ذات ميِّتة

مروة هابيل - ليبيا


في الثلاثاء دهست أختي الشاحنة وتركتها أشلاء.. في الأربعاء كان منزلنا يتجرع ويتقيأ المعزيين من كل الأبواب.. كنت يوم الخميس لازلت لم أبكِ بعد.. يوم الجمعة أذكر بأنني فقدت اتزاني فأطعموني لقمة بطريقة أو بأخرى.. أما الأسبوع الذي يليه توقّعتُ حقا أن أبدأ بالبكاء.. لكنني كذلك.. لم أبكِ أبدا.. توقعتُ أن أبكيَ في الأسبوع الذي يليه.. وكذلك لم أفعل .. وهكذا أصبحت أتوقّع كل يوم يحلُّ أن أبدأ بالبكاء.. حتى انتهي العزاء ولم أبكِ بعدها منذ ذلك الوقت حتى اليوم.. حدث أيضا شيء غريب.. لم أعد أشعر بالحزن..
.. ببساطة.. لم أعد أشعر.. أحيانا كثيرة أفكر.. لابد من أنها دهستني تلك الشاحنة ذاك النهار.. واقع أنني أصبحت بهذه اللامبالاة.. لابد من أنني لم أعد هنا أصلا.. وكل ما حدث ويحدث بعدها.. من نسج خيالي .. وهكذا أصبحت يوما بعد يوم تنتابني دفعة واحده.. مختلف النظريات والأفكار.. وهدفي أصبح دائما.. كيف سأثبت لذاتي المدركة.. أنها لم تعد تشعر بشيء.. لأنها ميتة.
(2)
حسنا أنت الأن بجناح واحد.. تشعر بأنك غريب كليا ومتروك.. أنت محبوب لكنك لا تشعر بهذا الحب أبدا وكأنه مزيف.. ببساطة لأنك تعرف بأنك أنت أنت وأنت لنفسك وأنت الشخص الوحيد الذي يحتويك ويحتضنك ويكملك.... عندما تمرض لا أحد سوف يتقيأ بدلا عنك.. عندما ينخر المنشار بلعومك أنت من ستنزف.. وعندما يدهسك قطار أنت من سيتمزق إلى مئة قطعة ويموت.. ثم تختفي.. تتلاشي.. لايعود لك وجود.. إذا كسر مرفقك وتهشم جلدك.. عظامك هي التي ستخرج وتبرز إلى الخارج.. وأنت من سيقف من جديد.. ستطلب المساعدة.. سترتعش.. تتألم.. يصرخ جوفك بقوة.. ثم تصلي لأن يظهر الملاك الذي يقف على يمينك يحرس كتفك.. أن يهمس لك بصوت خافت.. أن يخبرك أي شئ.. أن يعطيك فرصة كي تطلب منه المساعدة.. وأن يذكرك بأنه سيصل المخلص.. سينزل إبليس أو أيا كان.. ويأخذك.. ولكن حتي هو لن يرسل لك لا إبليس ولا عزرائيل ولا حتي هاروت وماروت ولا أجوج ومأجوج.. لا شئ.. لا أحد.. في حالتي أقرب صديق يفهمني كان كتاب فيزياء.. الفيزياء صادقة.. صريحة وقوية وثابتة غير قابلة للتغيير.. تبدأ بالتحول شيئا فشيئا.. تشعر بأنك ولدت من رحم شجرة.. توأمك ذئب وجدك دب ينام في سبات منذ قرن قبل الميلاد.. ثم تمشي في الشارع ولاتسمع من يلقي السلام.. وحين تجلس مع الناس.. تقرر أن تنهي عملك بسرعة حتي تعود لوطنك.. لبحيرة الخلود التي تسقيك حتى النشوة.. تسبح فيها بجناح واحد تحلق في السماء الأولي حتي السابعة.. لن يخبروك بأن قوة التجاذب بين A و B تتناسب افتراضيا مع حاصل ضرب كليهما.. سيقولون لك بأن الدولار وصل الي عشرة دنانير.. حسنا هذه القيمة متغيرة حتي إنها قد تكون تتغير الآن وبينما نتحدث.. ولهذا السبب تفقد اهتمامك.. أو إن جهاز المناعة أصبح ضعيفا وصرت أكثر حساسية تجاه المكان.. تصبح لديك عادات سيئة.. كأن تطلب مهما أخذت.. كل يوم أكثر.. أكثر دراية واستيعابا.. لحقيقة أنك وحيد ووحدك.. كما يجب أن تكون.. متلاشٍ في وجودك متقوقع في ذاتك.. قديم وجديد وغير قابل للاندماج مع أحد.. كأنك قذفت من لسان جحيم الأبد.. وجدت هنا منذ زمن غير معلوم يشبه كثيرا الأزل.. عمرك من عمر الأرض.. 4 مليار عام.. فكيف تستطيع الآن إقناعي.. أنني مجرد بشر!

تعليق عبر الفيس بوك