فوز مستحق

علي بن سالم كفيتان

لك الله يا وطن الشروق الأبدي، لكِ الله أيتها النخيل الباسقات في بطون الأودية السحيقة، لك الله أيّتها العير في الصحراء الواسعة حيث الشروق يساوي الغروب، لك الله أيّها الراعي الذي ظلّ ينادي أغنامه من رؤوس الجبال لقرون خلت.. نعم لك الله يا وطني.

في هذه الأيام لا حديث يمكن الاستماع إليه إلا عن الإنجاز الذي حققه العُمانيون في أرض الصداقة والسلام (الكويت الغالية) نعم إنّها كأس الخليج الثالثة والعشرون وربما من النشاز أن يعزف الواحد خارج نطاق الاحتفال، فهناك أفواه كثيرة تلهج بالإنجاز وليس لديها أذان لما هو غير ذلك، عليك أن تمدح كل شيء، وأن تمجد الحاضرين وغير الحاضرين، وأن تنسب هذا الإنجاز لكل مواطن وإلا فأنت لست من هذا الوطن.

ذهبوا إلى الكويت بصمت مطبق، خلفهم أضعف دوري في المنطقة، ويعتبرون الأقل صرفًا مقارنةً بمنتخبات الخليج ذات الخمس نجوم، غادروا عُمان الوطن وليس معهم سوى سلاح واحد هو وطنيّتهم و ياله من سلاح فتّاك لا يجيده إلا العُمانيون، لا أحد يتوقع الحصول على الكأس ولا أفضل المتفائلين ولكنّه أتى مرغماً وعاد إلى مسقط العامرة للمرة الثانية رغم رصاصة الإعدام الي أطلقها حكم المباراة في آخر دقيقة فتصدى لها الرشيدي مرفوع الرأس عالي الهامة وحوّلها لمجرد مزحة من حكم لم يوفق في آخر عمره الرياضي.

ظل إعلامنا صامتاً ومتردداً في دعم المنتخب طوال البطولة إلا من برامج شبه مكررة وأغاني مسجلة منذ زمن الفوز الأخير، لم نر ملاحق صحفية مخصصة للأبطال ولا أغاني مسجلة حديثاً لتشجيع المنتخب، ولا تغطيات تليق بالحدث، حتى ليلة الفوز ظهر مذيع القناة الرياضية وحيدًا في وسط الشاشة وحوله لفيف من المراسلين في شاشات شبه خالية، وتذكرنا على الفور مراسلي الأنواء المناخية عندما تمر السلطنة بحالة جوية، ولكنّ القنوات الرياضية القطرية أخذت الدور وجنّدت كل أطقمها لتغطية ذلك العجز الإعلامي العُماني فلهم كل الشكر وعظيم الامتنان وخاصةً قنوات الكأس التي نقلت المباراة النهائية على أربع قنوات بكاميرات عدة ولقطات ممتعة وتعليق شيّق؛ فتارة تجد المعلقون يبكون على ضياع فرصة وتارة يغنون العازي مع تحقيق الهدف، ولا أظن بأنّ أحدا تابع قناة عُمان الرياضية طوال الدورة، ولا نقول إلا لك الله يا وطن.

بعد المباراة التي ركض فيها الأبطال 120 دقيقة دون كلل أو ملل تحطّمت كل آمالهم على يد الرجل الآلي الذي يقف في المقدمة ولم يعمل شيء طوال خمس مباريات سوى الركض في الاتجاهات المتعاكسة ورغم ذلك أصابته بعض التمريرات على مؤخرة رأسه وهو لا يدري وربما هذه هي المثلمة الوحيدة للمدرب الهولندي الذي تعامل بحنكة فيما دون ذلك، وكم تمنى الجمهور الرياضي أن يمنح الرزيقي الوقت الكافي في الملعب..

دخول المقبالي كان تكتيكياً رغم الإصابة ووُفق في منحنا ضربة الترجيح الأولى بخبرته، ونجح الرشيدي مجددًا في تحطيم آمال عموري لمسح آثار الهدية التي قُدمت له في المباراة ولم يستغلها، وأكد لنا جوهر بأنّه الجوهرة القادمة للمنتخب عندما حسم النزال بركلتِه الأخيرة التي منحت الكأس لعُمان.

بعد الفوز بالمباراة ظلت العمائم والخناجر والبشوت ساكنة كعادتها في المنصة الرئيسية، ولم نلحظ حتى علامات الفرح على محيا هؤلاء الرسميين بشدة، ولم ينزل أي مسؤول إلى أرضية الملعب حتى للتصوير في المنصة التي نصبت للحدث مع الأبطال، وظلوا جميعا متمسكين بأناقتهم الكاملة في المقصورة بمن فيهم رئيس الاتحاد العُماني ربما لم يصدقوا ما حدث!!! لك الله يا وطن.

أثناء الفرحة التي كان نجومها المشجعون العُمانيون انهار الحاجز الزجاجي وسقط بعضهم ونحمد الله أنّ الإصابات كانت بسيطة، عبّر كابتن المنتخب أحمد كانو وكتيبته عن معدنهم الأصيل فتركوا كأس البطولة وهداياهم التشجيعية مرميّة على الملعب وذهبوا لإنقاذ المصابين وبذلت الكويت المستحيل، ونحمد الله على السلامة.. الغريب في هذا الحدث ألا مسؤول كبير ذهب لزيارة المصابين في المُستشفيات بل رجعوا جميعًا على طائراتهم العاجلة إلى مسقط ما عدا سعادة السفير الذي بيّن في نشرة إخبارية عبر مكالمة هاتفية بأنّ الشيخ صباح حفظه الله تكفل بكل الترتيبات من علاج وسفر للمصابين العمانيين!!! لك الله يا وطن..  

حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.

                                                                                                         

alikafetan@gmail.com