سوريا وأمريكا والفوضى

بعد أن بدأت الأوضاع تستقر إلى حد كبير واقتربت الأزمة السورية من الحل، مع تحرير الكثير من المدن والرقى بمساعدة من روسيا وإيران، فوجئ الجميع، بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية أنّها تعمل مع فصائل سورية على تشكيل قوة حدودية تتألف من 30 ألف عنصر، تقودها قوات ما يسمى بـ"سوريا الديمقراطية".

الخطوة الأمريكية التي أعلن عنها إذا ما تحققت على أرض الواقع فتعني عودة الفوضى والدمار من جديد بعد أن كادت الأوضاع تهدأ، وأنهار الدماء تجف، بل إنّ ذلك قد يؤدي إلى عواقب أسوأ مما شهدته البلاد خلال السنوات الماضية، خاصة مع مراجعة رد الفعل الإيراني والتركي، وهما اللاعبان الإقليميان الأساسيان الآن على المسرح السوري، وهو ما دفع وزير الخارجية الإيراني للقول إنّ إعلان الولايات المتحدة يشعل ألسنة النار، ويمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لسوريا.

أمّا رد انقرة فجاء مباشرًا على لسان الرئيس التركي الذي توعّد بالقضاء على القوة المزعومة التي تنوي أمريكا تشكيلها، كما آثار الإعلان الغضب السوري والروسي، لما له من تداعيّات خطيرة، مفادها وجود نية لتقسيم سوريا، بعدما فشل مخطط تقسيم العراق بداية من إقليم كردستان بتدبير أمريكي.

تبدو الخارطة معقدة وغير واضحة إلا أنّ النوايا الأمريكية شديدة الوضوح منذ البداية، حتى وإن لم تعلن ذلك مباشرة، مثل قيامها بتجهيز الأكراد في شمال الرقة وشرق الفرات، لتحقيق حكم ذاتي يتحول إلى كيان تحميه قوة، قوامها بهذا الشكل، وهو ما يهدد أمن تركيا أولا لقربه من الحدود التركية، ويهدد وحدة سوريا والمصالح الروسية والإيرانية في المنطقة.

ومما يمكن قوله أيضا إنّ وجود تلك القوات يقطع الطريق على الحدود السورية العراقية، بعدما تمّ تأمينها وفتح طريق البوكمال والقائم، التي تعرف بالطريق التاريخي بين إيران وبغداد ودمشق وبيروت.

إن الإدارة الأمريكية على وعي كامل بأنّ الكيان الكردي إذا نجح في الانفصال بهذه القوة، فهذا يعني المزيد من التقسيم في مناطق أخرى في سوريا، كما أنّ الإعلان الأخير بشأن الـ30 ألف جندي، سيتسبب في عرقلة جهود حل الأزمة في سوريا سياسيا، في ظل الرفض الأمريكي لمحادثات أستانا، فضلا عن المساعي المتعددة لإفشالها، ولذا فإنّ هذه القوة الجديدة كشفت عن طبيعة الدور الأمريكي بلا شك.. فهل من مدكر؟!

تعليق عبر الفيس بوك