جلالة السلطان قابوس في أول مؤتمر صحفي مع الصحافة المحلية عام 1974م


    جلالة السلطان يرحب بأي جهد عربي يستهدف حقن الدماء إذا دللت عدن على حسن نواياها.
    قابوس الحياة الطبيعية بدأت بالعوة إلى جبال ظفار.
    نواجه مخططا شيوعيا يستهدف الجزيرة العربية جسره حكومة عدن.
    قابوس إننا لا نهدف إلى الإبادة وإنما نسعى لضمان أمن الوطن وحرية المواطن.

يوم الاثنين 1 من يونيو 1974م، ولأول مرة في تاريخ الصحافة المحلية التقى جلالة السلطان قابوس المفدَّى بمندوبين عن صحف (الوطن) (العقيدة) (عُمان) (النهضة) (جند عمان) وتحدث جلالته عن مختلف القضايا المحلية والعربية والعالمية، وحضر اللقاء الأستاذ حفيظ سالم الغساني المستشار الصحفي لجلالة السلطان والأستاذ أحمد سالم آل جمعة وكيل وزارة الإعلام المساعد لشؤون المطبوعات والنشر، والأستاذ عبدالله صخر العامري مدير الإذاعة العمانية.
وفي بداية اللقاء ألقى الأستاذ حفيظ الغساني الكلمة التالية بين يدي جلالته: مولاي صاحب الجلالة: إننا ونحن نتشرف بهذا اللقاء الذي تفضلتم به مع الصحافة الوطنية تأكيداً لانتفاضة انت صانعها وتحقيقاً لنهضة انت باعثها. ندرك أهمية هذا اللقاء الهامة من تاريخ وطننا وأمتنا.
إن هذا اللقاء مع الصحافة العمانية يعكس مدى تقدير جلالتكم للكلمة – وقد اردتموها طيبة – والرأي – وقد حرصتم على أن يكون حراً – والخبر وقد وفرتم له مصادر صدقة – وحرصكم على أن تكون صحافتنا رسول سلام كما هي سياستكم.. مولاي صاحب الجلالة:هؤلاء هم رجال الصحافة العمانية التي بعثت على أيديكم مع اشراقة شمس الحرية على عمان فصهرت كل طاقات البناء والخلق والإبداع للشعب العماني البطل بقيادتكم الرشيدة. اسمحوا لي مولاي المعظم، أن أنقل إلى رجال الصحافة توجيهاتكم وتوصياتكم لأصحاب الرأي وحملة الأقلام من أجل أن تكون صحافتنا تعبيراً حقيقياً عن واقعنا المشرف ومرآة لمجتمعنا العماني المثالي والتزاماً لمبادئنا السامية وسياستنا الرشيدة إنني أنقل إلى الزملاء كلمات جلالتكم بالنص في بداية إنشاء الصحافة العمانية الوطنية يوم أن قلتم (إن الصحافة جزء من الحياة اليومية الخاصة للأفراد ودورها كبير وهام في الآراء والمعتقدات والأخلاق نحن لا نريد لصحافتنا أن تكون وسيلة خصام في الوقت الحاضر هي الغذاء اليومي للرأي العام. فكما إنها تنشر الأنباء من الممكن أن تقوم بدور السفير الذي ينقل رغبة أمة إلى أمة وثقافة شعب إلى شعب).
يوم أن قلتم جلالتكم (نريدها صحافة رأي وخير.. رأي حر بناء ملتزم ناضج قائم على الدراسة والفهم وخبر صادق يهم المواطن ولا يعتمد على الإثارة).
يوم أن استشهدتم جلالتكم بدستورنا السماوي العظيم كما عودتمونا دائماً يوم تلوتم قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) "صدق الله العظيم".فحمداً لله أصبحت الصحافة حسب ما أردتم جلالتكم سياسة وأسلوباً تعبر عن واقعنا ومجتمعنا وسياستنا حتى في أسمائها.
فتحية لكم رائداً للكلمة الشريفة والرأي الحر صانعاً للنهضة الشاملة محققاً للرخاء والرفاهية على أرض عمان الحبيبة..مولاي المعظم: نحن جند في صفوفك بأرواحنا وأقلامنا، ولنا في جلالتكم أسوة حسنة وتحية من هنا نبعثها إلى جنودك الأبطال حماة الحق وحصن الوطن. واسمحوا لي يا صاحب الجلالة أن أبدأ هذا المؤتمر الصحفي الكبير بتوجيه الأسئلة إليكم حسب الأقدمية من جهة الصدور وعليه فليتقدم مندوب جريدة الوطن.

جريدة الوطن
مخطط شيوعي دولي:
مندوب الوطن: صاحب الجلالة، ذكرتم في تصريح سابق لكم بأن هناك مخططاً شيوعياً دولياً يهدد عمان ودول الخليج العربي ككل، هل لصاحب الجلالة أن يلقي الضوء على الخطوط العريضة لهذا المخطط؟
جلالة السلطان: نعم، أريد أن أوضح أو القي الضوء كما قلت في سؤالك على هذا المخطط، فالكل يعرف أن دولة اليمن الجنوبية تحتضن مبادئ الشيوعية وتساند الحركات التي تدعي بأنها قامت من أجل تحرير عمان والخليج العربي، فوجود مثل هذه الحركة المدعومة من جنوب اليمن ومن دول أخرى في المنطقة ومن ورائها الدول الشيوعية، فهذا دليل قاطع على أن مؤامرة وهناك مخطط ضد الجزيرة العربية والجسر الذي أنشيء لكي تعبر عليه مخططاتهم ومؤامراتهم واضح وضوح الشمس وموجود في اليمن الجنوبية.

وساطة الكويت:
مندوب الوطن: صاحب الجلالة، أبدت الكويت استعدادها للقيام بعمل الوساطة بين عمان واليمن الجنوبية، إلا أن جلالتكم صرحتم بأن عمان لم تتلق رسمياً نتائج تلك الوساطة، كما صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية بأن المساعدات التي تقدمها الكويت إلى عدن تعتبر مساعدات غير مباشرة للمتمردين وأخيراً قدمت الكويت حوالي خمسة ملايين دينار كويتي عن طريق صندوقها للتنمية إلى عدن أثناء زيارة علي ناصر لها، بماذا تبررون جلالتكم هذا الموقف الغريب من حكومة الكويت؟
جلالة السلطان: أولا الأخوة في الكويت لهم الحق بأن يصرفوا أموالهم كيفما يشاءون ويعطونها لمن أرادوا، ولكن نحن بودنا لو أن الأخوة في الكويت يفرقون بين الصديق والعدو، ويعرفون اين يضعون مساعدتهم ولكن كما قلت هذا شيء راجع لهم، ولهم حق التصرف المطلق بأموالهم.بالنسبة لما يسمى بالوساطة الكويتية بين عمان وجنوب اليمن، ففي وقت من الأوقات الأخوة في الكويت عبروا عن استعدادهم للقيام بمساع حميدة لإنهاء النزاع وهو في الحقيقة ليس نزاعاً لأنه من طرف واحد فاليمن التي تعتدي وتحرض وتساند التمرد، ونحن أبدينا استعدادنا لأن نسمع من الأخوة وكذلك أخبرناهم بأنه لا مانع لدينا بأن يستمروا في سعيهم إذا ما أرادوا، ونحن نعتبر أنفسنا غير ملزمين بشيء وفي نفس الوقت لا نلزمهم.

التعاون العسكري بين عُمان و إيران:
مندوب الوطن: النغمة السائدة لأبواق الدعاية العدنية هي أن التعاون العسكري بين إيران وعمان هو غزو إيراني تنفذه ايران لتشيل دور شرطي الخليج والسيطرة على مضيق هرمز.هل لصاحب الجلالة ان يضع النقاط على الحروف؟
جلالة السلطان: من البديهي أن الدعاية العدنية هي دعاية شيوعية وهي مناهضة لعمان وتتكلم وتقلب الحقائق وتحرض على عدم الاستقرار في المنطقة.ولكن مع هذا كله كلنا نعرف أن الوجود الإيراني في عمان أو بالأحرى وجود بعض القوات في عمان، جاء نتيجة للتعاون الموجود بين عمان وإيران، ونتيجة للوقوف صفا واحداً ضد الخطر الشيوعي، خطر التخريب الذي يهدد المنطقة والكل يعرف أن القوات الإيرانية الموجودة لدينا لم تأت لتغزو عمان وإنما جاءت لتساعد عمان وهي ترحب بمساعدة كل صديق صدوق يريد أن يساعدها وهذه هي الحقيقة وليست كما تقول أبواق الدعاية العدنية وغيرها.

موضوع متمرد:
مندوب الوطن: صاحب الجلالة مسببات الثورة في الماضي انتفت الآن في عصر النهضة وأصبح التمرد غير ذي موضوع ما هو تصور جلالتكم لهذا المنطق؟
جلالة السلطان: في الحقيقة بودي هذا السؤال لو أن الشعب العماني يجيب عليه لأنه حسب تصوري كانت في الماضي مبررات للقيام بعمل ما للقيام بالإصلاح اللازم والتغيير اللازم والنهوض بالبلاد والوصول بها إلى مستواها المطلوب وحسب تصوري منذ أواخر السبعين وبالأحرى منذ بداية الواحد والسبعين حتى يومنا هذا شهدت عمان الكثير من التغيير وقامت الحكومة قدر استطاعتها بأداء الواجب للشعب العماني، وأنا أتكلم كعماني وليس كرئيس دولة لأنني أشعر بالغبطة واشعر بالارتياح لما تحقق خلال هذه السنوات ولا أرى أي مبرر لأي حركة أو تمرد دائما اعتبر كل من يقوم بأعمال تخريبية هو خائن ولا يستحق أن يطلق عليه اسم عماني.

دور الفرق الوطنية:
مندوب مجلة العقيدة: يوجد هناك تقدير لعدد حاملي السلاح المرتدين وهو حوالي 400 جندي شيوعي، عدد الفرق الشيوعية (4).ويوجد لدينا تقدير بأن عدد رجال الفرق الوطنية يزيد على ال400 متطوع للقتال من رجال القبائل عدد الفرق (17) فهل تعتقدون جلالتكم بأن الفرق الوطنية قامت بالدور المطلوب منها؟
جلالة السلطان: الفرق الوطنية أدت وتؤدي الدور المطلوب حسب شعوري بأن أفراد الفرق الوطنية أو الجنود الموجودين بالفرق الوطنية بودهم لو نسمح لهم بالمزيد من النشاط، ولكن وحسب ما طرحت في عدة مواقف نحن لا نهدف الإبادة.. العمل العسكري في جبال ظفار ليس هدفه إبادة السكان، ليس هدفه الخلط بين البريء والمجرم، وإنما في الحقيقة الهدف هو خلق جو مناسب، وخلق قوة عسكرية تمكن المواطن من أن يستعيد ثقته بنفسه وحريته وسيعرف أن هناك حكومة تحمية وأن هناك قوة يمكن تصد كيد العدوان وبالتالي يتفرغ المواطن إلى أعمال البناء وأن يشعر بالاستقرار والاطمئنان، وفي الحقيقة ما بدأ يتحقق، مثلا في عدة مناطق من الجبال أصبحت قواتنا متمركزة وأصبح المواطن يشعر بالأمن والاستقرار ويشعر أن هناك من يحميه وبدأت الأمور تعود إلى طبيعتها وكثرت الآبار التي يشرب منها المواطن وبنيت المستوصفات والمدارس المناسبة لوضع القرى وفتحت المتاجر في عدة مناطق بعد أن كان المواطن لا يتمكن من شراء أية حاجة في الجبال وبعد أن كان عليه أن يمشي على قدميه من الجبل إلى المدينة ليشتري ما يريد من حاجيات، الآن صار يشتريها من قريته وأصبح التجول بين الجبل والسهل أمراً طبيعياً وهذا ما نهدف إلى الاستمرار فيه، وهو خلق الجو المناسب، وفي نفس الوقت وضع قوات كافية لملاحقة المتمردين ولتحافظ على الأمن في المنطقة إلى أن يسود الأمن والاستقرار مئة بالمئة وسيكون ذلك عما قريب.

جبهة مماثلة:
مندوب مجلة العقيدة: لدى الجبهة الشيوعية مكاتب عدة في جمهورية عدن وإذاعة ومدارس لتدريس الشيوعية لأبناء ظفار المخطوفين وطالبت الجاليات المهرية والكثيرية التي تسكن المحافظة السادسة وتعرف سابقا بأرض المهرة وجزيرة سقطرى وهي جزيرة كانت تابعة للأرض العُمانية.. هذه الجاليات طالبت وما زالت تطالب بفتح مكاتب لها على الأقل في المقاطعة الجنوبية من السلطنة والمحاذية لأراضيهم بقى فقط حمل السلاح لتحرير بلادهم...السؤال: لماذا لم يسمح لهم بفتح مكاتب لتمكينهم من إدارة شؤنهم وتنظيم جبهة مماثلة أسوة بما تقوم به عدن الآن وسابقاً فضلا عن تعبئتهم بالسلاح؟
جلالة السلطان: المبدأ الذي بدأنا به سياستنا هو عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم إثارة القلاقل للآخرين فنحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب والدليل هو أننا للآن لم نسمح بفتح هذه المكاتب ولم نعط التسهيلات اللازمة ليقوموا بنشاط ضد حكومة اليمن الجنوبية، وهذا دليل على أننا لا زلنا ندعو للسلم وليس للحرب، لكن انا قلت في عدة مرات بأنه بإمكاننا كذلك أن نعامل الجماعة بالمثل، وإذا ما فتحنا هذا الباب فسيمكننا أن نعمل الكثير، ولكننا لن نضطر إلى ذلك ونفضل أن نحافظ على مبدأنا.

إغلا¬ق الحدود الغربية:
مندوب مجلة العقيدة: الجيش العماني والفرق الوطنية قادران على قفل الحدود الغربية من المقاطعة الجنوبية وإسكات نيران الحرب بتاتاً، وهذا في رأي الكثيرين هو الرأي القاطع.فما هو رأي جلالتكم في ذلك وما هي أيضا الحكمة العسكرية؟
جلالة السلطان: عندنا مثل يقول (نافذة يجيك منها الريح سدها واستريح)  أما بالنسبة لقفل الحدود وغير ذلك فهذه اسرار عسكرية لا أريد أن أتطرق لها.

لجنة الوساطة العربية:
مندوب مجلة العقيدة: تقوم الآن لجنة الوساطة العربية بمساع وصفت بأنها حميدة لحل المشاكل العالقة بين السلطنة وبين عمان. عمان قبلت اللجنة وقدمت لها كل المعلومات التي احتاجت إليها.. ويقال إن عدن ما زالت ترفض حتي استقبالها.. ما هو القرار الإيجابي الذي ينتظر من وراء مساعي اللجنة؟ وإذا لم تحقق اللجنة المطلوب منها، فهل هناك نظرة لدى الحكومة العمانية لحسم هذا الخلاف بطرق أخرى تكون أكثر فاعلية؟
جلالة السلطان: نحن أعضاء في الجامعة العربية ونرحب بأي مسعى تقوم به الجامعة لحقن الدماء العربية المسلمة، ومن هذا المنطلق رحبنا باللجنة وتعاوننا معها تعاونا كاملا، أما فيما يتعلق بما ينتظر من مساعي اللجنة فهذا شيء يخص الجامعة، فإذا ما أرادوا أن يقوموا بدور فأهلا وسهلا وإن لم يستطيعوا القيام بدور فعّال فنحن قد عشنا هذه المشكلة لمدة طويلة من الزمن ولا أعتقد أنه سيكون عندنا ردة فعل قوية، ومهما كان فنحن صممنا منذ البداية على إيقاف هذا التمرد بطرقنا، وإن شاء الله سنستمر في العمل المتواصل لأننا نؤمن بأننا على الحق، ونحن نؤمن بأن الحق سيعلو على الباطل، وفي نفس الوقت نحن مستعدين ونرحب بأي مسعى عربي صادق ونرحب بأية مساعدة عربية صادقة.

موقف الصين:
مندوب مجلة العقيدة: أعلنت روسيا والصين منذ قيام الجبهة الشيوعية في عدن بأنهما تساعدان وتدعمان هذه الجبهة.. وقبل حوالي عام قيل: إن الصين تخلت عن شعارها فما تصور جلالتكم للموقف؟
جلالة السلطان: تصوري للموقف هو أن الصين بدأت تعرف الحقيقة وبدأت تعترف بالواقع، وهذا الواقع هو أن عمان كبلد ودولة أثبتت كيانها في كل المجالات الدولية وأنه ليس هناك مجال لطغمة تضم عدداً من المتمردين وليس هناك احتمال بأن يصبحوا أصحاب سلطة في عمان، وكما يقول مثل غربي بأن الواحد منا يراهن على الحصان الرابح وليس على الخاسر.

جريدة عمان:
قوات عربية على الحدود
مندوب جريدة عمان: أجبتم جلالتكم قبل قليل عن سؤال حول لجنة الوساطة العربية، وسؤال هو هل هناك فكرة لدى اللجنة لوضع قوات عربية على الحدود بيننا وبين اليمن الجنوبي؟
جلالة السلطان: الإخوة العرب إذا أرادوا أن يوقفوا التدخل العدواني ورأوا من الصواب أن يضعوا قوات على الحدود لردع هذا الاعتداء وهذا التدخل يكونوا مشكورين.

أسس التضامن العربي:
مندوب جريدة عمان: دخلت المنطقة العربية مرحلة سياسية جديدة بعد حرب أكتوبر وخاصة وفيما يتعلق بأسس التضامن العربي، هل سيكون لذلك تأثير على علاقات عمان باليمن الجنوبي خاصة وبالمعسكر الشرقي بشكل عام؟
جلالة السلطان: نحن ندعوا التضامن العربي في كل وقت وكل حين وقمنا بواجبنا تجاه إخواننا العرب وبالنسبة لليمن صرحنا مراراً وتكراراً بأنه إذا أراد اليمن الجنوبي أن يمد يد الصداقة والتعاون ويترك المهاترات والمهازل فلا مانع من أن نتعاون معه كأخوة عرب شريطة أن يدللوا على حسن نواياهم بما يتلاءم مع حسن الجوار أما بالنسبة لعلاقتنا مع المعسكر الشرقي فهذا لكل شخص أصدقاؤه.

أهمية منطقة الخليج:
المرحلة الجديدة صنعت من منطقة الخليج نقطة سياسية واقتصادية هامة، فما هو تصور جلالتكم للدور الذي يمكن أن تلعبه عمان بثقلها الحضاري والاقتصادي والسياسي في هذا المجال ؟
جلالة السلطان: عمان لا تريد أن تفرض نفسها على أحد ولكن عمان مستعدة دائما وابداً أن تقوم بواجبها وتقوم بدورها في المنطقة حسب إمكانيتها واستطاعتها ومكانتها في العالم وأن تؤدي دورها المطلوب منها من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الرفاه والأمن والاستقرار وكل ما فيه مصلحة المنطقة، وعلى كل حال فإن الذي علينا هو تنفيذ الواجب.

الوحدة الخليجية:
طرحت مؤخراً فكرة السوق الخليجية المشتركة وبدأ تنفيذ بعض المشاريع الاقتصادية المشتركة (شركة الملاحة، شركة الطيران) فما هو رأي جلالتكم بالوحدة الخليجية المنشودة وما هو دور عمان فيها، على ضوء تاريخها الحضاري وعراقتها السياسية وتأثير ذلك في الوحدة العربية الكبرى؟
جلالة السلطان: الوحدة الخليجية المنشودة راجع تحقيقها لرغبة شعب الخليج أولا وللظروف ثانياً وعمان عبرت دائما بأنها تحبذ الوحدة، والدليل على ذلك أننا حثثنا على قيام اتحاد الإمارات العربية في وقت كان باستطاعتنا أن نعرقل الأمور، وباستطاعتنا أن نقف حجر عثرة في طريق الاتحاد ولكننا عملنا كل ما في وسعنا وقد برهنا على حسن نوايانا في هذا المجال.

أبعاد خطة تنمية البلاد:
لقد حققت عمان خلال السنوات الأربع الماضية معدلا من النمو الاقتصادي المتسارع في عهد جلالتكم الزاهر، قلَّ أن تشهد مثله الدول النامية فما هي الأبعاد العامة لخطة تنمية البلاد، على ضوء ارتفاع الدخل القومي؟
جلالة السلطان: الأبعاد كثيرة ومتفرعة، ونحن ما زلنا في بداية الطريق، وأنا شخصياً لا أعتبر النهضة بالعمارات والأبنية والإسمنت وإنما أعتبر النهضة الحقيقية هي نهضة الإنسان ذاته، وبالنسبة للدخل الفردي إن شاء الله سيزداد بازدياد المشاريع الإنمائية وأعني بهذه المشاريع، المشاريع التي تغطي كافة المجالات، ولكن لن يستطيع الإنسان العماني أن يستفيد من هذا كله إلا عندما يكون متعلماً، وفي ذلك الوقت ستكون هناك ركيزة صلبة ومستمرة وتباشير هذه الركيزة بدأت تظهر في الافق والحمد لله.

مشكلة الغلاء:
ما زالت مشكلة الغلاء في مناطق العالم المختلفة، ومن الطبيعي تتأثر عمان بها، فما هي الاجراءات التر ترونها مناسبة للحد من آثار هذه المشكلة داخلياً، ورفع الدخل الحقيقي للمواطن ؟
جلالة السلطان: هناك عدة إجراءات مثلا رفع المرتبات، ولكن الذي يحدث أنه عندما تعلن الدولة عن رفع المرتبات نجد أن التجار رفعوا الأسعار، ومنذ بضعة أيام أمرت بتشكيل لجنة لإجراء تحقيق كامل في مشكلة ارتفاع الأسعار ووضع مقترحات وبالتالي سنتخذ الإجراءات المناسبة.. ولكن الشيء الوحيد الذي أريد أن أؤكد عليه هو أن يجب على المواطن أن يتعاون على الحد من رفع الأسعار، عليه أن يرفض السعر الذي يطلبه التجار، وعندما يتعاون جميع المواطنين مع السلطة فلن يستطيع التاجر أن يرفع أسعاره أنا أريد من خلال هذه الجلسة أن أوضح للمواطنين بأن عليهم دورا كبيرا في الحد من ارتفاع الأسعار، ونحن سنتخذ الإجراءات اللازمة ضد التجار عندما يكون لدينا البراهين ولكن على المواطن أن يرفض الشراء وهناك إجراء آخر وهو الذي اتبع بشراء السلع وبيعها بسعر التكلفة وبهذا نغلق الباب على التجار بأن لا يبيعوا كيف ما أرادوا تحديث الإدارة والتشريع.

ما هي تصورات جلالتكم لتحديث الإدارة المحلية والتشريع وفصل السلطات على ضوء التجارب العربية والخليجية منها ؟
جلالة السلطان: نحن لا بد أن نبدأ من منطلق والشجرة أصلها نواه، بدأنا في تكوين البلديات والمجالس البلدية في المدن المهمة والحمد لله أصبح لدينا عدة بلديات، وسنخطط في المستقبل لأن تكون مجالس محلية تقوم بدورها الفعال في تطور مناطقها التي هي مسؤولة عنها. والأمن والاستقرار وكل ما فيه مصلحة المنطقة، وعلى كل حال فإن الذي علينا هو تنفيذ الواجب.

الوضع العربي:
ما هو تقييم جلالتكم للوضع العربي حالياً، وما هو موقف السلطنة من دعوة سوريا لانعقاد مؤتمر قمة عربي عاجل؟
جلالة السلطان: بالنسبة للوضع العربي أنا متفائل ولي أمل كبير وثقة كبيرة في الأخوة في مصر وسوريا والدول العربية الأخرى بأنهم يسيرون إلى حل المشكلة التي طالما شغلت بال العرب واستنزفت أموالهم وأرواحهم، أما بالنسبة لدعوة سوريا لمؤتمر قمة فالحاضر يرى ما لا يراه الغائب، ونحن واثقون من أن الإخوة في سوريا رأوا ضرورة في طلبهم.

مجلة النهضة
قوات عربية:
لقد أشيع من بعض الصحف أنه في حالة فشل لجنة الوساطة العربية من مهمتها فإن سلطنة عمان قد تطلب عن طريق جامعة الدول العربية قوات عربية لمساعدتها على الوقوف في وجه الإرهاب فهل هناك أساس لهذه الإشاعة؟
جلالة السلطان: نحن وضعنا القضية أمام الجامعة العربية والجامعة لا شك تنظر في مقترحات حول الموضوع، وكما قلت منذ لحظات نحن لا نمانع أن نتعاون معها فعلا، و إذا ما استطاعت الجامعة حقن الدماء فهذا سيكون شيء جميل جداً، بالنسبة للاستعانة بقوات عربية، فإن أي دولة عربية صديقة ومحايدة نجد لديها الرغبة في مساعدتنا وإرسال قوات، ووضع حد للتدخل الشيوعي العدني، إننا نرحب بذلك وسنكون مسرورين..

توزيع الأعباء و المسؤوليات:
من المعروف أن جلالتكم تقومون بعدة أعباء جسمية في الحكم حاليا، هل لدى جلالتكم فكرة لتوزيع هذه الأعباء موزعة حتى تتفرغون للأعباء الأكثر أهمية منها؟
جلالة السلطان: توزيع الأعباء يتوقف على نوعية الأعباء، وفي الوقت الحاضر الأعباء موزعة بقدر ما يمكننا توزيعها ومثلا هناك حاليا أعباء الوزراء و المدراء و الاختصاصيين و الولاة.. أما إذا كنت تهدف إلى موضوع رئاسة الوزراء فإنها غير واردة حاليا وقد سمعت إشاعة ترددت مؤخرا وهو أمر غير وارد. بالنسبة للمجلس الوطني، نحن لا نؤمن بالشعارات ولا نؤمن بالمجالس الجوفاء أو من يعرف معنى المجالس الجوفاء أو عاشرها و عاصرها فإنه يفهمني، وعندما يأتي الوقت و يكون عندنا الشباب الواعي القادر على القيام بواجبه كاملا غير منقوص فلا أعتقد أن هناك من يريد أن يتحمل أعباء فوق طاقته.

الشيوعية والصهيونية:
تقوم إسرائيل حاليا بغارات إرهابية ضد اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين، ثم في الوقت نفسه تتشدق بالدعوة إلى السلام والرغبة في العيش آمنة مع جيرانها العرب، فهل هناك تشابه في هذه الدعوة و بين حكام عدن؟
جلالة السلطان: الصهيونية و الشيوعية وجهان لشيء واحد لا فرق بينهما.


التيارات الثلاثة:
هناك ثلاث تيارت سياسية متباينة، تيار تدعمه الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، والثاني يحكمه المعسكر الشيوعي، أما التيار الثالث فهو الذي يلتزم بسياسة عدم الانحياز، فأين تقف عمان من هذه التيارات التي تجتاح العالم و تشكل أدوات الصدام الرهيب بشأن قواه المختلفة؟
جلالة السلطان: عمان حضرت مؤتمر عدم الانحياز وساهمت فيه، وعمان تحبذ الحياد وعدم الارتماء في أحضان المعسكرين، ولكن أعيد كلمة قلتها قبل قليل بأن لكل واحد أصدقاء..

الخدمات الاجتماعية:
ما هي خطط جلالتكم الحالية والمستقبلة في النهوض بمستوى الخدمات الاجتماعية التي تقدم للمواطنين في مجالات التعليم والصحة والإسكان والتنمية الاقتصادية؟
جلالة السلطان: في هذه الفترة من الزمن قمنا بما استطعنا القيام به، وكل إنجاز أو عمل إنمائي إن كان في مجال التعليم أو في مجال الصحة لاشك إنه يتوقف على دخل البلاد، وكلما ازداد دخل البلاد تزداد معدلات التنمية و النهضة..

دور الصحافة:
تؤدي الصحافة رسالة وطنية وإنسانية في كل المجتمعات فهي أداة للتوعية والدفاع عن المصلحة العامة عن طريق النقد البناء فإلى أي مدى يمكن لصحافتنا العمانية الناشئة أن تقوم بهذا الدور في ظل الظروف العمانية والدولية الراهنة؟
جلالة السلطان: أنا قلت منذ البداية، وهذا ما قاله أيضا المستشار الصحفي بأننا نريد لصحافتنا أن تكون صادقة وتحافظ على الكلمة الصادقة، لأنه للأسف أكثر الصحافة أصبحت صحافة كاذبة، صحافة تباع وتشترى.. النقد البناء مقبول لدى الكل ولكن النقد بطريقة معقدة يمكن أن يكون عرضه للتأويل حتى يمكن أن يستفيد منه الأعداء و يحوروه عن غير واقعه وحقيقته وفي نفس الوقت يحب أن يتاح المجال لأية وزارة أو مؤسسة أن توضح خططها، توضح ما قد يظهر للكثيرين من أنه موضع نقص، و يحب أن يكون السؤال مباشرا ويوجّه شفاهةً للمؤسسات والدوائر عن نشاطاتها..

جند عمان
مستقبل القوات المسلحة
سيدي جلالة السلطان بصفتكم القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما هي تصوراتكم لمستقبل القوات المسلحة؟
جلالة السلطان: أنا لا أتصور بالنسبة للقوات المسلحة بل أخطط وأعمل على جعل قواتنا المسلحة وجيشنا العماني يصل إلى مستوى أخوته من الجيوش العربية المتطورة الحديثة، والضاربة، ليكون درع عمان وفي نفس الوقت يكون قوة متكافئة مع بقية الجيوش العربية للقيام بالواجب في أي بقعة، و الحمد لله الخطة سائرة في طريقها وعلينا أن نحقق ما نصبو إليه جميعا.

مياهنا الإقليمية:
المحرر: من المعروف أن بعض ناقلات البترول والبواخر الكبيرة تأتي بمياه معها للحفاظ على توازنها، ثم تفرغه في مياهنا الإقليمية، مما يسبب التلوث، فما هي الإجراءات التي تتخذونها لحماية مياهنا الإقليمية من التلوث؟
جلالة السلطان: هذه المشكلة عالمية ومن الصعب أن يُتخذ إجراء فعَّال ضد هذه البواخر وإيقافها عن التفريغ.. وهناك دراسات عالمية في أماكن مختلفة من العالم، نأمل أن يكون بإمكاننا أن نستفيد من نتيجة هذه الدراسات، وفي نفس الوقت آمل أن يكون هناك تعاون في منطقة الخليج وأن يكون التعاون في كيفية حل هذه المشكلة لأن الإخوان يعانون من نفس المشكلة.

هل يفكر جلالتكم في إصدار الأمر ببناء مساكن لعوائل الضباط وضباط الصف في مراكز قواتكم المسلحة كما هو الحال بالنسبة للشرطة؟
جلالة السلطان: بدأنا بمثل هذا المشروع ولكن لا بد أن يتم هنا على مراحل لأن هناك فرقاً بين القوات المسلحة والشرطة من حيث العدد، فالقوات المسلحة عدد كبير، وهي متواجدة في أماكن متفرقة لذلك لابد أن ينفذ هذا المشروع على مراحل.

كلمة ختـامية:
وفي ختام المؤتمر ألقى الأستاذ حفيظ الغساني المستشار الصحفي لجلالة السلطان الكلمة التالية: مولاي المعظم في ختام هذا اللقاء التاريخي لا يسعني إلا أن أعرب لكم عن خالص الشكر أصالة عن نفسي ونيابة عن الزملاء.. فلقد وضعتم بإجاباتكم الصريحة علامات مضيئة على الطريق الذي رسمتموه لهذا البلد الطيب... فليحفظكم الله قائداً ومعلما ورائداً ويهديكم التوفيق والنجاح والسلام عليكم.
......................................
المصادر: ناصر أبو عون – صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبيّة، ص: 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع – الأردن – ط 2/ 2015م، وانظر أيضا: جريدة عُمان – الصفحة الأولى والثانية - السنة الثانية – العدد: 81 – المجلد الثاني 1من يونيو 1974م – 10 من جمادى الأولى 1394هـ

تعليق عبر الفيس بوك