عبدالله العليان
لاقت قضية التجديد في الفكر الإسلامي اهتماما كبيرا بين الباحثين والكتاب، منذ أوائل القرن الماضي وما بعده؛ باعتبار التجديد مسألة تتعلق بنهضة الأمة، والانطلاق من الجمود والتخلف، خصوصاً بعد صدمة التعرف على نهضة الغرب وتقدمه والفارق الضخم بيننا وبينه، وهذا ما جعل العديد من الباحثين والمفكرين العرب والمسلمين، يتصدون لقضية التجديد، بمسميات كثيرة؛ منها: إصلاح الفكر الإسلامي، أو إحياء الفكر الإسلامي، أو تجديد التفكير الديني، وكلها تتعلق بتجديد الفكر الإسلامي، بما يؤسس لنهضة الأمة وتقدمها، وليس القطيعة معه.
ومن الباحثين والمفكرين العرب الذين اهتموا اهتماماً كبيراً بقضية الاجتهاد والتجديد في الفكرالإسلامي الباحث والمفكر العربي زكي الميلاد، وله العديد من المؤلفات التي طرحت التجديد؛ ومن هذه الكتب كتاب "الإسلام والتجديد.. كيف يتجدد الفكر". ويرى الباحث في مقدمة هذا الكتاب أن اهتمامه بقضية التجديد بدأت بكتاب قبل ذلك "الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد"، لكنه رأى بعد عقد من الزمان أن هذا الطرح يحتاج إعادة إلى الإضافة بما يسهم في توسيع الفكرة المطروحة من خلال دراسة المؤلفات والأفكار التي كتبت عن تجديد الفكر الإسلامي؛ من خلال النقد والتقييم لما طرح في قضية التجديد، ومن هؤلاء الذين تحدث عن رؤيتهم عن التجديد، من أمثال المفكر الهندي محمد إقبال، وهاملتون جيب، ومحمد البهي، وأمين الخولي، وحسن الترابي، ثم تحدث الميلاد عن التحولات التجديدية في القرن الماضي، ومن هؤلاء المفكر العربي د. أحمد كمال أبو المجد من خلال كتابه "التجديد في الإسلام"؛ إذ يرى د.أبو المجد "ضرورة المواجهة الصريحة مع عناصر الجمود في الفكر الإسلامي، وفي تقديره أن خطر الجمود والعقم هو الخطر الأكبر، الذي ينبغي التنبه إليه، وتحريك المسلمين وعلمائهم إلى خوض معركة التجديد وتحمُّل تبعاتها".
ولا شك أن التطورات في عالمنا العربي، في ثمانينيات القرن الماضي، دفعت الكثير من المفكرين إلى معاودة الحديث عن أهمية العلاقة بين الفكر الإسلامية والتجديد؛ بما يؤسس لرؤية جديدة مع التغيرات والتحولات الفكرية، ولم تعد مسألة رفض التجديد مقبولة، وهي حالة تشّبث بها البعض لمواجهة ما سمي بأهداف أعداء الإسلام، لاجتثاث القيم والهوية، لكن الميلاد يرى هذه النظرة حصل تحول؛ إذ "تغيرت معه صورة العلاقة بين الفكر الإسلامي ومفهوم التجديد. وذلك بعدما شهد الواقع الإسلامي تطورات وتحولات وصفتها الأدبيات الإسلامية بالصحوة واليقظة، وأسهمت في تغيير رؤية الفكر الإسلامي لذاته، وتشكلت لديه رؤية جديدة إلى العالم، والى الواقع من حوله، مغايرة لتلك الرؤية التي كان عليها من قبل، وبما يعد مسكوناً بذهنية الخوف على الهوية، أو جامداً أمام مقولة الغزو الفكري، أو محاصراً لكونه في موقف دفاع عن الذات".
ثم بدأ جيل جديد من الكتاب والمفكرين، له من الاهتمامات الفكرية تجاه الفكر الإسلامي، والبحث في مشروعات التجديد والاجتهاد، ومناقشة التراث ومساءلته فيما يحقق التجديد والنهوض للأمة وقول الأستاذ زكي الميلاد: "ولعل من أبرز الملامح الفكرية التي ميزت هذا الجيل ميله الواضح لنزعة التجديد في الفكر الإسلامي، النزعة التي بقي لا يزال مسكونا بها؛ وذلك لقربه وتناغمه مع الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في الفكر الإسلامي، التي تبرز حيوية الإسلام وقدرته على مواكبة العصر، والاستجابة لحاجات ومقتضيات المجتمع المعاصر، وتأكيد المنحى والمسلك الحضاري، وتبني نهج التواصل والانفتاح والتنوير، والتخلي عن التشبث بالماضي، والانغلاق على التراث، والانقطاع عن المعارف الإنسانية الحديثة".
ومع ظهور ما سمِّي بالصحوة الدينية، خصوصاً مع الثورة الإسلامية في إيران، وتراجع اليسار، مع سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، بدأت الاتجاهات الفكرية غير الدينية، أو الأصح من اللادينيين من الماركسيين وغيرهم، في الحديث عن ضرورة تجديد الفكر الإسلامي، وطبعاً بهدف طرح مفاهيم تقترب من الفكر الإسلامي، وقد أنشئت بالفعل مجلة تم تسميتها بـ"اليسار الإسلامي"، وصدرت في قاهرة المعز "وهذا يعني -كما يقول الأستاذ زكي الميلاد- أن الاهتمام بهذا المجال عند هؤلاء، جاء طارئاً ودخيلاً، ولم يكن أصيلاً ومنسجماً في الغالب مع مسلكهم الأيديولوجي، ونهجهم السياسي، وطبيعة اهتماماتهم الفكرية، كون الدين ومسائله وقضاياه يمثل في نظرهم أو نظر بعضهم حذراً من التعميم، من موضوعات الماضي العتيق، وينتمي إلى عالم التراث الرتيب، ويصنف على مرحلة ما قبل تطور الفكر الإنساني نحو الوضعية العلمية والعقلانية، ولكون الحديث عنه أيضاً لا يثير الدهشة، ولا يبعث على اليقظة، ولا ينخرط في عالم الحداثة".