدها
سليل الموت منذ عقود
طرق الإعدامات
سجونها المظلمة
زبيبها النابت على أجساد متعفنة
شمسها الخجولة وراء التواريخ المتوقفة
خذوا استدارة القمر
رقصة السنابل
خيمات النزوح
وَحْل الطرقات
بنفسجات نبتت على القبور الجماعية
رحى جدتي الحجري النائم على البيدر
مرُّوا من هناك
وكجرادٍ
احرقوا أخضرها إن وجدتم
ويابسها المزهو على واجهة مدنها
احرصوا على صلب نملها قبل بردها
أوئِدوا  قمحها قبل جوعها
اهدموا ما شئتم من تلك البلاد
خذوا مفاتيح قلاعها
صدى كهوفها
واتركوا
صبغة الهدم المسنودة بالخراب
ليوم ما
يوم ترسم الأجنة حفيفها وتشوهها   
لتنسل حروف البلاد مختالة في عروقهم
وتهتف بعد ألف عام قداسة الروح في اسمها
س و ر ي ا

تعليق عبر الفيس بوك