مدينة الأحلام

 

هالة عبادي – سوريا

تكشفت الأزمة أخيراً وخرج المسلحون مدحورون من مدينتها... التوجيهات تقضي بالعودة لإعمار المدينة التي عاث بها الخراب والأسباب الموجبة  كثيرة.

لاشيء سيوقف رحلتها الآن، اختارت الانصياع للأوامر وانطلقت في الطريق عائدة للمدينة التي خرج منها المسلحون للتو...

كانت كلمات الوداع رافعة لمعنوياتها، بدا ذلك في نظراتها، كانت في يأس، لكنها تصنعت أملاً وتشبثت به مكتفية بهذا الشعور، بعد أن أمضت أيامها الأخيرة منغمسة في لقاءات ومناقشات عديدة حائرة بين واجبي الأسرة وطنها الأصغر والعودة إلى ربوع مدينتها وطنها الآخر الكبير.

الأولاد قيود تجذبها نحو الخوف التقاعس والهروب، الزوج ...تضحك قليلاً لابأس سيحزن قليلاً لكنه سينسى فور زواجه بأخرى، ليس من داع للوقوف عند فكرة زواجه فهذا ما سيحدث بعد سماعه الخبر ببضعة أيام، وسيبقى الأولاد في حيرة وشتات بين بيت أبيهم وزوجته الجديدة هي الآمرة الناهية فيه، وبين بيت جدهم الذي لم تعد أمهم - رابطهم به - موجودة لتدعم مكانتهم فيه رغم الحب الذي يغدقونه عليهم.

لا لا ... لاشيء من هذا سيحدث ستكون الأمور كلها بخير، وستنتهي مهمتها بنجاح كما في كل مرة، لكن في كل مرة لم يكن هناك مسلحون، ولا ألغام مزروعة في الأنحاء، خوفها جعلها تقرر الذهاب وحدها، وهل ستبقى غريبة حتى هناك.

تقلبت في فراشها، أفكار كثيرة وفكرة الألغام هذه جلبت لها المزيد من الضيق، غفت فكانت عرضة لكوابيس مروعة، هبت مذعورة، حركتها أيقظت زوجها، حدَّق بها زوجها، تمنت لو يجنبها شعور الاختناق، التفتت إليه أكثر مما كانت تفعل في السابق، عاد واستغرق بنومه، عدم إحساسه بخوفها، والذي لم يكن شجاعة، زاد من شعور الاندفاع لديها...

انزوت في طرف السريرمؤثرة الابتعاد عن أي تماس معه، دخلت منعطفاً جديداً، ملأت عينيها دموع رجاء لم تكن الكلمات كافية للتعبير عن مشاعرها، وبصمت أخذت تنظر إلى قبة السماء العالية... رأت أرضاً غير معروفة، سمعت أصواتاً غريبة ورأت وجوهاً غريبة لم تستطع الترحيب بهم، قطع تأملاتها صوت الأذان، وانتبهت لصوت طرقات خفيفة على زجاج النافذة... فرحت بحبات المطر، ارتاحت لما انتهى إليه قرارها، لقد اختار عقلها فكرة إعمار الوطن الذي عاد، وإن ظل قلبها يلهج خائفاً متمتماً أدعية الحفظ بأسماء أولادها.

هطلت أمطار غزيرة قبل وصولها المحطة، الناس الذين يلتقون في محطات السفر يتآلفون بسرعة، نساء أنيقات رجال محترمون بدون رسميات يتقاربون، يتحادثون، مرحهم وهطول المطر لم يكن يعني لها شيئاً، لكنها شغلت عقلها بأحاديثهم جذباً لنوع من الراحة وتشجيعاً للأمل علها تزيل الحزن الذي ملأ روحها، بقيت صامتة وإن كانت دموعها التي انهمرت عند سماع أغنية "مسافرين" تقول إنها كانت تفكر باستمرار، توقيت السفر يخيفها، هاربة من ذلك شردت بذهنها تعاين ساحات المدينة، شوارعها، أبنيتها وجسورها التي عاثت بها الحرب،عائدةً  هي لتبني وبنت على هذا تيه أحلام.

تعليق عبر الفيس بوك