مسرحية من القائمة القصيرة لمسابقة النص المسرحي - الهيئة العربية للمسرح 2017

في داخل النص

 

سعد عودة - العراق

شخصيات المسرحية:

  1. الشاعر- شاب في الثلاثين من عمره, يرتدي بنطال جينز وقميص, يحمل حقيبة سوداء مملوءة بالأوراق والكتب.
  2. سلام- شاب في العشرينيات من عمره, جميل الوجه ولكنه أسمر البشرة من تأثير تعرض بشرته لأشعة الشمس مع انه في الواقع ذو بشرة بيضاء, يرتدي بنطال ممزق من نهاياته وتي شيرت يُظهر اجزاء كبيرة من صدره, يبدو وسخا وتشع عيناه بالدهاء والخبث.
  3. أمل- فتاة لم تصل الى سن العشرين, ذو سحنة جميلة ولكنها متعبة ووسخة, ترتدي جبة سوداء وربطة عنق سوداء أيضا, تبدو الفوضى واضحة على ملابسها لكنها تتمتع بنشاط كبير وواضح ورغم التعب لكنها تبدو مرحة بطريقة ما.
  4. نوال- فتاة في العشرينيات, جميلة ومكتملة الأنوثة, يضج نهداها بشكل مميز من داخل الجبة الزرقاء وتضع على رأسها شال قديم ومتسخ لكنه مزين بورود وأوراق الأشجار الملونة, تبدو قوية وواثقة واحيانا تظهر عليها ملامح التسلط.

*****

تأثيث أولي:

  1. وجود شاشة عرض سينمائية ضروري جدا وتوضع في الفضاء الذي يرتأيه المخرج خاصة وان هناك فيلم سينمائي قصير في الجزء الثالث وهو جزء رئيسي من العمل.
  2. الفضاء المسرحي يمكن أن يكون امتداد لما موجود في الشاشة ويشكل بعدا آخر له.
  3. يجب أن يكون هناك منفذ يدخل منه الممثلون وكأنهم يدخلون إلى داخل الصورة في شاشة العرض.
  4. يمكن استخدام الشاشة في الفصل الثاني في عرض صورة للغرفة وليس ضروريا تأثيث الفضاء المسرحي بما هو مطلوب.

..............

الفصل الأول:

المكان:

 إحدى تقاطعات المدينة التي تصب فيها أربعة شوارع مكتظة بالسيارات  بينما تقف بنايات عالية تستند على مجموعة من الدكاكين التي تتاجر بأشياء كثيرة, محل لبيع الأثاث, آخر لبيع التحف والكرستالات ومطعم  في بابه بائع شاي يقف عنده عدد من الشاربين, ومحل آخر لبيع الملابس امامه بسطية تبيع الملابس والاحذية, مدخل لباب عمارة تقف على شرفاتها يافطات اطباء ومحامين.

ملاحظة" (يمكن للمخرج استخدام فيلم مصور لإحدى تقاطعات المدينة وتبقى حركة السيارات التي تقف ثم تتحرك كخلفية للمشهد).

............

سلام - مي بارد ..مي....اشرب ياولد....مي بارد

 تظهر أمل  وهي تتسول من السيارات قبل ان تختفي, تنتقل من سيارة لأخرى

يدخل الشاعر يجلس على الرصيف ويُخرج دفترا صغيرا ويبدأ يكتب شيئا ما وهو يتأمل أمل وسلام.

 تتحرك السيارات فيندفع سلام ويجلس على مقربة من الشاعر, تأتي أمل وهي تحاول ان ترتدي ربطة تغطي فيها شعرها

أمل - ابن الكلب .جر الربطة من رأسي وفضحني  امام الناس

سلام يندفع يرفع حجرا من الارض ويحاول ان يرمي به  السيارة قبل ان يعود

سلام- لقد ذهبوا

ترتدي أمل الربطة مرة اخرى قبل ان ينتبهوا للشاعر وهو غارق في الكتابة ..يقتربوا منه ويسأله سلام

سلام- ماذا تكتب

الشاعر (يرفع رأسه)..احاول اكمال قصيدة

سلام- ماذا تعني قصيدة

الشاعر – شعر ..اكتب شعرا

سلام- أها .شعر شعبي

الشاعر- لا ..فصيح

يضحك  ..

 تدفع أمل سلام

أمل(لسلام) – اسكت انت لاتفهم الشعر

أمل(للشاعر)- وعن ماذا تكتب ..اكيد عن الحب

الشاعر – لا

سلام- ربما عن الأم

الشاعر – لا

أمل – بما انك تجلس هنا .اذا انت تكتب عن الشارع وربما عن السيارات ..وربما ...تسكت.........عنا

الشاعر- لا ..لا عن السيارات ولا عنكم

سلام – اذا عن ماذا تكتب

الشاعر يرمي الدفتر جانبا ويسألهم

الشاعر- ولماذا تريدون ان تعرفوا

امل- ربما..ربما..ربما لأننا لم نرَّ من قبل شاعرا يكتب على الرصيف

سلام- ربما  تكتب عنا ..وفي هذه الحالة عليك ان تدفع مقابل ذلك..

الشاعر – وكم تريدني ان ادفع

سلام – (يفكر) ..خمسة الاف لي..وعشرة الاف لها

الشاعر (يضحك)..لماذا لك خمسة ولها عشرة

سلام- انها فتاة ..وانت رأيت شعرها بالتأكيد... وربما تكتب عنه وهذا يكلفك اكثر

الشاعر- اها..يعني علي ان ادفع لأنني رأيت شعرها

سلام- لا ..فهناك اخرون رأوا شعرها ولن يدفعوا شيئا

انت ستدفع لأنك ستكتب ما رأيت

الشاعر – ولكنني لم أرَّ شعرها ..كنت مشغولا بالكتابة

سلام – وكيف نتأكد من ذلك

الشاعر – لا اعرف ..ولايهمني ان تتأكد

سلام – لا طبعا..علينا ان نتأكد انك لم تكتب عن شعرها

الشاعر- وكيف تتأكد

سلام – امامك خياران ..الاول ان تقول لنا ماذا تكتب

الشاعر – والثاني

سلام – الثاني..ان تخلع ربطتها امامك الان وتدفع لها العشرة الاف..حتى نتأكد انك رأيت شعرها

الشاعر- لن ادفع فلسا واحدا

سلام – اذا عليك ان تخبرنا ماذا تكتب

الشاعر- حسنا ..مادمتم مصرين.....اكتب عن القيامة

سلام- القيامة

الشاعر – عن يوم القيامة الذي حدث قبل ثلاثة ايام

أمل (لسلام)- لو وافق على رؤية شعري لكان افضل

سلام- وكيف حدث يوم القيامة هذا

الشاعر- حسنا ..سأخبركم

قبل ستة اشهر حدثت الحرب العالمية, فجأة ومن دون سابق انذار احدى الدول العظمى اطلقت صواريخها النووية باتجاه دول متعددة, لم يفهم احد ما الذي حصل ولماذا اطلقت صواريخها حاول البعض تهدئة الامور لكن الصواريخ النووية بدأت تنطلق من كل مكان الجيوش والبوارج الحربية كلها تحركت فجأة واشتعلت الحرب 

امل- ولكن لماذا ..ما الذي جعل العالم يُجن بهذا الشكل

الشاعر- في الحقيقة ..لا أحد يعرف ..خلال ثلاثة اشهر قُتل ثلاثة أرباع العالم , ولم تنجو سوى اجزاء صغيرة من الشرق الاوسط وبعض الدول في امريكا اللاتينية  لكن الصواريخ النووية بدأت تنطلق مرة اخرى ولا أحد يعرف من يطلق هذه الصواريخ والعصف النووي بدأ يسحق كل شئ في هذا العالم, حتى الذين استطاعوا الهروب الى الغابات والأماكن النائية لحقهم الشتاء النووي والسرطان وبدأت الامراض تحصد ماتبقى منهم, قبل ثلاثة ايام سمع اخر الناجين ان يوم القيامة قد حل وفجأة مات الجميع بينما كانت سحب الدخان تغطي سماء العالم

سلام- انت تضحك علينا

أمل – لايريد أن يدفع

الشاعر- أنا لا أكذب

سلام – ونحن ..وهذا العالم ..ألم تقل ان الكل ماتوا..

الشاعر – نحن داخل النص

سلام- النص

الشاعر- داخل القصيدة

سلام- أي قصيدة

الشاعر- الذي كان يكتبها الشاعر قبل ان يحل يوم القيامة هذا

سلام – والشاعر ...اين ذهب

الشاعر- مات مثل الاخرين منذ الشهر الاول للحرب

سلام – هل كان يكتب عنا

الشاعر- نعم ..كان يصف شعرها الاصفر الذي تطاير في الهواء وشفتيها التي كانت تتمنى ولو قبلة واحدة من اي شاب جميل كانت تراه من خلف زجاج السيارات(يشير الى أمل)

أمل – ولكنني

الشاعر(لأمل)- كان يصف نهديكِ اللذان تكورا فجأة وانت تداعبيهما وهذا يشعل الرغبة داخل روحك

أمل – (بخجل)..ولكن كيف عرف ذلك

سلام- عليه اللعنة ..من اعطاه الحق بذلك

الشاعر- له كل الحق فهو من خلقكم ..

سلام- استغفر الله

الشاعر- انتم حروف فقط..ولاشئ حقيقي ..حتى هذا العالم والسيارات والرصيف ..مجرد حروف استمرت بالحياة بعد موت الجميع

سلام- ولكنني لا اعرف شيئا..حتى انني لا اعرف الشعر ولا القصيدة ..لم ادخل للمدرسة ولا اعرف كتابة حرف واحد مما تقول

أمل – اما انا فأعرف الكتابة, رغم اني كنت طالبة كسولة في الصف ..ورسبت سنة واحدة في الصف الثالث الابتدائي لكنني تعلمت القراءة والكتابة ووصلت للصف الخامس قبل ان يموت ابي ويتخلى عنا الجميع بعدها ذهبت امي ولا نعرف الى اين وتركتنا للشارع انا واختي

الشاعر- واين هي اختك الان..

امل- تتسول في شارع اخر

الشاعر- ستظهر في نص قادم

امل- هل يعرف ذلك الشاعر اختي

الشاعر- نعم ..يعرف كل شئ

سلام- لا ..لايمكن ذلك

الشاعر(لسلام)- يعرف..يعرف ايضا كيف هربت من البيت ..لانك لم تعد تتحمل ما تفعله امك

سلام- عليك اللعنة

الشاعر- امك التي كانت تتركك تتألم في الغرفة وهي تنام مع زبائنها ..كنت تسمع كل شئ ..واحيانا ترى وساختهم على الشراشف قبل ان تغسلها

سلام – عليه اللعنة ..

الشاعر- من

سلام – ذلك الشاعر..هو الذي خلقني..وهو الذي اختار ان أكون بهذه الزريبة..هو فعل ذلك

الشاعر- لان هذه هي الحقيقة

سلام – عليكم اللعنة..اي حقيقة..انا لم اختر شيئا ...كان عليه فقط ان يحدث بعض التغييرات في النص

الشاعر..مثل ماذا

سلام- مثلا ..كان يمكن ان يجعلني اعيش في بيت دعارة وامي هذه هو عملها قبل ان تلدني..وكل النساء اللواتي رأيتهن  عاهرات فقط....ولكن امي كانت امرأة عادية ...تعمل في السوق في بيع الخضار وتكسب رزقها ..وكنا نرافقها ونحن صغار....انا ابيع الأكياس البلاستيكية واخي يدفع عربة يُوصل مايتبضعهُ الاخرون الى بيوتهم...فجأة قررت ان تترك العمل في السوق ..وتجلس في البيت تنتظر الزبائن

الشاعر- لقد تعبت

سلام- لا لقد قررت التخلي عنا ..وهذه خطيئة الشاعر

الشاعر- وما دخل الشاعر

سلام- ابن الكلب ..هو من اختار لها السقوط

الشاعر- ولكن

سلام- كان يمكن ان تستمر بالسوق..وسأكبر واعمل انا وتجلس هي في البيت...لكنه لم يمنحني الوقت

الشاعر- نحن لانختار ماسيحصل

سلام- ولكن هذا ابن الكلب هو من يختار

الشاعر- لاتسبهُ ..واحترم نفسك

سلام – وما شأنك انت

الشاعر- ..ها ..لاتسبه وكفى

سلام (يفكر قليلا)..ها...اذا انت هو ذلك الشاعر..انت من خلقتنا ..قررت ان تدخل للنص لتنجو ..الان فهمت...ولكن لماذا؟ ..كان بإمكانك ان تكتب عن عالم اخر..ربما اقل خطيئة واقل قسوة ..عن اخرين يعيشون حياة عادية فقط

الشاعر- لم استطع...كنتم امامي ...جوعكم وتعبكم وخطيئتكم وتوسلاتكم وضياعكم هو من دفعني للكتابة وهو الذي جعلني اعيش لحد الان ...النصوص الحقيقية وحدها تبقى حية بعد ان يموت الجميع...

*****

الفصل الثاني:

المكان:

 الغرفة الذي تسكن فيها كل من أمل ونوال, الجدران تخلو في أجزاء منها من الطلاء ويظهر الطابوق المتسخ بينما تنشر بيوت العنكبوت في زوايا الغرفة, بعض الفرش تمتد على الارض وبعض الأغطية المنتشرة فوق هذه الفرش بصورة فوضوية, في احدى زوايا الغرفة هناك ثلاجة صغيرة قديمة الصنع وهناك كرسي بلاستك في زاوية أخرى بالقرب منه تقف منضدة صغيرة فوقها تلفاز من طراز قديم.

 تدخل (نوال) تخرج كيس نايلون وتنفض عدد كبير من الاوراق النقدية قليلة القيمة وتبدأ بترتيبها قبل البد بحسابها ....تدخل بعدها أمل وسلام والشاعر فتخبئ امل النقود في جيبها

نوال(تلتفت للشاعر)- من هذا

أمل – هذا شاعر

نوال- شاعر..ماذا يعني

أمل – اكاد اموت من الجوع ..دعينا ناكل شيئا اولا

الشاعر- انا ايضا جائع

تذهب نوال الى ثلاجة صغيرة وتخرج بعض السندويشات وتبدأ بتوزيعها على الاخرين يبدأون بالأكل

الشاعر- السندويش بارد

أمل- اكل ..عيني ..اكل

سلام- ههههههه...إن شاء الله نشوي لك السمك على العشاء

يضحك الجميع

الشاعر – العفو ..لا اقصد شيئا..

نوال- قلتم لي انه يعمل شاعرا

الشاعر- لا ..الشعر ليس عملا

نوال- ماذا يكون اذا

الشاعر- هو ..هو...

سلام- خلق..هو يستطيع ان يخلق اشخاص مثلنا

نوال- ومن اين يأخذ اجره

الشاعر – من التاريخ

سلام- يبدو ان هذا التاريخ واسع الثراء

أمل ..(تضحك)..التاريخ كتاب وليس انسانا

الشاعر – التاريخ هو الماضي فقط

نوال- لا شأن لنا بالتاريخ الان..اخبروني ماذا يفعل هذا الشاعر معنا

سلام- هو يقول انه خالقنا....واننا نعيش في قصيدة

نوال- هذا هو الرب(باستهزاء)

الشاعر- لستُ ربا..انني شاعر فقط

نوال- الرب وحده يخلق

الشاعر- والشاعر ايضا

نوال- وكيف تخلق الناس

الشاعر – في الخيال

سلام – يعني انك تتخيل شخصا ما فتجده امامك

الشاعر- لا يبقى في راسي

نوال– وهل نحن في رأسك الان

الشاعر- نعم

سلام- ما اكبر رأسك الذي يضم هذه الغرفة وما تحتوي

الشاعر- راسي ممكن ان يضم الكون كله 

نوال- طيب ..نحن في رأسك ولكن كيف تكون انت في رأسك

الشاعر- نعم ..كان صعبا جدا..ولكنني فعلت ذلك

سلام- كيف

الشاعر– خلقت لي حياة اخرى ودخلت من خلالها

نوال- انظر..نحن متعبون طوال النهار من الركض في الشوارع ولا وقت لنا لمثل هذا الهراء

الشاعر – يبتسم..لديك وقت فقط بالتجوال مع سليم

سلام- من هو سليم

ترتبك نوال

 تبتسم أمل

الشاعر- هي تعرف

نوال- انا لا اعرف شيئا

الشاعر- لن أخبرهم بما حدث ولكنني سأخبرهم بما سيحدث

نوال- وماذا سيحدث

الشاعر- سيأخذك الى بيتهم بعد يومين بعد ان يخرج ابوه للعمل وتذهب امه لزيارة أخيها وس...

نوال- اصمت ..لابد انك تعرف سليم وهو من اخبرك بذلك

الشاعر- لا انا من كتبت هذا ..واعرف ماذا سيحصل

نوال- انت تتحذلق فقط ..لاشئ من هذا سيحصل

الشاعر- اذا لماذا بكيت عندما رضع نهديك في الزوراء

نوال..تصمت

الشاعر- بكيتِ لأنك لم تستطيعي مقاومة الرغبة التي بداخلكِ...ولن تستطيعي مقاومتها بعد يومين

نوال- اصمت ..قلت لك اصمت

سلام (لنوال)– ايتها العاهرة....افهمي...هو يعرف عنا كل شئ

أمل – (تفكر)..بما انه هو الذي خلقنا علينا ان نجعله يغير المستقبل على الاقل

نوال- نعم ...ربما سأقنع سليم بالزواج مني

سلام- ربما يمنحني عملا او وظيفة ما

أمل تنظر الى الشاعر الذي يحاول الخروج

أمل – اجلس الان

الشاعر – لا..لا..سأرحل

تركض نوال تجلب سكينا وترفعها بوجهه وتصرخ

نوال- اجلس الان

الشاعر- حسنا..اهدئي ..سأجلس

نوال- هل تستطيع اخراجنا الان من رأسك

الشاعر- وماذا تفعلين ..لقد مات الجميع وستموتين بمجرد الخروج

نوال- ولماذا اموت

الشاعر- الجو هناك ملوث بالأشعة النووية التي ستأكل لحمك وتبقيكم هيكلا عظميا فقط

نوال- انت تكذب علينا

الشاعر- افهمي..لايمكنني ان اكذب

يتناول الشاب السكين ويضعها على رقبة الشاعر ..

سلام – تقول اننا في رأسك....اذا ماذا سيحدث لو فصلنا هذا الرأس عن الجسد

الشاعر- ستختفون..سيختفي كل هذا العالم

سلام- واذا...سينتهي كل هذا الوجع وتنتهي كل هذه المذلة

الشاعر- وتنتهي معها كل ساعات الفرح واللذة

سلام- ..اي فرح وأي لذة

يلتفت الشاعر نحو أمل

الشاعر- اخبريه ..ذكريه أي لذة

نوال- ماذا تقول

أمل- انه يكذب

الشاعر- ولماذا انت خائفة

نوال- ايتها العاهرة ..تحاول ان تضربها

أمل – افهمي..كنا نبحث فقط عن سبب للحياة

هذا ابن الكلب فعل بنا كل ذلك ....يلتفتون ثلاثتهم نحو الشاعر ويهجمون عليه لكنهم يقفون في اللحظة الاخيرة

الشاعر- ارجوكم افهموا...انا اكتب عن اشياء كانت موجودة في الحياة..خيالي لم يصنعكم..كنتم امامي..اراكم واسمعكم ولم يكن بوسعي تغيير واقعكم ..انا فقط اعدت صياغة العلاقات بالطريقة الممكنة...اعتقد من حقكم ان تحصلوا على بعض الفرح واللذة وليس على الرب ان يحاسبكم على ذلك ..هل اخطأت بذلك..يلتفت نحو نوال

انتِ (يشير الى نوال)..ما هو المهم في حياتك سوى هذه اللحظات التي كان فيها سليم يرضع نهديك بلذة ..هذا الشعور بالحنان والرغبة والامل هو الذي يصنع الحياة بالنهاية ..انت(يشير الى سلام) ..هل اخطأت معك عندما منحتك كل هذا الحب والساعات الجميلة معها(يشير الى أمل) ..ها..اخبروني ..هل اخطأت معكم ..بالنهاية عليكم ان تفهموا انني لست ربا ..لست ربا ..لست ربا.....

انني احاول فقط اصلاح ما صنعهُ الرب

نوال- اذا كان الامر كذلك فدعنا على الاقل نشارك في اختيار مستقبلنا ..

أمل- نعم..لا شأن لنا بالماضي ..دعنا نصلح المستقبل

الشاعر- حسنا ..ماذا تقترحون..فقط اجعلوا خياراتكم منطقية وممكنة الحدوث

سلام- طبعا..يمكن مثلا ان ترمي احدى السيارات عليّ حقيبة مليئة بالدولارات ..تكفيني لباقي عمري, يمكنني ان افتح مطعما وربما اسافر وافتح مطعما في بلد اخر, بلد بلا متسولين او حروب

الشاعر- ومن ذلك الغبي الذي يرمي حقيبة ملآى بالدولارات

سلام- يمكن ان يكون مجرما ويرميها ليتخلص منها قبل ان تكتشفه الشرطة وتزج به في السجن

الشاعر- في هذه الحالة ستجد الشرطة عاجلا او آجلا الحقيبة عندك وتزج بك في السجن

الشاب- اها..نعم..يمكن اذا ..ان..لا أعرف

نوال- أما أنا فأحلامي منطقية وممكنة الحدوث..كل ما اتمناه ان اتزوج سليم واعيش كأي ربة بيت..انجبُ اولادا ويكبرون وربما يجعلونني اذهب لحج بيت الله ..

الشاعر- طبعا ..احلامك بسيطة ولكن من الذي سيقنع اهل سليم بتزويج ابنهم من متسولة في الشارع ..بلا اهل وبلا تاريخ..ومن من يمكن ان يخطبكِ..وهل تعتقدين ان سليم يحبك ..هل يعشقك وسيواجه اهله من اجل هذا العشق..هل تشعرين بذلك

نوال- ها..لا اعرف

الشاعر- لا..لا.. تعرفين جيدا..القضية لها علاقة باللذة وليس بالحب ..حتى انتِ لاتعشقينه..انتِ تحتاجين هذه اللحظات من المتعة فقط..

نوال- كان يمكنك ان تجعلنا عاشقين

الشاعر – اتفقنا على ان لانعود للماضي

نوال- اذا..ها..دعني..ها...لا اعرف

يلتفت الشاعر نحو أمل ويسألها

الشاعر- وانتِ

امل- انا ..تبتسم.بالتأكيد لا احلم بالزواج من هذا الاحمق(تشير الى سلام)..يضحكون

لكن ماذا لو كانت الطبيعة اقل قسوة, مثلا نسمة هواء باردة في ظهيرة تموز وبعض الدفء في الشتاء, بعض الشبع, حتى لذة مع هذا الاحمق خالية من الخوف, مثل هذه الاشياء الصغيرة فقط

الشاعر- هل تعتقدين ان شاعرا ما يستطيع ان يتحكم بالطبيعة, انه يصفها فقط ياعزيزتي..وهو وحده من يتحكم بذلك ..(يشير للاعلى)

نوال- بصراحة انت تتلاعب بنا فقط..لا اعرف كيف لك ان تعرف كل هذه الاشياء عنا ولكنني لا اصدق ماتدعي

الشاعر (لأمل)- ارجوكِ اذهبي تحت سرير نوال ستجدين صندوق صغير في اقصى الزاوية اليسرى من السرير

تذهب الفتاة وتجلب الصندوق

الشاعر (لنوال)- من يعرف غيركِ ما بداخل الصندوق

نوال – لا ..لا احد يعرف ذلك

سلام – ماذا بداخله ..بالتأكيد نقود

الشاعر – صحيح..وشئ اخر

الرسالة التي تركتها امكِ(يلتفت لنوال) قبل ان تهرب من البيت, او بالتحديد قبل ان تنتحر بعد ان طردها الجميع حتى اهل زوجها واخيها الذي سافر الى الخارج, كتبت لكم انها لايمكنها تحمل رؤيتكم وانتم تضيعون في الشوارع, وان كل ماتستطيع فعله الان لكم هو ان ترحل فقط وتترككم لرحمة الرب, عندما قرأتِ الرسالة حينها بكيتِ وقررتِ ان لاتخبري امل وان تخرجي للشارع فقط ..حقيقة كنتِ شجاعة..انا ايضا اردتكِ ان تكوني كذلك ...

يبحث الشاعر بين اوراقه ..يستخرج ورقه ويعطيها الى أمل..تتغير ملامحها بشكل كبير ..تسقط دمعة من عينيها , تحاول ان تسأل نوال لكنها تعدل عن ذلك.

 يلتفت الشاعر لسلام والان افتح الصندوق

يفتح سلام الصندوق ويستخرج ورقة يأخذها الشاعر يضعها بقرب الاخرى الذي اخرجها من حقيبته ويبدأ يريها للجميع الواحد بعد الاخر الا ان يصل الى نوال عندها يقف صامتا

نوال- لا ..لا يمكن ذلك ..غير معقول

الشاعر- ارجوكم ..اجلسوا واسمعوني الان

يجلس الجميع ..يذهب يجلب الكرسي ويجلس في منتصف الغرفة

الشاعر- كل ما مررتم به من احداث كانت من صنع مخيلتي..الشئ الذي لم اكتبه هو وجودي معكم الان ..مجرد اللقاء الاول تخيلته لأهرب من الموت ..كنت خائفا ومرتبكا ولم استطع سوى اكمال اللقاء الاول الذي حصل في الشارع مع سلام وأمل اضافة الى علاقة نوال بسليم...ما يحصل الان في هذه الغرفة اظنه من مخيلة غيري ..كما ان العالم الذي يتحرك الان هو في مخيلة الاخرين

نوال- حسنا ..اجلس واكتب القادم

الشاعر- هنا ..لاينفع..علي  ان اعود اولا

امل – وكيف تعود وانت ميت هناك

الشاعر- بصراحة لست متأكدا ..ان كنت قد مت او لا

سلام- الم تقل ان يوم القيامة قد حل وان الجميع قد مات

الشاعر- بصراحة لستُ متأكدا..ربما انا فقط تصورت ذلك...هناك الكل كانوا يصرخون انه يوم القيامة

أمل- اذا يمكن ان تكون انت من يكتب هذه الاحداث الان

الشاعر- ربما ..ولكن اذا كنت سأكتب شيئا هناك فسأكتب عن الحرب, الصواريخ النووية, القتلى ,المصابون بالسرطان, ووحشية العالم المتآكل

نوال- يا ألهي..

أمل- يعني مستقبل اسود..اسود ...بكل المعاني

سلام(يفكر)..عليك اذا ان تعود وبأي طريقة ..وتكتب لنا عالما ممكنا...هل يمكنك ان تكتب لنا مستقبلا جيدا

الشاعر- ممكن طبعا..ولكنني لا اعرف كيف اعود

سلام- انا اعرف

أمل – كيف

الشاعر- (يضحك)..انت تعرف

سلام(ينفخ نفسه)- نعم..اعرف..حبايتان من (ابو الحاجب) وستستطيع الذهاب الى اي مكان

تضحك أمل ونوال

الشاعر- (ابو الحاجب)..ما هو هذا

سلام – حبوب هلوسة..ستجعلك تنسحب من عالمنا هذا وعندها ستعود الى عالمك الاول ..

الشاعر- ها..لا..لا اعرف ..ربما ننجح

سلام-..سننجح..انت لاتعرف ما تفعل هذه الحبوب

الشاعر- لا اعرف

نوال-على كل حال ..علينا ان نحاول

سلام- احتاج بعض المال لشراء هذه الحبوب

نوال- ادفع انت ..ونتحاسب لاحقا

سلام- (يضحك)..لا عيني..كلنا ندفع بالتساوي

تذهب أمل ..تحتضنه

أمل- مابك..قلنا لك سندفع...تغمز له بعينها

سلام- انتِ تقولين هكذا

أمل- طبعا..ثق بذلك

سلام- (للشاعر)- عن اذنك

يأخذ الفتاتين الى جانب الغرفة ويهمس لهما

سلام- دعونا نأخذه للتقاطع ونراقبه هناك فاذا حصل له اي شئ نتركه ونهرب..بدل ان نتورط به هنا

نوال- صحيح

تلتفت نوال للشاعر

نوال- علينا الان ان نذهب للعمل ..ستذهب معنا وهناك ستتناول الحبوب وتعود

الشاعر- في الشارع

سلام- انت لن تشعر بالشارع بعد ان تتناول الحبوب

الشاعر- ولكن

أمل- لايمكننا ان نبقى هنا لنراقبك..العمل هو العمل

نوال- هيا دعونا نذهب

يخرجون من الغرفة

*****

الفصل الثالث:

المكان:

نفس التقاطع في الفصل الأول سوى إنه يخلو هذه المرة  من السيارات والمارة, وحدها البنايات تقف فارغة من أي روح بينما الدكاكين المفتوحة تعرض بضاعتها من دون وجود بائع او مشتري.

أمل وسلام ونوال يقفون في منتصف التقاطع اما الشاعر فينام بالقرب منهم وكانه ميت, تذهب نوال تتحسس نبضه

نوال- نبضه ضعيف جدا ..ما هذه الحبوب

أمل- من اين جئت بها ..اخاف ان تكون مضروبة او فاقدة الصلاحية

نوال- اخبرنا..نخاف ان يموت وننتهي ..انا لا اريد ان اموت الان ..امامي اشياء كثيرة لا افعلها

 تركض أمل نحو سلام وتمسكه من ياقة قميصه

أمل- اخبرنا..ابن الكلب..ما هذه الحبوب

سلام – (يدفع الفتاة عنه)..ابو الحاجب غالي وكان علي ان اتصرف

أمل – وكيف تصرفت

سلام – بصراحة احد الاصدقاء اخبرني ان هناك حبوب يتناولها مرضى السكري ستفي بالغرض, اعطاني اسم هذه الحبوب واشتريتها من الصيدلية

نوال- قتلت الشاعر اذا ايها الغبي ..نحن نريده ان يهلوس فقط وهو الان يفقد الوعي ولانعرف ان كان سيصحو

سلام ..لاتخافي

أمل- ايها الغبي ستقتل الرجل وتقول لاتخافي

سلام – اخبرني صديقي كيف نجعله يصحو

نوال- كيف

يخرج الشاب عصير حلو من جيب بنطاله ويرفعه ويصرخ

سلام- هذا سيجعله يعود لنا

أمل – عصير

سلام- نعم

تأخذ نوال العصير وتركض نحو الشاعر ثم تلتفت للشاب وتصرخ

نوال- ساعدوني

أمل وسلام يضعون الشاعر في وضع الجلوس وتبدأ نوال تضع العصير في فمه فيسيل على صدره قبل ان تضع القنينة جانبا وتأخذ قنينة ماء وترش بقوة على وجه الشاعر فيصحو بعد ان يشهق شهقة كبيرة , في هذه اللحظة تعود السيارات والمارة وتتعالى اصوات منبهات السيارات ويضج الشارع من جديد, يقف الشاعر ولكنه مايلبث ان يجلس وهو يلتفت الى كل الجهات قبل ان يبدأ بنوبة بكاء وهو يبعد رأسه بعيدا عن الاخرين

نوال- مابك..ما الذي حصل

 الشاعر- ماء..ارجوكم

يقدم سلام بطل ماء للشاعر الذي يشربه بالكامل ويرميه

نوال- اخبرنا ما الذي حصل

الشاعر- ليس ثمة قيامة ما ولم يمت الجميع

سلام- جيد

الشاعر – لا ليس جيدا لانهم تحولوا الى وحوش فقط

نوال- كيف

الشاعر- الاشعة النووية افسدت كل المزروعات والاطعمة والذين لم يموتوا من هذه الاشعة بدأوا يموتون من الجوع

الذي رأيته في هذه المدينة يفوق الوصف, الخراب يصيب كل شئ والناس يأكلون اي شئ يحصلون عليه, الكلاب والقطط وحتى الاطفال

نوال- يا الهي ..الاطفال

الشاعر- نعم..رأيتهم وهم يشوون اطفالهم والبعض يأكلهم بشكل نيء..لم يطيقوا الانتظار

الفتاة- اطفال..نحن نعرف الجوع جيدا..ولكن اطفال..هذا فوق مستوى التصور

سلام- يمكنني ان أكل الكلاب والقطط ..ولكن اطفال..لا اعتقد

الشاعر- انهم يمشون بلا عقول..الجميع فقد عقله هناك, وبدأوا يفكرون بالطعام فقط..أي شئ يسد رمقهم حتى انهم..(يصمت)

سلام – ماذا

الشاعر- لاشئ

نوال- اخبرنا ارجوك

الشاعر- انا كنتُ هناك..لم امت

سلام- رائع

نوال- اذا انت من صنعت كل هذه الاحداث

الشاعر- نعم ..هو فكر بذلك بطريقة ما

نوال- تعني انت

الشاعر- نعم..انا او هو..صعب ..صعب جدا

امل- ما هو الصعب

الشاعر- لاشئ

نوال- اخبرنا بكل شئ ..ارجوك

الشاعر- في الحقيقة ان الاقوياء فقط كانوا يأكلون الكلاب والقطط والاطفال

أمل- والاخرين

الشاعر-..يسكت

نوال- اخبرنا ..ارجوك

الشاعر – الاخرون وانا منهم..كنا نأكل الجثث

أمل- يا ألهي

سلام- غير معقول

الشاعر- نعم كنت هناك وفمي ممتلئ بالدم..كانت جثة امرأة ما ماتت منذ فترة قصيرة حتى انها بدت جميلة بطريقة ما

سلام- عليك اللعنة

أمل- لابد انك كنت تأكلها بطريقة شاعرية..(تضحك)

نوال- صحيح..انا لا اعرف حقا ما يعني ان تكون شاعرا ولكنني لا اعتقد ان الشاعر يمكن ان يأكل جثة

سلام – الجوع كافر

الشاعر- لا ليس الجوع فقط...الاشعة النووية افقدت الناس كل مشاعرهم الانسانية..ربما تفكيره بنا هي محاولة منهُ  لمقاومة هذا الجنون

نوال- وماذا سنفعل الان..كان عليك ان تكتب لنا مستقبلا جيدا بدل أكل جثث النساء

سلام – في الحقيقة ..هو فقد عقله ولايمكن ان يكتب شيئا ما

الشاعر- صحيح..لا اعتقد انني استطيع ان اكتب شيئا هناك..مستحيل

نوال- وماذا سنفعل

الشاعر- لا اعرف..ولاتطلبوا مني الذهاب الى هناك مرة اخرى

سلام – ربما ..لو

أمل- لو..ماذا

نوال- تكلم

سلام(للشاعر)- لن تحتاج ان تكتب اي شئ

نوال- كيف

سلام- انتم لم تنتبهوا ان الناس اختفوا بمجرد نوم الشاعر

أمل- نعم ..نعم

الشاعر- ماذا ..

سلام – في الحقيقة ..انك بمجرد ان فقدت وعيك اختفى الناس لكن المدينة بقت كلها بكل مقتنياتها

الشاعر- هذا يعني انني لم اعد افكر بالناس..واقتصر تفكيري عليكم وذكريات المدينة

أمل- كيف

الشاعر- لقد خاب ظن الشاعر من البشر فدفعهم بعيدا عن تفكيره ..انتم وحدكم الذين خلقهم خياله بقيتم هناك في وعييه والمدينة التي يعشقها ..المدينة من دون بشر او وحوش

سلام- لا يهمنا هذا الكلام الان..ما يهمنا  ان نتمكن من صنع مستقبلنا

نوال- كيف

سلام- بسيطة ..يفقد الشاعر وعيه مرة اخرى ..ونحن نحمل ما نصادفه من اموال ..سنذهب الى المصرف القريب ويمكننا ان نأخذ ما نشاء..بعدها يمكننا الهرب الى مدينة اخرى وربما نفتح لنا مشروعا ما ونعيش منه

الشاعر- تعني..نسرق

سلام- نعم..كان عليك ان تفكر بذلك

الشاعر- مستحيل

سلام- اسمع..نحن نعيش هكذا منذ فترة طويلة..اخبرني انت كيف ستعيش معنا..ماذا ستفعل..هل يستطيع شاعر بيع الماء البارد او التسول

الشاعر- لا طبعا ..سأعمل ..سأعمل..لا اعرف

سلام- اسمع ..بشكل ما انت خلقت كل عذاباتنا..على الاقل انك تخيلت هذه العذابات ..وعليك ان تساعدنا الان في الهروب منها

الشاعر- بالسرقة

سلام- باي شئ..عندما يعم الجنون يبدأ الشاعر بأكل الجثث..وما يحصل الان جنون محض..وانت لاتريد ان تأكل الجثث هنا ايضا

الشاعر- صعب..شاعر وحرامي

سلام- انت لن تشاركنا في السرقة حتى انك لن تكون شاهدا عليها..انت ستكون هناك فقط..تاكل في جثة ما

الشاعر- ارجوك

نوال- هذا هو الحل الوحيد

أمل- لاخيار امامنا غير ذلك

الشاعر- لا ..لن افعل ذلك

نوال- اذا لم تفعل فعلينا حينئذ نقتلك وننهي كل عذاباتنا هذه..بالتالي نحن نعيش بلا مستقبل

أمل- نعم..لم نعد نطيق الشارع وهذا الموت الذي نمارسه كل يوم. الأفضل ان نختفي..هكذا افضل

سلام- اختار اذا..الموت او الحياة

الشاعر- تعني الموت او الجريمة

سلام – لاتنسى ان كل ماموجود هنا هو من صنع مخيلتك ..يعني ملكك الشخصي..انت ستمنحنا ماتملك..حتى ان الرب لن يحاسبك على ذلك

الشاعر – تخريج شرعي غريب...ولكن يبقى واحدة من التخريجات التي اعتدنا عليها..على الاقل هذه المرة من متسول وليس من رجل دين

حسنا....مادام الرب لن يحاسبني على ذلك مثلما يقول شيخ سلام(يضحك)..سأوافق....وأرى ماذا سيحصل

أمل- كل الخير..

سلام- سنعيش حياة مذهلة

نوال- تأخذ سلام على جنب

نوال- الان اذهب واجلب لنا حبياتين ابو الحاجب

سلام- لا طبعا ..لقد جربنا هذه الحبوب ونجحت ..(يخرج شريط حبوب من جيبه )..كل مانفعله اننا سنزيد الجرعة قليلا ليمنحنا الوقت الكافي لجمع اكبر مبلغ ممكن

نوال- اخاف ان يموت..

سلام – لن يموت..هناك الكثير من قناني العصير في هذه المدينة

يأخذ أربعة من الحبوب ويدفع بها الى الشاعر, يأخذها الشاعر, ينظر اليها ثم يدفعها الى فمه وهو يصرخ

الشاعر- يا إلهي

تبدأ الإضاءة تظهر وتختقي, يبقى الشاعر وحيدا في المسرح قبل ان يسقط ويظهر الفيلم على الشاشة السينمائية

........

منظر علوي- مدينة خرجت لتوها من الحرب, كل شئ مدمر, البنايات مجرد هياكل فارغة والجثث تملأ الشوارع, تبدأ الصورة تقترب لتدخل في احد الشوارع الداخلية, وجوه الناس شُوهت بطريقة فضيعة  تملأها الدمامل واثار الدماء مازالت تغطي شفاههم, ملابسهم ممزقة والبعض شبه عراة, نساء كبيرات يأكلن في جثة ما, فجأة يظهر الشاعر يرتدي نفس الثياب ولكنها ممزقة وفي قمة القذارة, دمامل وبقع حمراء ظهرت على وجهه يرفع بين يدية قطة صغيرة ويركض متلفتا, يخرج الاخرون من الفروع الجانبية ويبدأون ملاحقته, يركض بكل سرعته وبخطى مرتبكة بينما يقترب الاخرون منه فيزيد من سرعته قبل ان يدلف الى فرع جانبي, ومنه الى شارع رئيسي عندها يتزايد المطاردون فيدلف الى عمارة عالية بلا شبابيك او حيطان, يبدأ يصعد السلم ويستمر الاخرون في مطاردته بعدها يصل الى سطح البناية ,عندها يظهر مرة اخرى حجم الخراب والدمار الذي اصاب المدينة, يحاول ان يهرب لكنهم يحاصرونه على سياج العمارة القليل الارتفاع, اثناء هذه المطاردة يبدأ الشاعر النائم في وسط المسرح بالتحرك وكأنه داخل كابوس ما.

يقترب منه رجل بشع المنظر قوي البنية ويحاول سحب القطة من يده لكنه يتمسك بها عندها يرتفع صوت مواء القطة فيقترب الرجل الضخم منه ويدفعه بقوة ويسلب القطة منه يتراجع الشاعر ويسقط من اعلى العمارة, هنا يبدأ الشاعر في وسط المسرح يمد يده محاولا امساك الهواء بنفس الشكل الذي يظهر خلال سقوط الشاعر من اعلى العمارة حتى يرتطم بالأرض عندها يبدأ الدم بالسيلان ويأخذ الشاعر في الفيلم والشاعر النائم في المسرح نفس الشكل لرجل يتمدد على الارض وهو يموت.

.........

تشتعل الاضاءة ويدخل الثلاثة وهم يحملون اكياس مملوءة بالمال يندفعون نحو الشاعر

نوال- بسرعة..لقد تأخرنا عليه كثيرا

تتحسس نوال نبضه..

نوال – انه ميت

سلام- لا مستحيل

نوال تضع فمها على فمه وتحاول اجراء عملية تنفس اصطناعي قبل ان تضغط على صدره ضغطات متتالية وتضع اذنها على صدره وتصرخ

نوال- هناك نبض

يضعه أمل وسلام في وضع الجلوس وتفتح نوال قنينة عصير وتدفع بالعصير الى فمه ثم تبدا تتحسس نبضه

تجلب قنينة ماء وترشها بقوة على وجهه فيشهق شهقة كبيرة عندها تنفتح الشاشة وتظهر جنة من الاشجار يمر وسطها نهر, جمال الطبيعة والطيور التي تتنقل بين الاشجار, تملأ الشاشة بالروعة والجمال , يقف الثلاثة مندهشين امام مايشاهدونه عندها يحاول الشاعر الوقوف بصعوبة, يسقط , ثم ينجح بالوقوف بالنهاية

سلام- ماهذا..لقد اختفت المدينة

أمل- انظر ..نحن في الجنة

نوال(تلتفت الى الشاعر)- ولكنه حي

سلام- هذه هي الجنة اذا

أمل- نعم فنحن الفقراء لايمكن ان يعذبنا الرب

سلام( يلتفت الى الاكياس المملوءة بالمال)- ولكننا سرقنا للتو

نوال- نحن اخذنا فقط ممتلكات الشاعر وبموافقته

أمل- نعم..لايمكن ان يعذبنا الرب مرتين

يقف الشاعر ينظر الى النهر ويبتسم

الشاعر- انها ليست الجنة انها المدينة فقط

سلام – ولكن اين البنايات والناس

الشاعر- انها المدينة في ساعات خلقها الاولى ..لقد متُ هناك في الواقع ومسحت كل الذكريات ورجعت الى لحظات الخلق الاولى

نوال- ماذا تعني

الشاعر- عزيزتي..التاريخ دائري جدا ...ونهاية اي تاريخ هي نفسها بدايته, وتاريخ المدينة داخل الشاعر انتهى فكانت البداية

سلام- وماذا تفعل بكل هذه الاموال

الشاعر – نرميها في النهر

نوال- وماذا نفعل بعد ذلك

أمل- كيف نعيش

الشاعر- وماذا نحتاج ..الا ترون ..هنا كل شئ ...كل مانحتاجهُ ..علينا فقط ان نبدأ....نحن بداية التاريخ الان

سلام- شاعر وثلاثة متسولين يبدأون التاريخ

الشاعر- نعم انه تاريخ اخر...التاريخ السابق صنعه الجبابرة والملوك وهذا التاريخ سيصنعه الفقراء والشعراء فقط

أمل- يمكننا ذلك

الشاعر – نعم..ستتزوج انت (يشير الى سلام) أمل وسأتزوج انا نوال وسننجب الكثير من الابناء الذين سيصنعون تاريخا اخرا

نوال- انا ..لابأس

تبتسم أمل

الشاعر – علينا اولا ان نبني لنا بيتين وبعدها نبدأ الحياة

يضعون ايديهم بأيدي بعض ويركضون الى داخل الاشجار.

...............................

نزول الستارة

تعليق عبر الفيس بوك