حوار مع الذات

ربى الحايك – سوريا


في رحلة الحياة، في العزلة من كل هذا الزحام من يسعى لقراءة نفسه..؟ من يبحث عن ذاته التي ربما تكون هي الغفلة الوحيدة الكارثية في رحلتنا..؟.
خسائر الذات لاتسمّى تجربة كغيرها، وأما انتصاراتها فمحطات لانعود بعدها كما كنا من قبل..
**
يلتحفُ الرأس بحوارات الذات..
والحوار مع الذات، أسئلةٌ حيرى، وينابيع عتاب..
حاجةُ ضياءِ الروحِ لصدى الفعل، وبريقُ عينِ الفكر لمِداد الخُطى، وأصابع الشعور تمسكُ مجاز التعبير..
حياتنا.. ابتسامة بلاغة، وجفاف دمعة إنْ أردنا أن نفتح لها نوافذ الأمل..
كثيرون هم من لايرتضون تشبيهاً لذواتهم سوى أنفسهم، فيَسقُطون في الضجيج الفارغ، ويغيبون رغم الحضور..
وآخرون.. مثل امتداد أوردةِ الشمس، تَهِبُ خافِق الرحلة نبضاً وحياة..
مثل الأشجار التي تعلو في كلّ ريفٍ جميل، فإن تكلّمت عن نفسها منحت وأعطت دون صوت.. يحضرون رغم الغياب، وكلما مرّ عليهم الزمان تعتّقوا في الحنايا، يُفرِغونها من الخوف المقبل، وينثرون على الحِكاية عبق الحنين..
**
نُخطئُ إن نظنّ أن الدرب لايحاسب مشوارنا، ونضيعُ إذا لم نتبنَّ حقيقة أنّ الانكسارات بداية مختلفة.. فالوردة حتى تشهد صحوة الندى عليها أن تسبقها في اليقين، والصحوة.. فإن غافلها النوم، وغاب عنها الفكر، ضاع الندى هدراً على جبينها..
تماماً مثل كل ما نعيشه، ونمرّ به من فرصٍ لانتوقف عندها.. قد تأتِينا على شكل ابتسامة أو نجاح، أو بهيئة دمعة وسقوط..
وكلّ سقوطٍ هو فرصة لتحليقٍ لم نكتشفه بعد، هو نقطة في آخر السطر تمنعنا من انتظارٍ آخر..
**
في الحوار مع الذات ندرك أن مرآتنا ليست شيئاً يعكس أشكالنا، ووجوهنا..
 مرآتنا هي أفعالنا التي وإنْ صَغُرتْ لن تكون كمن ينحتُ في الهواء دروبه.. وأفعالنا لاتختفي حتى وإن نسيناها أو تناسيناها، تبقى مثل النخيل عصية على الغياب، أبدية الأثر.. تتراكم بقاياها في النفس..
**
نحيا لنمضي إلى الموت..
فكيف نغفل عن هذه الذات، عن أفراحها، ومشاعرها..
كيف نتخلى عن الذين يحيكون الوقت، وينسجون ابتسامة..
كيف نرحل عن القلوب التي تمتدّ أناملها لتسند انكسارنا، وترفعنا من عثرة..
كيف نقسو، ونلهو خلف عنادنا، وحياءنا الذي يمنعُ جَهلنا من المبادرة بكلمة طيبة لنشدّ الخيط المتدلي من حقيقة ستُبكينا إن غابت..
هنا أيضاً نغفل عن ذواتنا بأن نقطع إمداد فرحتها، وسكينتها بأفكار بالية.. ونمضي إلى الموت بأفعال نُراكِمها لنكون نحن زاويتنا المنسية في دربنا..
**
من منا يُقشّر أفعاله ليرى المختبئ في ظلّها بعد أوقات من الغضب والجنون واللامبالاة..
من منا ينزعُ أشواكاً زَرَعَها في شعورٍ ما..؟ من منّا يُخمِدُ لهيباً أَشْعَلَه في قلب، أو يتراجع عن خطوة اقترفها بحق ذاته..؟
هل فكرنا يوماً أن نغسل أخطاءنا لنصحو على الصدق.. مثلما نصحو على اليوم كل ضوء، فنغسل وجوهنا لنبدو أكثر نضارة من الخارج، متجاوزين الأهمّ والأولى في القلب والروح..؟!!.
**
حوارنا مع الذات.. حصادٌ لصوتٍ عَبَرنا وما ارتضينا الوقوف لنفهمه.. هو زراعةٌ لعشبٍ لم نستمتع باخضراره، وقطافٌ لزرعِ من ظلّوا يفتحون الأوردة المُغلَقة..
قد يكون اكتناز للمسافة، وبوح لم نتجرأ أن نلقيه على مسامع من حولنا..
هواجسنا وأفكارنا هي اليراع، وأما محابرنا فأفعالنا، وأفعالنا فقط.. لذلك لن يكون تشبيهنا البليغ سوى ماتكتبه الرحلة..

تعليق عبر الفيس بوك