2017وداعًا وشُكْــرًا لــي

وفاء سالم – سلطنة عُمان


(1)

حسنًا...
لو أني كنتُ فراشة حقًّا لما احتجت لهذه النظَّارة ولما ضعف نظري أيضًا..
رُبما يجب أن أكونني بكل أخطائي وعيوبي وبكل التراكمات النفسيّة التي تمرُّني..
ولأن العام سيغادرنا أتمنى أن يكتفي بهذا القدر من الخيبات على صفحة أيامي فيه، فأنا بحاجة حقًّا لاستراحة طويلة من كل شيء..
ثم إن الحظ العاثر رُبط على عنق هذا العام معي وهذا بحد ذاته يجعل منك سيئًا مع نفسك وتحاول جاهدًا أن تنتشلها قبل أن تُصيبها في مقتل..
و... أكره أن يذكرني البعض بأني والحظّ السيء ولدنا معًا فلستُ بحاجة للتذكير فأنا لا شيء يُثنيني عن طموحاتي ورغباتي الكبيرة حتى لو أيقن البعض بأني أصبحت هشَّة وسأنهار قريبًا ..
ثم شُكرًا لي لانفجاري المفاجئ ولكل النصائح التي أدرجتها فأصابت مع غيري وخابت معي فلأجل ذلك عليّ؛ بل يجب عليّ أن أكون قوية..
و..
لا تعلقوا أمالكم وأحلامكم بأحد فمن يرغب بنجاحك وإسعادك تحرك دون الحاجة لأن يذكرك بأنه هنا أو سأكون موجودا إذا احتجت لي..
في البدء عليك أن تحتاج لنفسك وتثق بها فأنت مصدر قوتك..
وشكرًا لهذا العام لأنه أزاح من حياتي أشخاصًا كان وجودهم كالنبتة الضارة وأزاح ألوان الطيف عن البعض وعني كي لا أكون في نظر أحدهم الأنثى المثالية..
جدًا ممتنة لكل لحظة صُدمت فيها من شخوص كانوا جزءًا من حياتي فمن تلك الصدمات أدركت من هي "وفاء".
وأنَّ العالم لا يتوقف علينا لا في حضورنا ولا في غيابنا ..
وأن الحياة زاخرة بصنوف البشر الذين لابد أن نمرّ حولهم ومن بينهم كي نفهم النفس البشرية أكثر ..
شُكرًا يا. ربي لأني استيقظت بعيدًا بوجه آخر وبقلبٍ أقوى..

 (٢)
‏عزيزي..صديقي..قيثارة روحي
‏لم أكتب لك منذ فترة وليس لأَنِّي لا اُريد ولكن لأن الحُمى التي طالتني جعلت مني هشة جدًا تبكيني ذكرى وتهز روحي لحظة حنين، ثم إني قد فقدت شخصًا عزيز عليّ غيَّبَه الموت الذي لا أحد منا يستطيع الهروب منه، وكذلك تعرضت لحادث جعلني ممتنة أني لا زلت على قيد الحياة، الحلم، والكتابة إليك..
‏خبرني كيف أنت؟
‏هل لا زلت عالقًا في مهمتك التي لا تعلم متى ستنتهي.. أرجوك انتبه لنفسك لأجلك، ولأجل كل اللذين ينتظرون عودتك وسماع صوتك والنظر إلى ابتسامتك ..
‏البارحة وقفتُ طويلًا أمام فكرة ضيَّقت عليّ فكري وأقلقت راحة بالي، فكرة أني لستُ شيئًا، وأغضبني هذا الأمر لقد جعلني أبكي صمتًا وأختنق بصراخي.. لأنام بعدها وأنا مبللة بألمي ومجروحة بدموعي..
‏ثم إني استيقظت هذا الصباح في الساعة الرابعة قبل أذان الفجر بساعة وتوضئت لأقول: إلهي أنا أعلم بأن بي سوءًا وإني أظلم نفسي ولكني على يقين بأنك أرحم عليّ من نفسي وألطف عليّ منيّ.. فلا تكلني إلى ضعفي ولا إلى نصحهم لي..لا تجعلني أشعر أني ضعيفة.. فأنا بحاجتي مثلما أنا بحاجتك..
‏لن أنساك من دعائي يا صديقي فلا أُم تنسى أن تدعو لصغير قلبها..
‏أتى الفجر هذا النهار باردًا على جسدي دافئًا على روحي وكأني فراشة خرجت من شرنقتها..
‏أنا الآن أفضل حالًا يا محمد أفضل من أي لحظة مرتني هذا العام البائس وأفضل من تلك اللحظة التي أصطدم فيها واقعي بتطلعاتي وأحلامي..
‏كل شيء يركض حولي يا عزيزي ويمر عبري فلماذا لا أتلفت حولي أنا أيضًا وأركض صوبي وأمس بيدي وانتشلني من هذا السواد!
‏أنا الآن في عقدي الثالث والسنوات تمضي لا العكس..
‏قد أكون فقيرة حظ وأحلامي حياتها قصيرة جدًا وقد أموت من الخيبة في هذه الحياة ولكن لا بأس في أن أسرق منها "من الحياة" ما هو حق لي من كل شيء ولا أشعر بتأنيب الضمير حينها لأَنِّي بحاجة لأن أكون أنانية قليلًا..
‏ثم إن نصائحي تٰجدي نفعًا مع غيري فلماذا لا أطالبها بأن تنفعني أيضًا ؟!..
‏أتعلم ..
‏أحيانًا أتمنى لو أني أفقد الشعور من كل شيء ولكني لا أدري هل سيكون مصيري مشابهًا لما هو عليه الآن؟..
‏آه يا محمد ..
‏سأطوي قريبًا جدًا عُمرًا آخر وسيبتلعني عامٌ آخر أرجو الله أن يجعله خيرًا من سابقه ويجعلني فيه كما أتمنى أن أكون..
‏حسنًا يا صديقي سأُنهي رسالتي هذه حيث أشعر بأني بحاجة لأن أخرج للسماء وأفترش الأرض علَّها تمطر وعلَّني من خيبة الحظ أنجو.

(٣)
‏حسنًا سيغادِرُني هذا العامُ كغيرِهِ يا صديقي ، ستُطوى صفحةٌ من عُمُري أو تُنزعُ ورقةٌ لا يَهُم ..ما يُهِمُّ حقًّا أنّي لمْ أَعُدْ تلكَ المراهقةَ التي كانتْ تنظرُ من خلفِ نافذةِ غُرفتِها إلى منظرَينِ لا أكثر :مزرعةُ الدارِ الخضراءِ بحَوضِ السباحةِ المستطيلِ ،ومقبرةُ الحارة ..
‏الآنَ نافذةُ غُرفتي الوحيدةُ التي تحملُ لي مشاهدَ مختلفة ، لمْ تَعُد غُرفتي في الطابقِ الأعلى لبيتِ والدي، إنها غرفةٌ مستطيلةٌ زهريةُ اللونِ تُطِلُّ نافذتُها المربعةُ على شارعِ الحارةِ الجديدةِ التي انتقلتُ لها ، لكنْ لا أسمعُ هنا صوتَ إخوتي وهم يستحمُّونَ في حَوضِ المزرعةِ ولا صوتَ "الدينمو" وهو يدفعُ بالماءِ عبرَ ساقيةِ المزرعة"الييل"..ولا أرى أبي وهو يُغيّرُ اتجاهَ الماءِ ولا أُمّي وهي تُشذّبُ أشجارَها وتَقطِفُ الفُلْفُلَ والجرجيرَ منْ أرضِ المزرعة..

‏لقد كَبُرْتُ يا صديقي حتى أنّي لمْ أعُدْ أصنعُ "القروصَ" بالعسلِ كلَّ صباحٍ ولا أقراصَ البيضَ مع صَحنِ السيوية، فأطفالي يفضلونَ صحنَ الفولِ وحفنةً من الحبوب مع الحليب "كورن فليكس" كلَّ صباح ..
‏لقد كَبرْتُ يا مُحمد يا صديقي..
فلم تعُد أكبرُ مخاوفي كيف سأجمع المبلغَ كاملًا لأشتريَ الكُتبَ التي أريدُ من مكتبةِ النهضةِ حتى لا تنفد.. لقد أصبحَ جلالتُه أكبرَ مخاوفي  الآن..
‏لقد كَبرْتُ
‏حتى إنّ الشعراتِ البيضاءَ التي تسللتْ لشعري منذُ كنتُ في الـ٢٦ لم تعُد تضايقني، ما يضايقني حقًّا هو ردةُ فعلِ جسدي من كلِّ حالةِ توترٍ تنتابني، ثم إنّي كلما شعرتُ بالسوادِ يندمجُ بي أحاربُه بالهروبِ صوبَ النور الذي أوجدته لي..
‏سيغادرُ هذا العامُ ولا أدري إن كنتُ ساُغادرُ معَهُ ولكنْ ما أعرفُه حقًّا بأنّ عليّ أن أتسلقَ جبًلا ما قبلَ أن يُغادرني، وأركضُ في الصحراءِ لتغوصَ أقدامي في الرمالِ وأدفن جسدي برمالِ البحر، وعليّ أنْ لا ألتقي أحدًا أعرفه ولا أفتحُ صندوقَ بريدي ولا أردُّ على مكالماتِ الهاتفِ.
‏سيغادرُ هذا العامُ وعليّ في آخرِ دقائقِهِ أنْ أتطهرَ بالسدْرِ من بَعضِهِم وأُحصِّنُ قلبي من سوءِ الناسِ والنّفسِ والوسواسِ الخنّاسِ..

تعليق عبر الفيس بوك