حوار جلالة السلطان قابوس مع جريدة (السياسة) اللبنانية عام 1974م

حاوره: فاروق البربير رئيس التحرير


أدلى جلالة السلطان قابوس المعظم بحديث صحفي إلى الأستاذ فاروق البربير رئيس تحرير جريدة (السياسة) اللبنانية الأسبوعية أكد فيه جلالته على أن الحكم يجب أن يكون متمتعا بثقة الجميع ليضمن استمراره كما أكد جلالته على أنه لابد في النهاية من انتصار الحق العربي في فلسطين وقال جلالته إننا نؤمن بالعدالة الاجتماعية والمشاركة في الحكم وفيما يلي نص الحديث السامي مع السلطان الشاب..
صباح الثلاثاء في 11 كانون الأول في تمام الساعة الثانية عشر والنصف كان موعدي مع السلطان الشاب في قصره الجديد في (السيب) قبل الموعد كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء لم يدم طويلاً... سرعان ما حضر مرافق السلطان الخاص وأبلغني بأن السلطان سيقابلني فورا دخلت الغرفة الواسعة لأجد أمامي شابا عربيا أسمر اللون يعتمر عمامة جميلة اللون، يصافحني بحرارة قائلا: أهلا وسهلا.. ودخل معي بحضرته إلى الغرفة المصور العماني الذي أحضرته معي، وبدأ المصور بالتقاط الصور الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة وبدأ الشاب الأسمر وكأنه تضايق من كثرة الصور.. فهرول المصور خارجا تاركا الغرفة في صمت دام ثوانٍ سرعان ما قطعه السلطان سائلاً: هل هذه هي أول مرة تزور عُمان ؟
المحرر: نعم إنها المرة الأولى..

وأضاف جلالته معلقا وهو مبتسم:
نرجو أن تتكرر في المستقبل.. (إنه لشرف لي أن أزور أي بلد عربي.. لقد كان الاستعمار في الماضي يقيم الحواجز والسدود... أمَّا اليوم فنأمل أن نتحطم كل هذه السدود و الحواجز).

المحرر: أجبته ببطء محاولا تكوين نظرة أولية عنه..بدا لي من خلال الدقائق الأولى شابا خجولا.. و لكنه يعرف ماذا يريد.. وسرعان ما تبدل الجو بعد دقائق وأصبح طبيعيا فنعش الحديث، ولم يدخل أحد إلى الغرفة أثناء المقابلة التي دامت أكثر من ساعة ونصف إلا المرافق الذي أحضر لنا أكواب عصير البرتقال الطازج.

أحلام المستقبل:
المحرر: وصولكم إلى الحكم، اقترن بتحد كبير.. فهناك الواقع العماني المتخلف، وهناك الواقع العربي المتطلع إلى غد عربي أفضل وهناك العالم بأسره يركض لاهثا إلى المستقبل المجهول.. يبدو أنكم في سباق وصراع في الوقت نفسه مع الزمن.. هل أنت راض عما حققته حتى الآن؟
جلالة السلطان: عندما نبدأ ببناء بلد كما بدأنا هنا في عمان، لابد من وجود طموح؛ إن العزلة التي كان يعيشها الشعب هنا كانت قاسية ومريرة.. إنني أطمح لتحقيق الكثير.. و لذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن أكون (راضياً) ولكنني (مرتاح) ليس المهم ما يقوله العالم عنا... ولكن المهم أننا سائرون على الطريق الصحيح، السليم.. إنه بالطبع طريق طويل وشاق.. المواطن يجب أن يشعر وأن يلمس التقدم وأظن بأن المواطن في عمان بدأ يشعر وبدأ يلمس المشاريع التي بدأنا بها هنا.. لهذا السبب أشعر بالارتياح..إننا نعرف أن نجاحنا متوقف على مساهمة أكبر عدد ممكن من المواطنين في عملية التغيير.. لقد أعلنا منذ استلامنا الحكم أن أبواب عمان مفتوحة للجميع بدون استثناء وبالفعل رجع المئات من المواطنين الذين كانوا في الخارج وبدأوا معنا في عملية التغيير.
إنني بالفعل أؤمن بأن هؤلاء ساهموا مساهمة بارزة في النهضة الحالية.. إننا نركز بشكل خاص على التعليم، وهذه ظاهرة أصبحت ملموسة هنا.. بدون ثقافة وبالتالي بدون وعي وطني لا نستطيع أن نحقق شيئاً.. البعض يقول بأن الوعي خطر على نظام الحكم.. إنني، بكل صراحة أعارض هؤلاء... إنني لمؤمن بأن الوعي يولد المسؤولية وهي تعني في النهاية الالتزام بالوطن وبأرضه و بنظامه.
إن الحكم العائلي بدون تأييد شعبي ولى زمنه؛ الحكم يجب أن يكون متمتعاً بثقة الجميع.. شخصياً لست متخوفاً من الحضارة والتقدم.. علينا أن نطور وعلينا أن نتقدم هذه هي سنة الطبيعة.. جميع الدول تتقدم وتمارس مختلف الوسائل لتحقيق مستوى أفضل لمواطنيها.. ومن المفروض أن تزيد الحضارة ثقة المواطن بنفسه وبالتالي أن تزيده إيمانا بأرضه وببلده. وسيكون بالفعل مؤسفا أن يرى أحد غير ذلك.. والواحد يشعر بحسرة عندما يرى مستوى الدول الأخرى ويلمس رقيها وتقدمها.

بابنا مفتوح للجميع:
المحرر: الثورة التي بدأت في الجبال منذ عام 1965م لا تزال مستمرة.. أسباب استمرارها ما هي وما هي برأيكم الوسيلة لوضع حد لهذا النزاع الدائم بين أبناء الوطن الواحد الذي يستنزف في الوقت نفسة قسماً كبيراً من مواردكم؟
جلالة السلطان: نحن منذ البداية عندنا وجهة نظر واحدة لم تتغير.. ولا نزال نتمسك بها.. ألا وهي أن نكون على حسن جوار مع الجميع بدون استثناء بابنا مفتوح للجميع.. لمن يريد أن يرجع وأن يخدم بلاده.. بالطبع نحن لا نوافق على الكثير من أفكار جماعة ظفار ولكننا نؤمن بأسلوب الإقناع.. أنا أقول بأننا نمثل أكثرية الشعب وأقولها بحق.. أما هم فلقد شهروا ولعلهم في الماضي كانت لهم أسبابهم، أما اليوم فلقد فتحنا صفحة جديدة في تاريخ هذا البلد ونحن بحاجة إلى الجميع لنواصل البناء والتقدم.. فمساحة المنطقة التي يعملون بها حوالي 30,000 ميل مربع.. وهناك السهول الساحلية ثم الجبال ثم نجد ما وراء نجد.. وهذه الجماعة لم يخرج نطاق نشاطها عن المناطق الجبلية الوعرة، وذات المسالك الصعبة.. وفي بعض المناطق تقترب الجبال بالسهول لذلك كان من الطبيعي أن يصل بعض أفراد هذه الجماعة لبعض المناطق الساحلية وهذا لا يعني بنظري أن هناك تقدما عسكرياً، وإنني أستطيع أن أؤكد بأن المناطق التي يعتمدون عليها من أجل تدريباتهم موجود معظمها خارج البلاد.
إن حرب الجبال تستطيع أن تضايق أكبر الجيوش.. بالطبع لولا الحروب لكانت ميزانيتنا الفعلية أكبر، ولكن هذا الواقع لا يمنعنا من التركيز على الجيش بصفة خاصة.. إن أمن البلاد واستقرارها مرتبط بتطور الجيش العماني وتأمين ما يحتاجه من معدات وأجهزة، ونحن في هذا السبيل لا نتأخر، نحن لم نطلب التوسط من أحد؛ ولكن بعض الدول العربية الشقيقة عرضت فكرة التوسط فلم نرفضها.. لقد انضم إلينا منذ فترة حوالي 700 مواطن كانوا أصلا يعملون مع الثوار وجاء أكثر من 500 منهم مع أسلحتهم وطلبوا محاربة الثوار وهم حاليا يقومون بالدوريات وبعمليات الاستطلاع؛ إن جمهورية اليمن الجنوبية تتدخل باستمرار كما أن هناك دولا عربية شقيقة أخرى تتدخل بإضافة إلى بعض الدول الأجنبية التي تمد الثوار بالسلاح والمال.

المحرر: الثورة، أي ثورة في العالم تقدم منهاج عمل سياسي وفكري واقتصادي للشعب.. ما هي المبادئ التي ترتكزون عليها في حكمكم بالمقابل؟
جلالة السلطان: إننا بلد مختلف كما تعلم ولا بد أن تصبح عمان بلدا عصريا في مستوى البلدان العربية الراقية وهذا لا يأتي بسرعة.. لقد بدأنا السير في الطريق الصحيح على ما أظن محاولة اللحاق بركب الحضارة والإمساك بالقرن العشرين ليس عملية سهلة.
إن التعليم والثقافة والوعي كما قلت، هو حجر الأساس في حركتنا.. مهمتنا الأولى أن نبني المدارس وتثقيف المواطنين ونفتح نوافذنا للحضارة.. في الوقت نفسه، نحن نتمسك بالعدالة الاجتماعية كطريق لنا.. أنا أردت أنها اشتراكية عربية أو إسلامية فليكن.. نحن لا نذكر الاشتراكية.. ونحن نسعى إلى المشاركة الحقيقية لجميع العمانيين بدون استثناء.. لقد ولى عهد (كل شيء).. لا يمكن لأجنبي أن يستثمر هنا أي مشروع، مالم يكن له شريك عماني أي مشروع اقتصادي لا بد أن يكون فيه أسهم عمانية.
وبالنسبة للزراعة فإننا نوليها اهتمامنا الخاص بالرغم من وجود البترول.. لقد وزعنا مساحات شاسعة من الأراضي، وفي الوقت نفسه فإنني أسعى إلى رفع مستوى التدريب والقوة القتالية للجيش العماني، وإدخال المزيد من العمانيين إلى صفوفه.

دولة البترول في التنمية:
المحرر: اكتشاف البترول غيَّر الكثير من المفاهيم في المنطقة العربية.. فما هو الدور الذي لعبة في عمان؟
جلالة السلطان: ليس من شك بأن البترول لعب دوراً في مشاريع التنمية هنا.. فعمان كما تعلم بلد زراعي والبلاد الزراعية تبقى فقيرة ما لم يتم تصنيع الزراعة.. والبترول بالطبع موردنا الأساسي لمشاريع التنمية التي نحن بصدد تنفيذها.. هناك مشاكل رئيسية تعترضنا.. لعل أهمها بناء جهاز بشري عماني قادر على استيعاب وإدارة هذه الثروة الجديدة، لعل هذا من الأسباب التي دفعتنا إلى عدم الاشتراك في منظمة الأوبيك.. فنحن على استعداد لتنفيذ جميع المقررات التي نتخذها.. نحن بصدد إنشاء الشركة الوطنية للبترول التي ستلعب دورا بارزا في صناعتنا البترولية كما إننا تفكر في الوقت نفسه بإنشاء مصنع بتروكيميائي لأن هذا المصنع يعتبر نواة طبيعية للصناعة البترولية.. أما بالنسبة للمصفاة التي تساءلت عنها: فإنني أجيبك بأن الوقت لا يزال مبكرا.. إن طاقتنا البترولية ليست كبيرة حتى الآن (300 ألف برميل يوميا) كما إن هناك مصاف عديــدة أخرى في المنطقة ونحن بحاجة إلى الجهاز البشري الغني لإدارتها.. ومن جهة أخرى فإن الاستهلاك المحلي لا يزال حتى الآن متواضعا.. إن المستقبل كفيل بتحقيق هذا المشروع متى أصبحنا بحاجة اقتصادية له..

نظرية الأمن وعلاقات حسن الجوار:
المحرر: يبدو أن نظرية الأمن تثير اهتمام جميع دول العالم.. فما هو رأيكم بهذا الموضوع بالنسبة لمنطقة الخليج بصورة خاصة؟ وما هي علاقتكم ببريطانيا؟

جلالة السلطان: نحن نسعى باستمرار إلى إقامة حسن جوار مع الجميع بدون استثناء، نحن ضد الأحلاف أو التكتلات مهما كان نوعها ولكننا لسنا ضد المساعدات.. إن معظم دول العالم تتلقى مساعدات مختلفة.. وعلاقتنا بجميع الدول العربية حسنة ما عدا الدول التي تساعد الثوار.. بالطبع نحن نسعى لمزيد من القوة: و لمزيد من التضامن العربي لقد دخلنا الجامعة العربية وأصبحنا عضوا في هيئة الأمم.. وليس من شك بأن عمان بساحلها وداخلها، دولة واحدة.. سنسعى إلى المزيد من التضامن والاتحاد بيننا وبين إخواننا العرب على ساحل الخليج لأننا نعتبر أنفسنا وحدة كاملة.. المستقبل كفيل بوضع اللمسات الأخيرة لأي نوع من الوحدة والاتحاد.. أما بالنسبة لبريطانيا، فنحن دولة مستقلة تربطنا ببريطانيا علاقات سياسية و اقتصادية منذ زمن طويل وهناك اتفاقات بيننا و بينها.. إن عمان ستعيد النظر في أي اتفاق متى دعت الحاجة إلى ذلك وسنوثق علاقاتنا كما قلتُ في الوقت نفسه مع جميع الدول العربية التي نرتبط معها بوحدة المصير العربي المشترك.

الوحدة أمل العرب:
المحرر: الوحدة حديث أوروبا.. وحديث إفريقيا.. وحديث العرب.. كيف تنظرون إلى الوحدة العربية؟
جلالة السلطان: الأخ لا يستطيع مساعدة أخيه إذا كان مريضا.. ونحن لانزال في بداية الطريق فبلدنا بلد متخلف ويحتاج إلى الكثير من مشاريع التنمية التي نحن بأمس الحاجة إليها.. والوحدة هي جميع العرب ولابد أن تتحقق في المستقبل ولكن علينا أن نرسي الأساس السياسي و الاقتصادي و الثقافي أولا.. وعلينا أن نكتشف ذاتنا لتتحول إلى قوة فعالة تستطيع في المستقبل القريب إن شاء الله أن تمارس دورها البناء الإيجابي في المحيط العربي..

خطوة في الصراع:
المحرر: مؤتمر السلام يثير الكثير من الجدل.. كيف تنظرون إليه؟
جلالة السلطان: لقد حطم العرب أثناء حرب تشرين أسطورة التفوق الإسرائيلي.. فلقد برهن الجندي العربي بأنه جندي محارب و شجاع يستطيع أن يقهر الواقع إذا شاء.. وفي الوقت نفسه فقد كشفت حرب تشرين عن طاقات العرب الدفينة واستطاع العرب أن يكسبوا احترام العالم..أما بالنسبة لمؤتمر السلام، فنحن مع أي قرار أو خطوة يوافق عليهما أشقاؤنا العرب.. و مؤتمر جنيف قد يحل المشكلة وقد لا يحلها.. ولكن بالإمكان اعتباره خطوة في الصراع الطويل الدامي بين الصهيونية العالمية وبين العرب.. ولابد في النهاية من الانتصار الحق العربي في فلسطين المحتلة.
..................................
 
المصادر: ناصر أبو عون – صحفيون في بلاط صاحب الجلالة، محاورات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبيّة، ص: 154، 155، 156، 157، 158، 159، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع – الأردن – ط 2/ 2015م،وانظر أيضا: جريدة عُمان – الصفحة الأولى والرابعة – السنة الأولى – العدد 6326 يناير 1974م – 2 من محرم 1394هـ.

تعليق عبر الفيس بوك