التغيير التنظيمي

 

صالح الخالدي

باحث دكتوراه في التغيير المؤسسي

يعيش العالم اليوم عصراً متطوراً يتسم بالنمو الهائل في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية والفنية والإدارية، مما يمكن أن نطلق عليه عصر التغيير في كافة المجالات ولا شك أن تعدد وتعقد الظروف البيئية الداخلية والخارجية يؤدي إلى ظهور العديد من التحديات التي تواجه الإدارة في المستقبل.

وقد كان التغيير يتم في الماضي عن طريق الإدارة العليا التي تتسلح بأدوات الإجبار والإكراه مما أوجد لدى العاملين روح المقاومة والرفض والسلبية بل وتدني الروح المعنوية، وكثيراً ما كانت عمليات التغيير تنفذ من خلال تطبيق أسلوب رقابة وضبط مباشرين واعتماداً على حواجز خارجية وغير نابعة من قناعات الأفراد.

وفي ضوء التغيرات الجارية في الوقت الحاضر ولاسيما في عصر يعج بالتحولات الديمقراطية واعتبارات حقوق الإنسان وما رافق ذلك من تفجر سكاني وثورة في عالم الاتصالات والمعلوماتية وتوجهات نحو العولمة فإن عمليات التغيير قد تتطلب انطلاقها من أساليب تشاركية ضماناً لحدوث تغيير فاعل ومؤثر.

إن التغيير حالة من حالات عدم الاستقرار وعدم الثبات وعدم التجمد ومن باب التخطيط والتنظيم يدخل التغيير بزي إبداعي وخلاق، كونه يرتكز على خطط وخطوات متسلسلة حسب أسبقيات الأحداث والأنشطة بتوقيتاتها الزمنية مدعوماً بإمكانيات وقدرات ومهارات مرصودة عن سبق تفكير، ومن هنا يكون لإدارة التغيير معنى ومجال وسيطرة من خلال ربط الأنشطة البشرية والمادية ضمن خطط عمل مدروسة تحتوي على الإجراءات الإدارية النموذجية التي تهيمن على التفكير وتقرر اتجاهه ومداه وزخمه.

من هنا أرى ضرورة الاعتراف بوجود ظاهرة التغيير التي لا تنفي وجود الاختلافات والآراء المتعددة حول طبيعة ومفهوم التغيير التنظيمي وأهميته وشكله ومحتواه وكيفية مواجهته أو إحداثه، والتعرف على ديناميكيته وأسبابه ونتائجه والإستراتيجيات والسبل الكفيلة باستثماره لصالح المنظمة وأهدافها وتطلعاتها وظروفها عامة، ويتضمن ذلك وعي الإدارة في أي منظمة عامة أو خاصة بأهمية مواكبة متطلبات التغيير بشكل يكفل المحافظة على التوازن التنظيمي في مختلف الظروف البيئية المتغيرة.

لا يخفى على أحد أنَّ الحاجة إلى التغيير أصبحت سمة من سمات الحياة التي نعيشها بكافة جوانبها، وكلنا يعلم أن التغيير في نشاط المؤسسات المختلفة أصبح مطلباً ضرورياً من أجل ممارسة العمل الإداري بما يتناسب مع متطلبات العصر، فقد أصبح تحدياً حقيقياً لا يمكن تجنبه بالنسبة لكل مدير. فمنذ إطلالة هذا القرن تعيش البشرية حقبة التحديات المختلفة سواء كانت تكتلات اقتصادية أو سياسية أو علمية أو ثقافية وكذلك متطلبات المؤسسات العالمية. فالتغيير سنة من سنن الحياة البشرية. والمقولة الشائعة لدى علماء الغرب "إن الشيء الثابت الوحيد في هذه الدنيا هو حقيقة التغيير المستمر" وعليه نقول إنَّ الحاجة إلى التغيير أمر طبيعي جداً بغض النظر عن أية ملابسات سياسية أو إدارية أو أية ظروف محلية أو دولية طارئة... ولكن وجود مثل تلك الملابسات يضفي مزيداً من المشروعية على الدعوة للتغيير، لأنَّ التغيير الذي ندعو إليه في عالمنا العربي يجب أن يكون استجابة إرادية واعية لمتطلبات العصر إذ لا يمكن حفظ الاستقرار إلا من خلاله.

Saleh.khaldi81@hotmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك