سقوط من السلة

علي كفيتان

أفاق الرجل فوجد رجله عالقة في السلة، حاول أن ينزعها لكنه لم يستطع، اضطر للمشي فواجه معضلة أخرى وهي كيف يلبس سرواله؟ لا بد من الخروج للعامة لكنه لا يستطيع.. لعنة السلة تُطارده منذ كان صغيراً، فقد كان يقضي معظم وقته معها فيقلبها على رأسه وتتناثر عليه كل خيراتها، لكنها اليوم علقت في رجله، وبات يتمنى الفكاك منها، أمَّ المصلين، واصطفَّ خلفه خلقٌ كثير، وقبل أن يسلم انسلَّ إلى خلف المحراب ليواري سوءته، وتركهم ساجدين، بينما هو يحاول عبثاً أن يخلص رجله منها.

أشار عليه أحد العارفين بأنه لا حل إلا بقطعها، ونصحه آخر بأن يلبس سروالا واسعاً تسمح السلة بتمريره إلى الأعلى، كان لا يستطيع قيادة مركبته؛ فالسلة تجعله يطلق أمرين معاً الانطلاق والوقوف، يقول الرجل ذهبنا معاً إلى كل أطباء الدنيا ولم يجدوا حلا إلا أن يلبس وزاراً جاوياً مزركشًا بألوان زاهية، ويتأبَّط شبريته التي بات يعلوها الصدأ، ويذهب لعرَّاف يُتقن نزع ما علق به.

جرت المقادير وساد هدوء في الجوار المقدس لصاحبنا، وفجأة علتْ الأصوات المنادية بتوليته أمرًا مهمًّا، تنحنح الرجل أمام زوجته وأولاده، بعد أن نسى تلك الطقوس منذ زمن بعيد، وذهب مزهوًّا برأي الشارع الذي ينادي به. اعتلى منبراً خشبيًّا وصاح في الناس إنه سيحل معضلاتهم جميعاً بما فيها جمع القمامة المتراكمة في كل الطرقات، دون الحاجة لبراميل حديدية قديمة مهترئة، ووعد باستبدالها بحاويات بلاستيكية تسرُّ الناظرين، عليها شعار جذاب، بألوان زاهية، وسوف تغسل بشكل دوري، ستمر عليها شاحنات مجهَّزة، وعمال بزيٍّ جديد تعلوهم البسمة من خلف الأقنعة المحكمة.

بدأ بخصصة القمامة كخطوة أولى في سلسة أولوياته الملحة، إلا أن الشرط الأخير كان هو المحك الذي جعل كل المشاركين في المناقصة يراجعون الأمر كثيراً؛ حيث تُشير الاتفاقية في بندها الختامي إلى أن يتم تخصيص مبلغ مالي لإخراج رجله من السلة دون بترها، أو إلحاق الضرر بالسلة التي هي إحدى موروثاته الطفولية، وبعد تداول الأمر رست المناقصة، وتم إيجاد تسوية مجزية للبند الأخير منها.

القصة لم تنتهِ بعد ما لم تحل المشكلة الرئيسية، لا سبيل إلا السفر للخارج للعلاج؛ فالمرض مستعصٍ، ويُنذر بأن تتضخم السلة وتلتهم بقية الجسد إلى داخلها، وهذا ما حدث بالفعل، لقد تأخر الرجل في خضم أشغاله واهتماماته المتجددة حتى وجد نفسه متكوِّراً وسط أكوام من النفائس داخل تلك السلة الضخمة، حاول الأبناء والإقارب إخراجه منها، لكنه في هذه المرة هو من رفض الخروج بمحض إرادته، بل طلب منهم أن يغلقوا عليه بإحكام، وأقنعهم بأنه يغوص في عالم مجهول مليء بالمفاجآت السارة من أجل مستقبل مشرق لجميع أفراد أسرته. هنا، أغلقت السلة بإحكام، ووقف جميع أفراد الأسرة عليها ينتظرون الغنائم.

في تلك الأثناء، الكل في الأعلى يحلُم بمستقبل جميل؛ منهم من كان يحلم ببيت كبير به حديقة خلفية وارفة الظلال، والآخر بسيارة فارهة وسفريات لا تنتهي في هذا الكون الواسع، ونساء يحلُمن بالذهب والملابس والمزيد من الثرثرة التي لا تنتهي، لكنَّ أصغر الأبناء كان له شأن آخر، قال لهم: أنا أحلم أن تعلق رجلي في سلة جميلة كالتي وقع فيها أبي، لكي يستمر الرخاء والنعيم إلى الأبد.

طالَ الانتظارُ على القابعين فوق سطح السلة، وساد هرج ومرج، واتفقوا على أنَّ الوقت قد حان لفتحها وإخراج الغواص وتقاسم الغنائم، لكنها كانت المفاجأة الكبرى لقد سقط صاحبهم من إحدى فتحات السلة العملاقة، وتقلص جسده بمرور الأيام، وألتهمته حشرة مارة في الجوار، لم يسأل عنه أحدهم، الأهم أن السلة كانت عامرة بكل ما لذ وطاب من غزواته الموفقة، يا لها من مفارقة عجيبة، كان يجاهد لإخراج رجله منها، فتقلص حتى سقط كامل جسده من فتحة صغيرة، ولم يأبه لرحيله أحد!!!

alikafetan@gmail.com