حمود الطوقي
صدر أمس المرسوم السلطاني السامي باعتماد الموازنة العامة للدولة للعام ٢٠١٨؛ وكصحفي متابع للخطط الحكومية التي تعلن سنويًا مع اعتماد الموازنة العامة افتقد المؤتمر الصحفي الذي كان يعقد مباشرة مع الإعلان عن الموازنة ويتم بثه في الإذاعة وينقل بالتلفزيون بهدف؛ تقريب الصورة للمواطنين عن جهود الحكومة في مجال التنمية.
بالأمس وجهت لنا دعوة من قبل جهاز التواصل الحكومي لحضور جلسة نقاشية لمعرفة أهم ملامح الموازنة العامة للدولة التي كشفت عن تعافي الاقتصاد العماني خلال العام المنصرم ٢٠١٧ وتوقع نمو إيجابي لا يقل ٣،٨٪ وهذا يتماشى مع توقعات صندوق النقد الدولي للوضع الراهن للاقتصاد الوطني.
في ظل اعتماد السلطنة على النفط، باعتباره المصدر الأساسي الذي تمثل تدفقاته عمودًا فقريًا لصناعة التنمية المحلية. فقد شكل هبوطه منذ ثلاثة أعوام تداعيات نشأت عنها فجوة كبيرة، انعكست أبعادها على تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية ليس فقط في السلطنة بل على مستوى دول المنطقة؛ مما نشأ عنه ما يمكن أن نطلق عليه بمصطلح "الانكماش الاقتصادي". نتفاءل بالخطة الخمسية الجديدة ونتوقع أن تكون فأل خير على اقتصادنا وعلى المصروفات الجارية إذا أحسنا التخطيط والانضباط المالي، وهذه النقطة في غاية الأهمية وهي تندرج ضمن خطط الحكومة لترشيد الإنفاق، واعتقد عندما نتحدث عن الانضباط المالي فالحديث هنا موجه للأجهزة الحكومية والشركات الحكومية المعنية في المقام الأول لوضع خطة داعمة للجهود بشأن التخطيط والانظباط المالي فهذا من شأنه أن يحقق أبرز ملامح الموازنة الجديدة لعام ٢٠١٨ تهدف إلى تحقيق:
- رفع مستوى النمو الاقتصادي.
- الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة.
- استدامة الرخاء المعيشي للمواطنين.
أعود إلى موضوع التخطيط المالي فهنا أرى أن تراعي الأجهزة الحكومية خاصة من أعلى الهرم بترشيد الإنفاق، واعتماد السياسة الاقتصادية في برامجها وخططها السنوية تهدف إلى تقليص الإنفاق والمكافآت السخية التي تصرف للمسؤولين خلال اجتماعاتهم، كما يتطلب مراعاة التوسع في عضوية المسؤولين لمجالس إدارة الشركات الحكومية حيث تصرف لهم مكافآت مالية سخية في كل اجتماع وفي نهاية العام المالي.
الإحساس بالمسؤولية أمر في غاية الأهميّة وتخيّل كل مسؤول لديه هاجس بأهمية المحافظة على الإيرادات وتوجيها في إطار خطة تهدف إلى ترشيد الإنفاق فإنّ العجز حتما سينخفض وستوجه المصروفات إلى الاستقرار المالي والإداري.
يهمنا كمواطنين هنا والحكومة تعلن عن موازنتها كيف نحافظ على وضعنا الاقتصادي المحلي الذي يحتاج منا جميعا حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدني أن نتكاتف ونعمل جنبا إلى جنب بطرح أفكار إبداعية وخلاقة تساهم في رفد الاقتصاد.
كمتابع للوضع الحالي وجهود الحكومة في رفد الاقتصاد خاصة بإنشاء شركات حكومية فنرى شركات حكومية تتأسس كذراع للحكومة مثل شركة عمران والآن شركة أسياد وهذه شركات وغيرها بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية والإدارية، فيتطلب وجود ميثاق الحوكمة للشركات الحكومية المقفلة، ويتم محاسبة مجالس الإدارة على التقصير وأيضا إعطاء الفرصة للشباب العماني لإدارة هذه المؤسسات بدلا من تشكيل مجلس إدارة من الحكومة يشرف على خطط هذه الشركات مقابل مبالغ كبيرة تدفع له نهاية كل سنة.
اقترح ونحن نستقبل العام ٢٠١٨ أن نفتح المجال ونقدم تسهيلات أكثر للقطاع الخاص، ونقضي على الممارسات الخاطئة التي تعرقل عجلة التنمية مثل البيروقراطية والفساد الإداري والمالي وللتعقيدات التي تنفر المستثمرين الجادين وغيرها من الممارسات التي توسع الفجوة بين المستثمر والحكومة.
علينا أن ندرك أنّه من الضروري أن نؤمن بأنّ القطاع الخاص الذي أريد به أن يكون شريكًا استراتيجيًا للحكومة يحتاج إلى أن تسند إليه تسهيلات ومناقصات حكومية، بغض النظر عن قيمها المالية، وفي الوقت ذاته فإنّ القطاع الخاص مطالب أن يكون أكثر ابتكارًا في طرح المشاريع ذات القيمة المضافة وبأسلوب ابتكاري غير تقليدي، ولكن في ظل تقلص التدفقات النقدية، ونقصان الوفورات المالية في الحكومة، وتوقف العديد من المشاريع دون اكتمالها فهذه الحالة الانكماشية أصابت القطاع الخاص في موت بطيء وانعكس هذا على دوره الضخم المأمول، فصارت الشركات بالكاد تجد قوت شهرها، لكي تدفع التزاماتها من الرواتب والمصروفات الرئيسية، وفي الوقت ذاته قامت شركات أخرى بالانسحاب، مما أوقع الضرر على من ينتمون إلى تلك الشركات.
نجزم يقينا بأنّ هناك سلوكيات في مراحل سابقة بعضها متصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية التي يمكن أن نطلق عليها "الفساد الإداري "كونه متصلا بالمصالح التي تزكي فقط، ولا تأخذ الجودة مقياسًا ومعيارًا، وهذا نشأ عنه تأثير سلبي على متانة الاقتصاد وسياقاته التي من الضروري أن تكون مستعدة للتعامل مع أي أزمة تنشأ، فضلا عن الاعتماد المباشر من جانب القطاع الخاص على القطاع الحكومي الذي يفتقد خططه واستقلاليته والتزامه بالتنافسية البينية في القطاع ذاته.
أخير يمكن أن نختم هذا المقال مؤكدين على أهمية تفعيل مستوى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهناك حاجة ملحة وضرورية تتمثل في مراجعة القوانين، لمواكبتها مع الوقت، وجعلها قادرة على استشراف المستقبل، هذا المطلب الذي ينشده الجميع فمتى تحقق فحتما سيتلاشى الانكماش الاقتصادي وتتفتح زهور التنمية لتفوح رائحتها الزكية في مفاصل الحياة.