الباحثون عن العمل.. مسارات المستقبل

حمود بن علي الطوقي

تعدُّ إشكالية الباحثين عن عمل من أبرز القضايا اهتمامًا لدى المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص، ولدى صناع القرار وخبراء التخطيط والتنمية والشباب، بل إن القضية اعتبرت أحد أهم الملفات التي أخذت حيزًا؛ خاصة بعد اندلاع مطالب من قبل المواطنين داعيين الحكومة للتدخل في إيجاد حل يرضي الشباب الطموح المتسلح بسلاح العلم والمعرفة رغبة منهم في خدمة البلاد.

في العام 2011، عندما ارتفعت الأصوات تدخل جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- وأمر بتوظيف 40 ألف مواطن ومواطنة من الباحثين عن عمل، ويتكرر السيناريو قبل نهاية العام 2017 فيصدر قرار من قبل مجلس الوزراء بتوفير وظائف لعدد 25 ألف مواطن ومواطنة.

طرحتُ سؤالا أثناء اللقاء الإعلامي مع معالي الشيخ وزير القوى العاملة، إذا وظفنا هذا العام 25 ألفا، فماذا بالنسبة للعام القادم والذي يليه؟

ونظرًا لاستمرار الأزمة الاقتصادية بعد انخفاض سعر النفط من 120 دولارا في العام 2014 إلى 67 دولارا -أكثر أو أقل حاليا-، ونظرا لثبات العجز في الموازنة – حوالي 3 مليارات ريال – في موازنة العام الجديد 2018، ولاستمرار أزمة الباحثين عن عمل وعدم ظهور بوادر أمل للخروج منها في الأفق القريب، فإنَّ هناك العديد من الملاحظات المتعلقة بالأزمة يجب التوقف عندها.

ويمكن ذكر هذه الملاحظات كما يلي:

  • يجب أن نعترف بأن أزمة الباحثين عن عمل ليست مشكلة عمانية أو خليجية أوعربية فقط، بل هي أزمة عالمية يكتوى العالم بنارها منذ سنوات نظرًا لندرة الموارد وزيادة السكان والتطور التكنولوجي الرهيب فاضحت الآلة بديلاً لعشرات العمال، وما ينجزه هؤلاء في ساعات أو أيام أصبحت تنجزه الآلة أو الماكينة في دقائق أو ساعات .
  • ينبغي الاعتراف صراحة بأن الحكومة عملت على وضع حلول لتضييق الفجوة وفي المقابل نرى أنَّ القطاع الخاص مطالب بأن يلعب الدور المحوري لمساعدة الحكومة في تحمل المسؤولية إلا أن هذا الأخير يرى أن الأزمة المالية ألقت بظلالها على هذا القطاع الذي يعاني أيضا من قلة الوفورات المالية وقام بتسريح المئات من العمالة الوافدة حتى يتكيف مع الوضع الاقتصادي السائد .
  • يتعين تهيئة العمل بالقطاع الخاص وتشجيع الشباب بإلحاقهم بالدورات التدريبية وعدم إعطاء المدير الوافد الخيط والمخيط في حال ترؤسه للمواطن. في حال التضييق على المواطن في القطاع الخاص تأتي فكرة الرحيل إلى القطاع الحكومي أو العسكري أملًا في نيل عائد مادي أكثر وبيئة عمل أفضل، حتى تحول القطاع الخاص إلى محطة ترانزيت أو معمل تدريب أو حقل تجارب كل فترة للباحثين عن عمل، ولايمتلك الخبرات التي تؤهله للنمو والتطور
  • ضرورة التوقف عند المصطلح نفسه "الباحثون عن عمل" وأحكام صياغته مجددًا بعد أن نسأل أنفسنا: هل يشمل المصطلح خريجي الجامعة الجدد؟ وإذا كان كذلك فماذا عن الخريجين القدامى الذين لم يتلحقوا بوظائف بعد حتى الآن؟ أم يشمل المصطلح كل باحث عن عمل تحت سن التقاعد أي تحت سن الستين؟ وهل يجب مساواة هؤلاء بخريجى الجامعة الجدد الذين لم يلتحقوا بوظائف بعد؟

وتتطلب إشكالية الباحثين عن عمل التوقف بجدية أمام قضية التعمين، التي تتغنى بها بعض الدوائر الحكومية وأنها تجاوزت في بعض القطاعات نسبة 90%، والحقيقة أن نسبة التعمين في السلطنة الآن لا تتجاوز 12%-13% كما تؤكد العديد من الإحصائيات العلمية المحايدة، وهي نسبة ضئيلة للغاية لاتواكب خطط التنمية ولا خطة 2020 ولا استراتيجية عمان 2040، وإذا كنَّا جادين في قضية التعمين حقًا وإحلال العمالة الوطنية بدل الوافدة، فيجب أن يتضمن عقد كل وافد يعمل في القطاع الخاص أو الحكومي أن ينقل خبراته إلى 4-5 مواطنين خلال 5 سنوات على الأكثر، وإذا لم يتم ذلك يعتبر عقده ملغياً.

وتستدعي قضية الباحثين عن عمل مراجعة الأعداد الهائلة من العمالة الآسيوية التي تعمل في الوظائف الدنيا، والاستعانة بأصحاب الخبرات في الوظائف الفنية والمهنية فقط، مع تدريب المواطنين على العمل في الوظائف الدنيا، فلا يجب أن تكون هناك وظيفة يقبلها الشاب المواطن وأخرى يرفضها.

ترتبط بقضية "الباحثون عن عمل" قضية الرواتب، فالحكومة تلزم القطاع الخاص بألا يقل راتب الخريج الجامعي عن 600 ريال، وأرى أن المسألة يجب أن تخضع للعرض والطلب خاصة مع استمرار أزمة النفط.

يجب أن تُعد الحكومة على نفقتها برامج لتأهيل خريجي الجامعات لسوق العمل، حيث يعمل الكثيرون بدون تأهيل أو خبرة، في حين أن هناك شركات قطاع خاص تقدم مزايا ورواتب أفضل من الحكومة في بعض القطاعات، ونظرا لعدم وجود الكفاءات العمانية فإنها تضطر إلى الاستعانة بالوافدين .

قضية "الباحثون عن عمل" معقدة يجب أن يتكيف المجتمع معها لسنوات طويلة، لأنها ترتبط بعدة عوامل مثل النمو الاقتصادي وميزانية الحكومة وبرامج التدريب وإقبال الشباب عليها والربط بين سوق العمل والتخصصات الجامعية وامتلاك الشباب لخبرات أخرى مثل اللغة والكمبيوتر، وبالتالي ليس هناك حل سحري لحل تلك الإشكالية في يوم وليلة

البحث عن عمل ليست مشكلة الحكومة أو القطاع الخاص ولكنها مشكلة الشباب أيضا، لذا يجب أن يُبادر هؤلاء إلى تنمية ملكات الإبداع لديهم والبحث عن الرؤى الخلاقة أو الحلول السحرية، للعديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة مع تنمية روح الابتكار العلمي والاطلاع على أحدث الاختراعات العالمية، ومحاولة فهمها وتطويرها بما يضيف إلى الصناعة الوطنية، لكى تستطيع المنافسة داخلياً وخارجيًا في عصر لا يقبل إلا الجودة العالية بأقل الأسعار.