عيسى الرواحي
عندما يصبح الشباب من غير عمل -سواء بإرادتهم أو بعجز الجهات المسؤولة عن توفير الفرص لهم، أو لوجود تحديات أخرى خارجة عن الإرادة- فإنَّ آمالهم تتوقف وطموحاتهم تنكمش، بل حبهم للحياة يخالطه اليأس والسخط والفتور، إضافة إلى أن ذلك قد يكون عرضة لسلوك الطرق غير السوية؛ فالفراغ عند الشباب أكبر المفاسد التي تشكل خطرًا عليه وعلى المجتمع.
إنَّ فرصة العمل للشاب هي الأساس الأول في حياته؛ فبها يبني آماله وطموحاته، ويحقق أحلامه، وبالعمل يؤدي رسالته في الحياة؛ فهو خليفة الأرض بإعمارها وبنائها، وبسواعد الشباب تُبنى الأوطان، وتزدهر الحضارات، وتقوم الأمم، فهم أغلى الثروات إن أُحسن استغلال طاقاتهم وإبداعاتهم.
ولا يختلف اثنان اليوم على أنَّ أزمة الباحثين عن العمل هي أبرز قضية يواجهها شبابنا اليوم، وهي أزمة آخذة في الازدياد ما لم توجد لها الحلول الجذرية المبنية على التخطيط السليم والتنفيذ الأمين؛ إذ هما أساس النجاح للأفراد والمؤسسات كما أشرنا إلى ذلك مرارا، وتحدث بذلك أهل العلم وذوو الاختصاص.
وأصبحت وسائل التواصل الحديثة ووسائل الإعلام المحلية ترقب الوضع عن كثب، إضافة إلى مقالات الكُتّاب ورصد الصحف، والمتابع للوضع يرى أنَّ هناك زوايا مختلفة في النظرة إلى هذه الأزمة، وأنَّ كُلًّا منا ينظر إلى هذه القضية من زاوية بعينها قد يغفل الزوايا الأخرى أو لا يود الخوض فيها، وربما يرى ذلك عين الصواب في التركيز على جزئية معينة أو نقطة محددة عند حديثه عن أي موضوع، ومنها بالطبع أزمة الباحثين عن العمل.
ولا خِلاف لدينا على أن قضية الباحثين عن عمل هي أزمة عالمية تعاني منها أغلب الدول، بما فيها الدول المتقدمة، لكننا نرى في بلدنا تناقضات كثيرة حول هذه الأزمة لا يمكن أن تقارَن بغيرها من دول العالم؛ سواء من حيث عدد السكان، أو عدد الوافدين، أو المقومات المتوفرة لشغر كثير من فرص العمل.
يستاء اليوم كثيرٌ من أبناء الوطن عند حديثهم عن هذه القضية وطرق معالجتها، ويتمثل ذلك في عدة نقاط؛ أبرزها -حسب وجهة نظري- عدد السكان ومجموع الباحثين عن العمل؛ فبلد لا يتجاوز عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة لا يمكن أن يقارن بالبلدان التي يبلغ سكانها عشرات ومئات الملايين من السكان عند الحديث عن أزمة الباحثين عن عمل؛ كونها أزمة عالمية، وهذا يعني أنَّ عدد الباحثين عن العمل تحت السيطرة في حال وُجدت الإرادة الحقيقية.
وأما الاستياء الأكبر، فهو كثرة عدد الوافدين الذين يشغلون مختلف الوظائف في مختلف المؤسسات في القطاعين العام والخاص، وهنا يكمُن التناقض الكبير في أزمة الباحثين عن عمل؛ فالوافدون يشغلون مختلف الوظائف، والباحثون عن عمل لديهم المؤهلات التي تجعلهم قادرين على خوض غمار العمل.
وعندما نقف عند هذه النقطة تحديدًا، نجد أنَّ هذه الأزمة بدأت وتفاقمت من غير أسباب حقيقية منطقية، وإنما هي أسباب تتعلق في حقيقتها بالمصالح الشخصية والنفوذ والسيطرة، وعدم وجود القوانين المنصفة لخطط التعمين، وغياب الشفافية والوضوح، كما أنَّها بعيدة عن التخطيط السليم والرؤية الثاقبة والرغبة الصادقة في توظيف أبناء الوطن الذين هم أولى من غيرهم.
ومما يُضاف إلى الأمرين السابقين هو التباين وعدم التوافق بين بعض المؤهلات الجامعية عند الشباب، ورغبة سوق العمل؛ فسوق العمل بحاجة لوظائف يشغلها كثير من الوافدين غير متوفرة عند الباحثين عن عمل من أبناء البلد، كما أنَّ لدى بعض الباحثين عن عمل مؤهلات غير مرغوبة في سوق العمل، وهذه مسألة أخرى تخص جهات عدة لسنا بصدد الخوض فيها.
لا ننكر الجهود التي تُبذل من قِبل الجهات المعنية بقضية التوظيف، ولكن إذا كانت هذه الجهات اليوم تواجه تحديات وصعوبات في تحقيق خطة 25 ألف وظيفة؛ فعليها أن تعي جيدا أن الأعداد الفعلية للباحثين عن عمل أضعاف هذا الرقم، كما أنَّ هناك عشرات الآلاف من مخرجات الدبلوم العام، ومؤسسات التعليم العالي ينهون دراستهم كل عام.
قد نكون بحاجة إلى دماء جديدة وأفكار مستنيرة وخطط سليمة للخروج من هذه الأزمة إلى بر الأمان، وتحقيق تطلعات الشباب وآمالهم، كما أننا بحاجة إلى صياغة قوانين جديدة وقرارات صارمة تلزم مؤسسات القطاع الخاص برفع نسب التعمين لديها؛ خاصة في ظل عدم تجاوب بعض هذه المؤسسات مع خطة توظيف الباحثين عن العمل... والله المستعان.