إزاحة الستار عن "مركز تاريخ العلوم" بالجامعة الألمانية.. ومرافق فريدة لأول مرة في السلطنة

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 


    السالمي: رسالة المركز الأولى الاستمرار الحضاري والإنساني القائم على التواصل والتأثير والتأثر


    نستأنف تراثا عمانيا وعربياً وإسلامياً لا بقصد التوقف عنده مهما كان عظيماً وإنما للبناء عليه


 


    المركز يعنى بتطور العلوم التطبيقية من الحقبة الكلاسيكية إلى الفترة الإسلامية وكيف تم تفعيلها في العصور الحديثة


الرؤية - مدرين المكتومية

احتفاءً بذكرى الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- للجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان "جيوتك"، في الرابع والعشرين من ديسمبر 2012، افتتح صاحب السّمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة "مركز تاريخ العلوم" في حرم الجامعة بحلبان، وذلك بحضور عدد من أصحاب السمو وأصحاب السعادة والمكرمين من أعضاء مجلس الدولة، وأعضاء مجلس إدارة الجامعة الألمانية.

ويأتي افتتاح المركز تقديرًا للتاريخ الإسلامي، وإنجازات العلماء المسلمين الأوائل، إذ أطلق اسم"مركز تاريخ العلوم" لما يعنى به من تطور العلوم التطبيقية من الحقبة الكلاسيكية الأغريقية-الرومانية، ومن ثم امتدادها في الفترة الإسلامية، وكيف تم تفعيلها في العصور الحديثة.

ألقى كلمة الافتتاح أحمد بن عبدالله السالمي، قال فيها: "منذ أكثر من قرن ماعاد تاريخ العلوم قصة للتقدم العلمي في العلوم البحتة والتطبيقية وحسب . بل صارت له معاهد ومراكز ومتاحف، هدفها المعرفة من جهة وكشف العلاقات بين الحضارات العالمية من جهة ثانية، فالتقدم على المستوى العالمي في شتى العلوم هو إسهام وشراكة بالمعنى الكامل للشراكة، وليس على سبيل الرغبة والتمدح؛ بل لأنَّ الواقع التاريخي يثبت ذلك عند تقصد الإنصاف والنزاهة".

وأضاف: "يشرفني اليوم أن أعلن للحضور الكرام أننا وفي نطاق الجامعة الألمانية قمنا بالتعاون مع الأستاذ الكبير البروفيسور رشدي راشد، الأستاذ في تاريخ العلوم وفلسفتها، ومن خلال جهود استمرت لسنوات خمس، بتأسيس وإنشاء مركز تاريخ العلوم، الذي يتضمن متحفًا حضارياً ووحدة للبحث العلمي، ربما يكون الأول من نوعه في العالم العربي. خلال أكثر من قرن ونصف القرن، وببحوث علمية في شتى مناحي العلوم البحتة والتطبيقية، شارك فيها آلاف الباحثين من سائر أنحاء العالم، ومن بينهم في العقود الستة الأخيرة علماء عرب أجلاء. انكشف تاريخ جديد للإنجازات العلمية والحضارية العربية والإسلامية، والتي ظلت حاضرة  حتى مطالع القرن التاسع عشر، ورغم بروز شواهدها في آلاف المخطوطات، ومئات المتاحف والمجموعات، وفي دراسات الباحثين المتخصصين، كانت محل جدلٍ وإنكار".

 وزاد قائلاً إنَّ هذا الإنكار استند إلى وقائع القوة الاستعمارية، العسكرية والسياسية والثقافية، كأنما يراد لهذه الغلبة أن تصبح هي التاريخ، وهي الإثبات المطلق للتفوق والتفرد والمركزية وبالطبع فإنَّ هذه الإنجازات تستحقّ الفخر وتستحق الاعتراف. لكن المقصود ليس الأمرين أو أحدهما؛ بل المقصود القول إن العلاقات بين الحضارات هي علاقات تبادلٍ وإسهامٍ وتأثر وتأثير، وهكذا يتحقق التقدم في التاريخ الإنساني، ولا يتحقق بالغلبة العسكرية أو بما صار يعرف بصدام الحضارات أو صراعها.

وأضاف: إن هذا الأمر، أمر التقدم بالتعاون والتضامن في التاريخ وفي الحاضر، هو الرسالة الأولى التي أردنا إرسالها بالمبادرة إلى إنشاء هذا المركز . فالأعمال العربية والإسلامية  في مجال الرياضيات والفلك والطب والهندسة والجغرافيا والميكانيكا والزراعة والصناعات البحرية واليدويات والحساب والعدد والقانون والآداب وغيرها كثير؛ كما بنت على دثائر من الحضارات الأخرى؛ فإنها شكلت الأساس للأعمال الأوربية اللاحقة بعد ظهور الجامعات. في القرن الخامس عشر الميلادي كانت هناك ثلاث حضارات هي الإسلامية والصينية والأوروبية. وكان الأوروبيون يتعلمون من المسلمين والصينين. وكان الاعتراف جارياً ومتبادلا. هذه هي الرسالة الأولى للمركز: رسالة الاستمرار الحضاري والإنساني، القائم على التواصل والتأثير والتأثر.

وبين أنَّ الرسالة الثانية للمركز رسالة الاستئناف العلمي والحضاري، فالإنجاز لا يموت لأنه دخل ويدخل في التاريخ والفعل الحضاري. لكن الاستئناف يتطلب أدواتٍ ومناهج جديدة، يكون علينا أن نتعلمها، ليس من أجل التأهّل للشراكة المستجدة وحسب؛ بل ولصنع الجديد والمتقدم أيضاً لنا وللعالم.

 أما الرسالة الثالثة فهي رسالة الثقة بالنفس وبالغير. فالثقة بالنفس تتضمن 3 عناصر: التاريخ الحي، والاستئناف المتجدد، والتطلع إلى المستقبل. وهذا هو الأساس لكل أمرٍ آخر . لقد بنى أسلافنا دون أن يهملوا أو يتجاهلوا ماقام به الآخرون. وأعطوا وما بخلوا على اللاحقين. ونحن محتاجون من أجل الاستئناف للتعلم والتدريب والإفادة، دونما خوفٍ أو إنكار.

واختتم بالقول: إن مركز تاريخ العلوم بالجامعة، يحمل هذه الرسائل الثلاث: الإنجاز والاستئناف والثقة، أدعوكم ونحن نفتتحه إلى توجيه التحية لكل الذين أسهموا في إقامة هذا الصرح الحضاري البارز. إننا نستأنف تراثاً عمانيا وعربياً وإسلامياً لا بقصد التوقف عنده مهما كان عظيماً، وإنما بقصد البناء عليه، والدخول في عالم العصر، وعصر العالم.


التأثير على الحضارات الجديدة

ويأتي افتتاح المركز تقديرًا للتاريخ الإسلامي العظيم، وإنجازات العلماء المسلمين الأوائل، فقد أبدت الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان اهتماما بإنشاء مركز تعليمي، يوضح مدى استِفادة المسلمين الأوائل من الحضارات السابقة، وكيف أثـروا على الحضارات الجديدة، والعلوم الحديثة. وأطلق على المركز اسم "مركز تاريخ العلوم" إذ يعنى بتطور العلوم التطبيقية من الحقبة الكلاسيكية الأغريقية-الرومانية، ومن ثم امتدادها في الفترة الإسلامية، وكيف تم تفعيلها في العصور الحديثة.

ويهدف المركز إلى تصوير ما وصل إليه علماء هذه الحقب من نتائج في العلوم الرياضية وتطبيقاتها كما كانت، وبيان الأسس العلمية التي أدت إلى الوصول لهذه النتائج، مع مراعاة الموضوعية والدقة، والتي على أساسها تم تقسيم المركز إلى أربعة أقسام، وهي: المعروضات المتحفية، والتي قسّمت إلى ستة أقسام، وهي:الرياضيات، والفلك، والمناظر، والميكانيكا، وعلوم السكون والحركة، والجغرافيا الرياضية، والتي بدورها تهدف إلى تصوير ما وصل إليه علماء المسلمين في الحقبة الوسيطة من نتائج في العلوم الرياضية، كما تهدف إلى بيان الأسس العلمية التي أدت إلى الوصول إلى هذه النتائج، مع مراعاتها للموضوعية والدقة، حِرصًا على أن تكون هذه المعروضات الأولى في تاريخ الحقبة الإسلامية التزاما بهذه المعايير، والمكتبة العلمية في تاريخ العلوم، لما لها من أهمية كبيرة في إثراء العملية التعليمية والبحث العلمي، وخدمة جميع شرائح المجتمع الجامعي والخارجي، والبرامج التعليمية التي سترتبط في تعليمها ضمن البرامج الأكاديمية في الجامعة، بهدف توفير التعليم الأفضل، ولإبقاء الجامعة الألمانية للكنولوجيا في عمان منارة جامعية في المنطقة، والزمالات العلمية في استضافة المختصين، وذلك لإجراء الأبحاث العلمية.

وتكمن أهمية مركز تاريخ العلوم في كونه رافداً تعليميًا وتثقيفيًا للأجيال، إلى إبراز الإسهام الحضاري، والتواصل الإنساني للشعوب في تطوير العلوم التطبيقية، بالإضافة إلى توضيح تاريخ نقل الأفكار والنظريات، كما أنه يعتبر قاعدة للتراكم العلمي والمعرفي، بحيث يعتبر الجانب التعليمي هو اللّب الذي سيقوم عليه المركز، وهو الجزء الموحد لمهامه ورؤيته وبرامجه.

عرفت عمان منذ أقدم العصور بريادتها البحرية وصلاتها التاريخية الكبيرة مع الحضارات القديمة للتبادل الثقافي والنشاط الاقتصادي، إذ كان العمانيون في الطليعة يرتادون البحر ويمارسون الحرف الملاحية، ولاشك أن هذا الدور انعكس على السلطنة ممثلا بزيادة تعداد السكان وتطور القطاع السياحي فيها، وهنا تكمن أهمية دور مركز تاريخ العلوم الذي سيوضح النهضة المعاصرة للسلطنة من خلال ارتباط الحداثة بالأصالة، كما سيمثّل المركز دعامة معرفية في دراسة تطور النظريات العلمية كونه الأول من نوعه في السلطنة.

إنَّ المراجع التاريخية حول نشأة علم الملاحة البحرية في المحيط الهندي غالبيتها هو الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية وجنوب شرق الهند… ولكن عمان التي هي في وضعية جغرافية إستراتيجية دفعت إلى خوض غمار الملاحة في أعالي البحار عبر المحيط الهندي، ولهذا السبب فإنَّ معلمي الملاحة البحرية العمانيين أسسوا أول علم بحري لمواقع النجوم في التاريخ.

وفي عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- أعيد الاعتبار لهذا التاريخ المجيد للبحرية العمانية، وقامت حكومة جلالته بتخليد هذا التاريخ البحري المجيد لعُمان. وانطلاقاً من هذا المجد البحري العريق تسعى الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان في جهد دؤوب وعمل متصل لإحياء تراث الأجداد البحري بأسلوب حضاري مبني على قاعدة علمية دقيقة.

تعليق عبر الفيس بوك