منطقة حرة منزوعة الدسم

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

السمنة هي أحد أمراض العصر التي تفتك بالكثير من البشر، لذلك تجد نوادي تخفيف الوزن رواجاً كبيراً في هذه الأيام، لكن أن تصبح تلك الأندية متخصصة في جعل الجغرافيا رشيقة فهذا فتح جديد يحسب لنا وربما طلب منِّا مستقبلاً أن نصبح بيت خبرة عالمي في نزع الدسم من الأجزاء الواعدة وحقنها في مواقع أخرى، كما يفعل خبراء التجميل بالوجوه المترهلة.

ساد اعتقاد لحقبة من تاريخنا بألا جدوى اقتصادية لميناء بحري كبير في صلالة، لذلك تقزم ميناء ريسوت التاريخي وظل مرفأً صغيرا يعج بالبضائع المحلية، وعلى طول ساحله الصغير تنتشر عشش الجعافرة كما كان يطلق عليها في ذلك الدهر، وغير بعيد يتوارى خلف الجبل ضريح بن عربيه، وقرية رعوية على مشارف المكان، ومركز على رأس الجبل لحراسة الموقع فقط لا غير.

أمر المقام السامي -حفظه الله- في العقد الأخير من القرن الماضي بإنشاء مجلس للشورى يصوت لاختيار أعضائه نخبة من الشيوخ من كل ولاية، فاختار أهل الحل والعقد في حاضرة الجنوب (صلالة) رجلا حمل لواء الأمانة والمسؤولية. كان الشيخ سالم بن صباح الكثيري رجلا متعلما يجيد لغة العصر ولا تنقصه الحكمة والأهم في الأمر أنه لم يستكن خلف أكوام الأوراق التي وجدها تتحدث عن عدم جدوى الميناء، وجعل من الميناء قضيته الأولى وهدفه الرئيسي فجند له كل ملكاته وحتى ماله لإقناع من وضع التقرير القديم بإعادة النظر في وريقاته وتطلب الأمر تضحيات شخصية جسيمة ومواجهة مع أطرف متنفذ لكن الرجل ربح الرهان أخيراً بقدرة الله وبحكمة جلالة القائد -حفظه الله ورعاه- وتحول المرفأ إلى ميناء يصنف اليوم في المرتبة 44 عالمياً في مناولة الحاويات ويعمل فيه آلاف الكوادر الوطنية. هنا نجد الفرق بين أعضاء المجالس اليوم الذين جلبتهم صناديق المحاصصة القبلية والانتماءات المناطقية ومن استفاد من الأمرين وتدثر برداء الكفاءة وجعل منها مطية لبلوغ غايات أخرى، وبين من سبقهم ممن توافق عليه الناس وكان عند حسن ظنهم به. وفي هذا السياق نقول بمناسبة مرور 20 عاماً على إنشاء ميناء صلالة الجديد شكرا لعضو مجلس الشورى التوافقي آنذاك. لقد ذهب بن نعوم إلى شأنه وبقي الإنجاز شاهداً على جهده وإخلاصه.

توسد الميناء الكبير برافعاته العملاقة في نهاية تسعينات القرن الماضي طرف المدينة، وكانت الخطط والرسومات تجعل منه كذلك حوضًا جافاً لإصلاح السفن تدعمه مصفاة لتكرير المشتقات النفطية ضمن إطار منطقة حرة واعدة تتوافر بها كل سبل البنية الأساسية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي المغرم بالموقع الجغرافي المميز لصلالة، وبالفعل أنشئت المنطقة الحرة، وقضمت كل ما تبقى من السهل والساحل الغربي للمدينة لكنها لا تزال بعد مرور كل هذا الوقت عبارة عن حوش شيد في طرفه قلعة أُنفق على إنشائها ملايين الريالات خصصت كمبنى إداري للمنطقة، وضمت المنطقة الصناعية بريسوت وهي منطقة قائمة بالفعل ولم تقدم لها المنطقة الحرة أي جديد، وأقيمت شركات حكومية وشبه حكومية وأدخلت في رداء المنطقة الحرة واستحوذت على كامل الغاز المسال المخصص للاستثمار الأجنبي الموعود، كما خصصت مساحة كبيرة لما بات يعرف هنا بالمدينة الصينية التي رحلت كغيرها ولم يتبق منها سوى مجموعة من الأكشاك التي تبيع ألعاب الأطفال وبطانيات النوم. ومن لطائف الأمور أنني زرت الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة قبل عدة سنوات فوجدته متذمراً من عدم توفر الغاز والأمور اللوجستية الأخرى للمنطقة، ولا نعتقد بأن صاحبنا هذا تعدل مزاجه للأفضل فمصاصة الغاز القادمة من سيح رول في محافظة الوسطى لم يتغير قطرها بعد وأظنه انشغل بالمبنى الإداري الفخم المطل على المحيط الهندي بأبراجه الثمانية وترك الأمور الأخرى ليصلحها من أفسدها.

تابع الكثير من المهتمين بالشأن الاقتصادي خطاب الشيخ مدير فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة ظفار الموجه إلى معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة ونائب رئيس مجلس التخطيط الأعلى الذي سُرب لمواقع التواصل الاجتماعي وانتشر على نطاق واسع فالرجل تحدث بمرارة بالغة عن تعطيل مقترحات التنمية الاقتصادية في ظفار. بات من المهم العلم بأنَّ المستثمر الأجنبي الراغب في إقامة مشاريع كبيرة وواعدة في المنطقة الحرة بصلالة لديه أهداف اقتصادية بحتة فلا يعنيه كثيراً التوزيع الجغرافي للمشاريع على المستوى الوطني، ولا النظرية الجديدة الهادفة لترشيق منطقة صلالة الحرة وجعلها منزوعة الدسم.

alikafetan@gmail.com