على أروح الراحلين ألف سلام

منى المعولي – سلطنة عُمان


عندما كنت طفلة، لم أكن أدرك فلسفة الرحيل، كل ما كان يشد وقتي هو الصخب الممتليء به المكان، كنت أرى أبناء عمي المستوطنين في (أبوظبي) يعودون وأبناء الأهل والعمات المقيمين في مسقط أيضا يقفلون عائدين إلى القرية، يشد انتباهي منظر النسوة الجارات يتجمعن في حلقات متجمعة ومبعثرة وهن يشعلن المواقد بالسعف ويدلكن رغيف الخبز وينضجنه ويجهزن العشاء لسد رمق المتدفقين من كل حدب وصوب.
كنت أرى التجهم على وجوه الكبار والحزن ينبثق من مدامعهم وأنوفهم محمرة وأعينهم منتفخة، إلا إني كنت أمارس طفولتي وأرى الموت من الجانب المشرق، أراه وقد أعاد رفاقي من أبناء الأهل من صبية وبنات.. أراه وقد حول ظلمة الليل إلى زيارات وحكايا تتناقلها شفاهنا الصغيرة، كنت أجهل ماذا يعني أن يخيّم طير الوجع على أغصان الذات، بعد أن كبرت وأدركت ما يحدث، أرى الأطفال حولي يلهثون لعباً ويتقافزون ضحكاً ويلعبون الغميضة في ظهر خيمة الموت المنصوبة، أصرخ بصمت ليتنا نعود صغارا ولا نعيش الوجع ولا نفهم الواقع ولا نكدس مناديل الورق المخَترقة بنار الدمع.. ليتنا نعود صغارًا..
وعلى أروح الراحلين ألف سلام...

تعليق عبر الفيس بوك