الاغتراب في الشعر النسوي الخليجي

...
...
...

د. سعيدة خاطر – سلطنة عُمان


قد يكون مفهوم "الاغتراب" من أكثر المفاهيم تنوعاً وتداولاً في الكتابات التي تعالج أزمة الإنسان المعاصر، وعلى الرغم من هذا التنوع والتداول، فإن هذا المفهوم لم يأخذ معنى محدداً مستقراً إلى الآن وخصوصاً في الدراسات الأدبية والنقدية؛ فمن المعروف أن مفهوم الاغتراب بدأ فلسفياً، فقد تناوله كثير من الفلاسفة والمفكرين ثم دخل إلى حيز الدراسات الاجتماعية والنفسية، ويُعَدّ دخول المصطلح إلى حيز الدراسات الأدبية أمراً حديثاً نسبياً ودخوله إلى حيز الدراسات في النقد العربي الحديث هو أمر أكثر حداثة.
والحقيقة أن موضوع الاغتراب في النقد العربي الحديث لم تكن له تلك الأهمية التي تتناسب وحالة الإنسان العربي المعاصر عامة والمبدع العربي بصفة خاصة والذي يعاني من انكسارات سياسية وأعباء اقتصادية، وهموم اجتماعية وخذلان وقهر واستلاب عام ، ما يجعله يبتعد ابتعاداً إرادياً واعياً عن ثقافة مجتمعه، بل يرفضها لأنه يرى أن مجمل هذه الثقافة وسلطتها هي مسببات الاغتراب المتعدد والعميق لديه. ونظراً لكون الاغتراب يعد بحق مشكلة الإنسان المعاصر نتاج المادية الطاغية ، ومشكلة الإنسان العربي نتاج الانكسارات والإحباطات والتخلف على جميع الأصعدة بوجه عام ، لذلك كان اختياري هذا الموضوع للدراسة  .  
وقد اخترت دراسة الاغتراب في الشعر لأن الشعر من وجهة نظري هو حالة انفصال، الأصل فيه الرفض والاغتراب، والاستثناء هو الانتماء للجموع ،
أما لماذا المرأة ؟ فلأن معاناة المرأة واغترابها أكبر وأشمل بوصفها أنثى ، وقد نستطيع أن نطلق على اغترابها الاغتراب المركب، وهو اغتراب أفرزته - إلى جانب الظروف الحضارية والثقافية المشتركة بينها وبين المبدع الرجل – تلك النظرة الدونية إلى كتاباتها من قبل بعض النقاد.
وقد اقتصرت الدراسة على شعر المرأة في الخليج ، لأنها امرأة التغيرات والهزات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية الكبرى، وذلك لأن الاغتراب يواكب عادة التغيرات الحادة في المجتمعات، ويعد الخليج العربي نموذجاً فريداً لمثل هذه التغيرات "بعد اكتشاف البترول". ولم يكن اختياري لدراسة شاعرات الخليج من قبيل التعصب النوعي أو الإقليمي، وإنما لأن الإبداع الأدبي في الخليج قد بدأ في السنوات الأخيرة يتبلور ويتدفق ويزداد نضجاً وعمقاً مع الأيام ؛ وذلك لارتفاع المستويات التعليمية والثقافية. لكن الدراسات النقدية لم تستطع مواكبة هذا التطور والتدفق الكمي والكيفي، وإذا كان هذا نصيب الإبداع الخليجي عامة ، فإن نصيب المرأة خصوصاً من هذه الدراسات يكاد يكون هزيلاً ضحلاً فهو في مجمله يتمثل في بعض الكتابات الصحفية بالملاحق الثقافية للصحف، وهي عادة ما تجنح للسطحية والانطباعية في الأحكام .. أو تلك الكتابات التي ربما أضرتْ بالإبداع نفسه أكثر مما أفادت لذا فقد وجدت الحقل في مجاليه، -الاغتراب ومجال الدراسات النسوية الخليجية – بكراً يرحب بمن يرتاده .
وربما تكون إحدى مشكلات الدراسة أنني اضطررت -تمشياً مع تحديد الدراسة وعدم تضخمها - أن أستثني شاعرات قصيدة النثر في الخليج ، وهن ممن تتمثل لديهن الظاهرة تمثلاً بارزاً في شكلها السلبي وذلك لخروجهن الصارخ على نمطية الثقافة بشكل عام .  
وقد تكون الصعوبة الحقيقية في مراوغة المصطلح وجدلية تحولات المفهوم وتوظيفه نقدياً، ولكون هذه الدراسة تطأ أرضاً بكراً لم يسبق تمهيدها من قبل .
ولعل من مهام هذه الدراسة أن تعيد طرح الأسئلة على الكيفية الإبداعية آلتي تعاملت بها هؤلاء الشاعرات مع الأبعاد المختلفة المسببة للاغتراب، ومع الجوانب الفنية للنص الشعري، وذلك من خلال الغوص في تعاريج النص؛ وقد لجأت إلى النص الشعري لتحليله في ضوء أنه نصّ لغوي له مواصفات خاصة معتمدة على الحس الانتقائي من نتاج الشاعرات واختيار ما يمثل الظاهرة في نصوصهن. راصدة أهم الظواهر اللغوية والفنية الشائعة في التجربة الاغترابية.
الاغتراب في الأصل ظاهرة انسانية فلسفية وجودية اعتنى بها كثير من الفلاسفة المعروفين. ودخول الاغتراب للدراسات النقدية يعد حديثا وهاما لأن المبدع عموما عرضة للاغتراب نظرا لحساسيته المفرطة ولوعيه الحاد ورفضه لما يدور حوله من أزمات انسانية وجودية نتيجة للحروب والدمار  والفناء الذي يهدد الوجود الإنساني والتكنولوجيا التي تهدد إنسانيته ومن ثم فالمبدع أصلا انسان مغترب لانه يري ويسمع ويشعر  أكثر مما يجب كما يقول كولن ولسن في كتابه اللامنتمي.
وللمزيد من المعلومات عن ظاهرة (الاغتراب في الشعر) يرجى الرجوع إلى كتاب د. سعيدة خاطر وهو من إصدارات الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عن دار ”مسعى بعنوان: (الاغتراب في الشعر النسوي الخليجي)، وسيكون متوفراً في معرض مسقط الدولي للكتاب القادم الذي يقام في الفترة من 22 فبراير الجاري إلى 3 مارس 2018م.

تعليق عبر الفيس بوك