أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (16)

د. عمر هزاع – دير الزور - سوريا

 

نتحدث في هذه الحلقة عن أحداث المرحلة بين غزوتي (أحد والأحزاب). وما تمخضت عنه من نتائج وما تسببت به من دوافع لخوض المرحلة التالية.

عَينُ الشَّماقَةِ  أُحدٌ  باتَ يُغريها
                     وَبِالشَّماتَةِ - مِمَّا فاتَ - يُعميها
مُنافِقُوها مِنَ الأَعرابِ قَد جَهَرُوا
                      مَعَ اليَهُودِ  إِذا لاحَتْ بَواديها
فَكاشَفُوا بِعِداءٍ سافِرٍ ؛ فَعَتَتْ
                     شَتَّى الطَّوائِفِ تَغلُو في تَعَثِّيها
فَكانَ لا بُدَّ مِن تَخضيدِ شَوكَتِهِم
                    بِالاستِباقِ إِلى استِهدافِ لاحيها
مُناوَراتٌ؛ سَراياها قَدِ انتَصَفَتْ
                  مِن مُوعِديها, وَقَد ناصَتْ مُعِدِّيها *160
كانَتْ  شَرارَتَها الأُولى   بَنُو أَسَدٍ
                   حَتَّى تَشَرَّوا ؛ فَما أَسدى تَناعيها *161
بِرَأسِ  خالِدَ  شُدَّتْ عُقدَةٌ ؛ فَسَرى
                     يَخلُو لَها  ابنُ أَنيسٍ؛ ثُمَّ يَسنيها *162
وَفي الرَّجيعِ  ؛ استَباحُ الغَدرُ بَعثَتَهُ
                  فَجَرَّعَ المَوتَ - كاساتٍ - لِمُقريها *163
•    (أَما يَسُرُّكَ أَن تَرتاحَ؟)
      - يَسأَلُهُ  المُذَمِّمُونَ –
     (وَأَن يَرتاعَ  ذاميها؟) *164
    (لَيتِي أُشَكُّ عَلى الأَرماحِ) - جاوَبَهُم – (شَكًّا)
      خُبَيبُ
     (وَتَمسيني مَواسيها , وَما يُشَكُّ رَسولُ اللّهِ) - أَعقَبَها – (بِشَوكَةٍ , وَأَنا في السَّربِ هانيها)!!

لِلَّهِ دَرُّ الذي -  لِلَّهِ  - باعَ بِها
                      نَفسًا ! تَنَفَّسُ - أَطيابًا - مَزاكيها
فَما يَهابُ إِذا ما صَلَّبُوه ! وَقَد
                   بِرَكعَتَيهِ – ضَرا جُرحٌ – يُصَلِّيها! *165
أَمَّا مَعُونَةُ  مَأساةٌ لِبِئرِ دَمٍ
                     عَلا الزُّبى  سَيلُ نَعيٍ مِن تَداميها *166
 بَنُو النُّضَيرَ  عَلى ما فاتَ مِن  أُحُدٍ
                         تَجَرَّأَتْ ! بَعدَ ذُلٍّ كادَ يَصميها
فَأّضمَرَتْ - لِرَسولِ اللَّهِ - مَقتَلَةً
                   فَزُحزِحَتْ - عِندَ  جِبريلٍ - مَحازيها
فَأُجلِيَتْ بَعدَما لَجَّ الحِصارُ عَلى
                             حُصُونِها , ثُمَّ خانَتها مَآتيها
نَصرٌ تَثَبَّتَ لِلإِسلامِ مَعقِدُهُ
                           عَلى  المَدينَةِ  إِذ فَرَّتْ أَفاعيها

فَكانَ دَفعًا لِتَأديبِ الذينَ تَجَرَّؤُوا, عَلى سَقَطاتٍ مِن تَداعيها, يُخَرِّبونَ  بِأَيدِيهِم مَنازِلَهُم, فَلِلمَعاوِلِ رَجعٌ في مَلاعيها *167

في ذّلِكَ الوَقتِ ناطَتْ  بَدرَ  مَوعِدَةٌ
                                لِساعَةٍ ضَرَبَتها في مَناطيها *168
فَأَخلَفَتها  قُرَيشٌ  بَعدَما عَزَمَتْ
                        فَأَحجَمَتْ - عَن مَراميها - مَواميها *169
بَينا- هُنالِكَ - فازَ المُسلِمُونَ بِما
                      قَد حَرَّمَتهُ – عَلى العادي – مَراحيها
إِذِ استَعادُوا زِمامَ الأَمرِ, فانقَلَبُوا
                                    كَأَنَّما لَيِّنُ العِيدانِ قاسيها  
فَوَطَّدُوا دَولَةً تَمتَدُّ أَذرُعُها
                                   لِكُلِّ قايئِ عَهدٍ في قياقيها
وَأَعتَدوا مِن عُطاشِ البِيضِ جَندَلَةً
                            بِدَومةِ الجَندَلِ  اخضَلَّتْ مَحاليها *170
وأَتبَعوا بِرِسالاتِ الهُدى رُسلًا
                             لِيَنشُروا الدِّينَ نُورًا في دَياجيها
 
...............................................
هامش:
شماقة : جنون و مرح \ شماتة : سخرية \ بوادي ( بوادئ ) جمع بادئة : بدايات \ تعثِّي : فساد و ظلم \ تخضيد الشوكة : كسرها دون فصلها , أو قطعها \ لاحي ( من الفعل لحا يلحو : شتم و لام ) \ تشرى : تفرق \ يسني : يحل العقدة \ مقري ( مقرئ ) \ المذممون : مَن يذمون الرسول و يسمونه مذممًا ( عوضًا عن محمد ) و هم الكفار و المشركون \ ذامي ( من الفعل ذمى يذمي : ومعناه أشرف على الموت أو بيقت فيه بقية من روح ) \ يمسي : ( مسى السيف : انتزعه و استله ) \ مواسي ( جمع موسى : وهي آلة فولاذية حادة )
زبى : ( قمة جبل مذكور في المثل : بلغ السيل الزبى ) \محازي : جمع محز , آلات للقطع \ مآتي : جمع مأتى : وجه يؤتى منه \ ملاعي ( ملاع ) صحراء واسعة مقفرة \ ناط : بعد , قطع رأيًا بغير مشورة , علق \ مناطي : مواضع التعليق ( جمع مناط ) \ موامي ( و موامئ ) جمع موماة و موماء : وهي الصحارى \ مراحي : المراح مأوى الماشية و موضع رواح القوم \ قايئ ( قائئ ) من الفعل قاء يقيء : ومعناه هنا ( الناكث بعهده ) \ قياقي ( وقواق و قيق ) جمع قيقاءة وهي الأرض الغليظة \ عُطاش : داء يصيب الحيوان و الإنسان فيشرب و لا يرتوي \ محال : باطل و معوج \ جندلة ( واحدة الجنادل ) و جندل يجندل : صرع و رمى أرضًا \ محالي ( محالئ ) : آلات لقشر الجلد و سلخه \ دياجي : ظلمات ( جمع ديجوج )

مراجع:
*160 : وقعت بين أحد و الأحزاب عدة سرايا و غزوات و بعوث كان دافعها الرئيس هو إعادة هيبة الإسلام بالاقتصاص ممن غدروا بالمسلمين , و نسوقها باختصار : ( سرية أبي سلمة – بعث عبد الله بن أنيس – بعث الرجيع – مأساة بئر معونة – غزوة بني النضير – غزوة نجد – غزوة بدر الثانية – غزوة دومة الجندل )
*161 : و هي سرية أبي سلمة إلى بني أسد بن خزيمة حيث باغتهم في ديارهم ففروا تاركين كل شيء خلفهم \ زاد المعاد 2(108)
*162 : بُعث عبدالله بن أنيس إلى خالد بن سفيان الهذلي فعاد برأسه منتصرًا فأعطاه الرسول – صلى الله عليه و سلم – عصا و قال : ( هذه آية بيني و بينك يوم القيامة ) فلما حضرته الوفاة أوصى أن تجعل في أكفانه \\ زاد المعاد 2(109) \\ ابن هشام 2(619-620)
*163 : بعث الرجيع الذي غدرت به عضل و قارة و هذيل فقتلت ثمانية من مقرئيه وباعت اثنين إلى قريش وهما : زيد بن الدثنة – الذي قتله صفوان بن أمية بأبيه - و خبيب – الذي راودوه ليرتد فأبى فقتلوه – وقصته الشهيرة تأتي لاحقًا  \\ المصادر : ابن هشام 2(169 و حتى 179) \\ زاد المعاد 2(109) \\ صحيح البخاري 2(568-569-585)
*164 : عندما أجمعت قريش على قتل خبيب قال له أبو سفيان : أيسرك أن محمدًا عندنا نضرب عنقه و أنت في أهلك ؟ فقال : لا و الله ما يسرني أني في أهلي و أن محمدًا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه , فصلبوه و قتلوه و وكلوا به من يحرس جثته حتى احتال عمرو بن أمية فدفنه ليلًا .
*165 : لما أجمعت قريش على صلب خبيب قال : دعوني حتى أركع ركعتين , فتركوه فصلاهما فلما سلم قال : والله لولا أن تقولوا إن ما بي جزع لزدت , ثم قال : اللهم اجمعهم عددا و اقتلهم بددا و لا تبق منهم أحدا \\ وفي الصحيح أن خبيبًا أول من سن الركعتين عند القتل
*166 : آلمت مأساة بئر معونة الرسول لأنها أودت بحياة سبعين من خيار المسلمين و قرائهم في حادثة غدر شنيعة و لأنها كانت في أثر مأساة الرجيع
المصادر : ابن هشام 2(183 و حتى 188) \\ زاد المعاد 2(109-110) \\ صحيح البخاري 2(584-586) \\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 260
*167 : تآمر بنو النضير ليلقوا عليه – صلى الله عليه و سلم - رحى ليشدخوه بها فبلغه جبريل فنهض مسرعًا إلى المدينة ثم بعث لهم يقول : ( اخرجوا من المدينة و لا تساكنوني بها و قد أجلتكم عشرًا فمن وجدت بعد ذلك ضربت عنقه ) فتهيؤوا للخروج منها لولا أن ابن سلول واعدهم على الثبات معهم ضد رسول الله فأخلفهم عندما حوصروا في حصونهم وخانهم حلفاؤهم فاضطروا للخروج منها غير مسلحين على شرط رسول الله , و فيها نزلت سورة كاملة هي سورة الحشر و التي كان ابن عباس يسميها سورة النضير . و في البيت تناص من الآية (2) منها \\ المصادر : ابن هشام 2(190-192) \\ زاد المعاد 2(71-110) \\ صحيح البخاري 2(574-575)
*168 : في نهاية أحد واعد المشركون المسلمين للقاء في العام المقبل في بدر فخرج له الرسول في ألف وخمسمائة و لكن قريش أخلفته \\ المصدر : فقه السيرة 315 .
*169 : خرج أبو سفيان إلى بدر الثانية في ألفين من مشركي مكة متثاقلًا وقد تسلط عليه الرعب حتى خار عزمه وهم بالرجوع فاحتال لأصحابه بجدب عامهم الذي هم فيه فأرجأهم لعام آخر و وافقه الجيش فقفلوا راجعين بينما أقام المسلمون ببدر و باعوا ما معهم من تجارة ثم عادوا للمدينة بعد أن انتقل زمام المبادرة إليهم و تسمى هذه الغزوة ببدر الثانية و بدر الموعد و بدر الآخرة و بدر الصغرى \\ ابن هشام 2(209-210) \\ زاد المعاد 2(112)
*170 : خرج رسول الله في ألف إلى دومة الجندل التي وصلته أنباء عن حشد قبائلها الحشود لغزو المدينة فباغتهم ففروا منها و تركوا ماشيتهم و آثارهم

تعليق عبر الفيس بوك