مسارات الإرهاب في العالم العربي

 

د. يحيى أبو زكريا

في ظرف وجيز وقياسي، أصبح العنف عنوانا للمرحلة العربية والإسلامية الراهنة، وحركات الإسلام السياسي فرَّخت حركات مسلحة وجهادية تُؤمن بالحتمية الثورية والجهادية لإقامة دولة الإسلام ودولة الخلافة على منهج السلف الصالح، على طريق كارل ماركس في كتابه "رأس المال" الذي يعتبر أن الثورة حتمية، فأنتجت المدرسة اليسارية مفهوم الحتمية الثورية.

وكان الكاتب مصطفى محمود ثاقب النظرة عندما قال في كتابه "الإسلام السياسي والمعركة القادمة": "كان خطأ الحركات الإسلامية فى الماضى أنها حاولت ضرب الحاكم وقلب نظامه، فدخلوا السجون بدلا من أن يدخلوا البرلمان، وقد أخطأوا بذلك مرتين.. أخطأوا فى حق الحاكم، وأخطأوا فى حق الإسلام؛ فالاسلام سلاحه الإقناع وليس الأرهاب. أما الذى يقع فى خانة الإرهاب فهو شىء آخر غير الإسلام"، وقد ملأت الحركات المسلحة الدنيا وشغلت الناس في العالم العربي والإسلامي، ولها انعكاسات خطيرة على مجمل القارات، ففي إفريقيا انتشرت القاعدة وداعش وبوكو حرام، وفي المغرب العربي الجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة والحركة السلفية الجهادية، وجماعة الدعوة والقتال والقاعدة وتنظيم الدولة وفداء الإسلام وجند الخلافة وحزب التحرير، وفي المشرق العربي جبهة النصرة وداعش أيضا، وألوية لا حصر لها من الأسماء: لواء الرحمان والفاروق والخلافة...وغيرها، ناهيك عن جماعات الجهاد الأفغاني سابقا ولاحقا، وتنظيم طالبان، وبزرت حركة أكناف المقدس وحركات تحارب الدول كافة في المشرق العربي وفي مغربه، وفي الداخل الكوني والعالمي.

ومما قاله عبدالرحمن عزام في كتابه "آيات الرحمان في جهاد الأفغان" أن الجهاد فريضة مقدسة، وتحديدا في آسيا في بلاد الأفغان والشيشان، وليس في فلسطين للأسف الشديد"، وعلى خط هذا الجهاد المسلح، دخلت الاستخبارات الأمريكية والغربية والموساد والمخابرات التركية والعربية الإقليمية، وباتت البندقية الإسلامية في خدمة الأجندات وليس في خدمة الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية تحديدا، وإذا كانت دوائر الاستخبارات ومراكز التحليل الغربي وحتى العربي -إذا وجدت طبعا- قد أشبعت حركات الجهاد المسلح بحثا، وتوسعت في أدائها في الراهن وخطورتها وانعكاسات عنفها على الدول والمجتمعات، فإن هناك نقصا غزيرا في مجال الدراسات الاستشرافية والمستقبلية، وما يحمله القادم من الأيام عن هذه الحركات؛ فهل ستؤول إلى ألأفول؟ وهل سيعود العالم العربي إلى العقلانية والحوار؟ وكيف ستعالج السلطات العربية بؤرة العنف المسلح: بالحوار أم بالنار؟ وهل ستحقق هذه الحركات مشاريعها التهديمية، أم أنها أداة بيد الإرادات الدولية التي تهدف لتمزيق العالم العربي والإسلامي على طريقة برنارد لويس، الذي قال: يجب إعادة وزيادة تفتيت العالم الإسلامي -من باكستان إلى المغرب- وإنشاء أكثر من ثلاثين كيانًا سياسيًّا جديدًا -علاوة على الدول الستة والخمسين التي تتوزع عليها خارطة عالم الإسلام- أي تحويل العالم الإسلامي إلى "فسيفساء ورقية" تقوم فيها 88 دولة، بدلاً من 56، بما يعنيه هذا التقسيم المقترح من شقاقات وصراعات وحروب وآلام، تزيد هذه الكيانات ضعفًا فوق ضعفها، وهزالاً فوق هزالها؛ الأمر الذي يجعل بأس هذه الكيانات بينها شديدًا، ومن ثم تكون رحيمة بأعدائها الحقيقيين! ولقد كان "برنارد لويس" صريحًا عندما قال: إن هذا التفتيت للعالم الإسلامي هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل". التي ستكون الأقوى وسط هذه "الفسيفساء"!... وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا في وقت سابق، قالت فيه بأن الممارسات العنيفة للإرهابيين والتشدد لدى بعض الجماعات الإسلامية سبب انتشار الإلحاد في بعض البلدان العربية، وأن ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التي تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، وتحليلها والبحث في أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من اختصاصيين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع. ويذهب مرصد إسلامي إلى القول بأن التكفير تحول إلى سبب للمجاهرة بالفاحشة والزنا وخلع الحجاب والمخدرات والاستهزاء بالقيم الدينية واتخاذ الدين هزوًا، وتحويله إلى كوميديا للإضحاك الدرامي والفني والاجتماعي، ومعظم العرب باتوا يستهزئون بالدين دون أن يشعروا. ويقول بعض علماء الاجتماع إن ظاهرة التفسخ القيمي والأخلاقي انتعشت في أوروبا بعد الحرب الكونية الثانية، ومن الطبيعي أن تعقب الحروب والصراعات حالات من التحرر المطلق من القيم الدينية والإنسانية، والتي تحل محلها قيم الانحلال والتحرر من كل شيء، خصوصا التدين الذي كان سببا في النحر والذبح والقتل والحرق، وقد أدى انعدام المشاريع التربوية والأخلاقية والتوعوية الكبرى للدول إلى ارتفاع منسوب الآثار السلبية للتكفير؛ حيث لم يُجابه التكفير بمشروع تنويري حقيقي يعيد التكفيريين إلى جادة العقل الرشيد، ويحول دون ذهاب الشباب والشابات إلى النقيض.