شرخٌ خَفيٌ ما بَيني وَبيني

مالك البطلي - العراق


(1)
شعورٌ ما يحزُّ نَحري
مُنذُ أَيام، يَجثو على صَدرِ صَبري وَيحاولُ سَرقة كُلّ ابتِسامة مِن قَفَصِ شَفتي
كَيفَ لي بالنَجاةِ من هذا الخَراب
كانَ عَلَيَّ وَبِكلِّ وَسيلَةٍ ممكِنةٍ أَن أَعرفَ هذا الـ(هذا)
لا أَعلمُ ما هذا
إنَّهُ حُزنٌ مُزدَحِم
بِسَبب هذه التَفاصيل الصَغيرة
التي أَعطيتُها أكبرَ مِن حجمِها
وَما كانَ عَليَّ أن أَمنحَها أكثرَ مما تَستَحِق
على الرُغمِ من ثلجِ روحي الشَديد
وكَآبتي وَصِراعاتي ولا مُبالاتي
كانَ عَليَّ أَن أَحترق
بِشكلِ وَخزٍ، بِشكلٍ خَيالي، بأَي شَكلٍ من الأَشكال
في كُلِّ مَرةٍ أَقول أنَّي آسفٌ تَنطلِقُ مِن فمِ حُزني صرخةٌ عَميقةٌ تَحملُ الكثيرَ من مَشاعرِ الأَلم
ولكن تولدُ بِداخلي ولادةً جَديدة لشخصٍ ما بدماغِ قَلبي
 أعرفُ جَيداً هذا الشخص
"أَنا لا بَأس أتمهلُ أنا"
أسفٌ يا أَنا لا تَبدأُ بالكتابةِ من أَجلي
كي لا تكونُ ولادةً جَدّية لألمٍ أكثرَ شدَّةٍ وألمٍ
إنَّ الحُزنَ البَليغ قَد أَسرَ كُلَّ مشاعِري الهارِبة التي جَمعتُها في المَنفى الأَخير من رحلةِ عمرٍ
وَكَبَّلَ لساني وَعقدَ أَجنحةَ خيالي
فلا تحاولْ الاستماعَ لموسيقاي المُفضلة
ولا تَقرأ كُتبي السوداوية
ولا تَكترثْ بي أَنا من الممنوعاتِ جداً
لا تحاولْ التفكيرَ بِمَصيري ، مجردُ لا شيءٍ في قاموسِ حَياتِك
أُمي فقط هي الوَحيدةُ التي تهتمُ بِحُزني
تفكرُ بي
تمسحُ عن وَجنتي مسحةَ الحُزنِ
تَضمني إلى صَدرِها الحَنون
كي استرجعُ بعضَ ذكرياتِ طفولَتي
(والقمر إذا اتسق)
لَن أَصرخَ بعدَ الآن
لأَنّي وحيدٌ في هذا الزمانِ والمَكان ولا أَعلمُ كيفَ صَبغتُ ضحكَتي بلونِ الهروبِ دونَ أَن أصرخَ وأَعثرَ عَليَّ
"دللول يا كسر عمري دللول"

 (2)
أكرهُ نافذتي التي لا تطلُ عليك
أكرهُ الصباحَ لأنه مظلمٌ دونَما وجهك
أكرهُ الأطباءَ فحتى أدويتِهم مَرض
أكرهُ الشفاءَ الذي يأتي بعد رحلةٍ طويلة جداً
أكرهُ القبائلَ بصورةٍ عامة بما فيهم قَبيلتي.
 أكرهُ حُزني الذي تراهُ يلهثُ في بريقِ عَيني
أكرهُ سيجارتَه لأنها أقربُ منّي إليه
ولأن أصابعَه قريبةٌ منها وبَعيدةٌ عن خصري
أكرهُ بائعَ البالونات مَن باعَنا الامَلَ بفقاعةٍ مَجهولة
أكرهُ الثالثةَ صباحاً بما تَحملُ مِن ذكرَيات مَيِّتة
أكرهُ الطرقَ التي تَعتَمد الإلتواءَ طَريقَاً إلَيكِ
أكرهُ طَيفَك الذي يَقتَحمَني وَحيداً بلا أَنتِ
أكرهُ اللِقاءات التي تُميت جُزءاً مِن الشَوقِ
أكرهُ آثارَ معارِكي الواقعة ما بين السبابةِ والإبهام بما تنتجُ من نصوصٍ مُحنَّطة
أكرهُ الوعودَ المسبَقة في حضرةِ حبيبٍ جائرٍ مُتَغَطرسٍ
أكرهُ مقلتي العاجزة عن نزفِك دَمعةً دَمعة وقَصيدةً، قَصيدة
أكرهُ البيوتَ المهجورة كما شارع صَدري
والطيورَ المحلقةَ كَما ناظرَيك الجامِدين
أكرهُ الحياةَ التي تَخلو مِنك وَمن لِعبتك
وحاجتي التي تفتقرُ لأيدي المَلائكة
أكرهُ البداياتِ الخادعة
والنهاياتِ المُنطفئة
أكرهُ الخريفَ وتَخليه عن جِناحيه
أكرهُ المناديلَ وقِصرَ عمرِها أمامَ عمرِ الدموع
أكرهُ السقفَ الذي يُحدقُ بجثتي
أكرهُ قضبانَ غُرفتي
أكرهُ العالمَ وفكرةَ المسافاتِ واختلافَ المُدن المُتطايرة
أكرهُ النصوصَ التي تَحوي ملامحَ المُغادرة
وأبطالَ الرواياتِ مِمَن لا تُنصفهم النهاية
أَكرهُ سكبَ نَفسي خلفَ سراب وجودكِ
أكرهُ الهدايا والعطور التي لم تُفرقنا يوماً
وأكرهُ أَن نَفترق!
أكرهُ فكرةَ شروق الشمس ومزامنتِها لسباتِ آمالنِا
أكرهُ حقيبةَ الواقِع التي لا تَتسع لِكُلِّ ما في جُعبةِ قلبي من أُمنيات
أكرهُ أعمدةَ الإنارة التي لا يَسعُها أن تجمعَ ظلينا
أكرهُ الحطابين مِمن يَقتاتونَ على ضعفِ الشَجر
أكرهُ قضمَ أظافر انتظاري
أكرهُ الأصدقاءَ وانهمارَهم المفاجِئ من جَوف قلبي لسببٍ وبلا سَبب
أكرهُ ملجَئي الوَحيد الذي ألوذُ بهِ ولا يقيني بردَ أرواحِنا المستلقية
أكرهُ الرسائلَ الأخيرة وقائمةَ الاعتِذارات التي لا ترتقُ الجروح
أكرهُ اتكائي على خاصرةِ الموتِ منتظراً أَجلي
أكرهُ الوسادةَ وخرائطَ الدمع المُبللة فوقها
أكرهُ معشرَ الشُعراء وإدعاءاتَهم وعنفَ نَواياهم
أكرهُ النقاشاتِ العَقيمة
أَكرهُ ثرثرةَ الصمتِ
أكرهُ تناقضاتنا المُستَمرة، شحوب وجوهنا، ارتجافةِ صَوتنا، دخان سجائِرنا، زيف ابتسامتنا، وأُحبُ حُزننا
أكرهُ "مالك" بعمقِ تذمرِه ولحظاتِ طَيشه، باكتئابِه المفاجئ وعَينيهِ الماطِرتين، بصراعاتِ ماضيهِ، وحيرِة حاضِره
وأحبِك
أكرهُ المبررات وتفاهات العهود وكل شيء من هذا القبيل،
 لِذا أنا راحلٌ بلا اعتذارٍ بلا تَبريرٍ وبلا أدنى مُفردة.

تعليق عبر الفيس بوك