أكد أن التنويريين العرب نقليون وعالة على المعطى الغربي التنويري

البازعي: جائزة السلطان قابوس "لفتة كريمة" نحو العلوم الإنسانية

الرياض - العمانية

يعدُّ الناقدُ والأكاديمي السعودي د.سعد البازعي، الذي نال جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في دروتها السادسة (مجال النقد الأدبي/فرع الآداب)، من الأسماء الفكرية الوازنة؛ حيث يشكِّل منجزه المعرفي علامة بارزة في المشهد الثقافي العربي.

وتتركز اهتمامات البازعي -الذي وُلد عام 1953م بمدينة القريّات السعودية- على الدراسات الأدبية والفكرية ذات البعدَين الثقافي العام والفلسفي إلى جانب الترجمة.

ولأنه يمتلك تجربة ثرية في تأصيل الفكر النقدي والبحث في العلاقة مع الآخر، فقد كتب البازعي باستفاضة في "الاختلاف الثقافي"، و"مقاربة الآخر"، و"استقبال الآخر"، لتأكيد حضور الآخر وضرورة التفاعل معه. موضحاً أن قدراً كبيراً من ذلك التفاعل متحقق فعلاً طوال التاريخ، فلا نهوض ولا حضارة دون تفاعل منفتح وواعٍ مع الآخر.

ويلفت البازعي إلى أن مفهومَيْ "الانفتاح" و"الوعي" أساسيان لما يشير إليه في كتابه "الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف" 2008م. مخاطباً الأيديولوجيات التي تلغي الآخر بأن عليها أن تدرك أن هذا الآخر حاضر في خطاباتها ومفاهيمها وأدوات عيشها اليومي، وأن السبيل الأنجع ليس الإلغاء، وإنما إدراك ما يجري والتعامل معه بوعي ورؤية إنسانية رحبة.

ورغم أنه من أبرز دعاة الحداثة، إلا أنه يوضح فهمه الخاص بـ"الحداثة"؛ فهو مواكَبة العصر، وتقبُّل مستجداته بضوابط محددة، في محاولة لتوليد حالة ممتزجة بأفضل ما أُنتج في العصور السابقة.

وينتقد البازعي خطاب التنوير العربي، من المنطلق نفسه الذي ينتقد فيه الخطاب الأصولي، أيْ "التأدلج" و"اختيار النقل بدلاً من العقل". وهو يرى أن التنويريين العرب نقليِّون غالباً، وأنهم عالة يتعايشون على المعطى الفكري الغربي التنويري، وقلَّما نجد في نتاجهم إبداعاً يستوعب الاختلاف الثقافي ومستجدات التاريخ. ولهذا السبب كرَّر غير مرة أنه رغم انتمائه إلى "التنوير العقلاني"، فإنه يحاول قدر المستطاع أن يحتفظ بمسافة تنقذه من الغرق في "قناعات تنويرية تتحول إلى أصوليات في قضايا ليست من المقدسات.

ويشدد البازعي على أهمية الاحتفاظ بـ"مسافة صحية" من المراجعة تجاه الآخر وتجاه الذات على السواء؛ فالتنوير "ضرورة فكرية وحضارية"، لكن ينبغي أن يخضع للنقد الذاتي واكتشاف مواطن الضعف، ومن ذلك "تقديس الآخر".

ولهذا السبب، يطالب المفكر الذي يزدهي رصيده بأكثر من 80 مؤلَّفاً وبحثاً محكماً في العلوم الإنسانية، بعدم اجترار مقولات التنوير الغربي دون مساءلة ونقد، لأن الغرب نفسه تجاوز كثيراً من هذه المقولات، ولأن التنوير بحاجة لمثل تلك المواقف التي لا تعني التخلي عن العقلانية والانفتاح وسواهما من أسس، لكنها تعرض ما تنطويان عليه من مفاهيم وقناعات للمراجعة الدائمة.

وفي كتابه "قلق المعرفة.. إشكاليات فكرية وثقافية" 2010م، يرى البازعي أن القلق هو مصدر المعرفة والناتج عنها في الوقت نفسه. موضحاً أن الذي يقصده ليس القلق المرَضي، بل القلق المبدع الذي ينشأ عن الأسئلة ورؤية ما لا يراه الآخرون، وهو أيضاً "القلق الناشئ عن عدم القدرة على طرح تلك الأسئلة أو التعبير عن الرؤيا نتيجة عوائق مادية أو معنوية خارج الذات القلقة، وليس العوائق الناتجة عن العجز الذاتي عن القول".

وهو يؤكد أن الهوية الجمعية أكثر ثباتاً من نظيرتها الفردية، وأن الهوية الجمعية العربية تصدر عن مرتكزات عدة، منها التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي. وأن اللغة مصدر أساس للهوية، ليس من حيث هي وسيلة للتخاطب والاتصال فحسب، وإنما لأنها المخزن التاريخي لكل مكونات المجتمع أو الشعب أو الأمة؛ لذلك حين تهتز اللغة أو تتغير ترتبك الهوية وتتغير.

ويعزو البازعي تحوُّلَ العلوم الإنسانية إلى الكيانات الهامشية وإلى تقاطُع مكونات ثقافية تتمثل في الخط التقليدي القادم من الموروث، والخط الحداثي الذي تشكلتْ بتأثيرٍ منه الكثيرُ من البُنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا العربية.

شارك الدكتور سعد البازعي في ترجمة كتاب "الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" 2016م بدافعٍ من اهتمامه باكتشاف خصوصيات الحضارات؛ ومنها: الحضارة الغربية، فمؤلف الكتاب "زيغمونت باومن"، وهو يهودي متهَم بمعاداة السامية، لا يقدم الحضارة الغربية من الزاوية التي اعتدنا عليها، ولكن من زاوية تحلل هذه الحضارة بعمق وبأسلوب قريب من القارئ غير المتخصص.

ويَقصد البازعي بـ"السيولة" الواردة في عنوان الترجمة العربية للكتاب، أن الحدود القائمة بين كثير من الأشياء لم تعد موجودة؛ فالدولة السيادية التي تسيطر على حدودها كاملة لم تعد موجودة، ولم تعد هناك دولة مستقلة تماماً كما كان في بداية القرن العشرين، وكل دولة الآن هي مجموعة من الكيانات الصفيرة المشتّتة، والشرق الأوسط مثال واضح على سيلِ البشر والمال والهويات من منطقة إلى أخرى، وهنا يأتي مفهوم "الحداثة السائلة" في مقابل "الحداثة الصلبة".

ويرى البازعي أن الأخلاق ينبغي أن تضطلع بدور مركزي في العالم الاستهلاكي "عالم الحداثة السائلة"، الذي يتسم بتدفق البضاعة وتغيُّر القيم في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي ضيّعت المسؤولية الأخلاقية وحلت محل الجماعة التي تكون ذات هوية واضحة ومحددة في العادة.

ويناقش الدكتور البازعي في كتابه "استقبال الآخر" 2004م استقبال النقّاد العرب لمناهج النقد الغربي، قاصداً بالاستقبال هنا اتخاذ الغرب قِبلةً، وتلقّي ما يصدر عنه بانبهار وإعجاب.

تعليق عبر الفيس بوك