أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (12)

د. عمر هزاع – دير الزور – سوريا


في هذه الحلقة من السيرة النبوية المطهرة سنتحدث عن معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود, وكذلك عن بدايات الكفاح الدامي بعد وصوله للمدينة المنورة مع عدة أطراف من الخصوم الذين لم يدخروا جهدا في الصراع مع الأمة الإسلامية الناشئة.
أولًا- (المعاهدة مع اليهود)
وَلِلضَّـــرائِرِ أَحـــكامٌ تُواتيــها
                        وَما يُفيـــدُ بِها الباغي تَفاتيها
وَلا يُضارُ بِها المُضطَرُّ ما غَدَرَتْ
                      بِهِ "اليَهودُ", فَهَذا طَبعُ عاديها
مِن أَجلِ هَذا  نَبيُّ اللَّهِ حَذَّرَهُم
                        مِنَ النَّكالِ إِذا ما خانَ عاتيها
فَفي بُنــــودِ اتِّفاقِيّــَاتِهِ مَعَــهُم
                       مِنَ المَحاذيرِ  ذَرٌّ مِن حُذاقيها
وَلِليَهُودِ بِها – ما لَم يَجِدْ سَبَبًا
               لِلِانتِقاضِ لَها  – حَقُّ يُحاميها: *105
    
 (بِأَنَّهُم أُمَّةٌ لا يُجبَرُونَ عَلى استِمزاجِ مِلَّتِهِم مَعْ مَن يُماليها, وَأَنَّ نُصرَةَ أَهلِ الحِلفِ واجِبَةٌ ونُصحَهُم دُونما عُدوانَ يَتليها, وَما بــ " ِيَثرِبَ " مَحضِيٌّ لِقاطِنِها, وَأَنَّها حُرُماتٌ عَن مُحِيطِيها ومِثلَ ذَلِكَ لِلمَظلُومِ دُونَ أَذَى , وَأَنَّهُم بِاتِّفاقٍ ضِدَّ غازيها)
بِرَبطِ هَذا وَما  مِن قَبلُ  نَظَّمَهُ
                          بَنَى النَّبيُّ ائتِلافَ الحِلفِ , يَبغيها
عَصِيَّةً؛ وَلِــدِينِ اللَّهِ عاصِمَةً
                        - إِلى وِفاقِيَّـــةِ التَّكـــوينِ- يُدنيـــها
رَئِيسُها بِاصطِلاحِ الحُكمِ – قائِدُها
                          " مُحَمَّدٌ " – بَرَّ مَنجاها  يُرَسِّيها
 
 ثانيًا - ( بدايات الكفاح الدامي )
آذَى الحِرابُ " قُرَيشًا " في تَغاليها
                                 فَآذَنَتهُم بِحَربٍ لا تُلاغيها
•    فَقِيلَ لِــــ "ابنِ السَّلُولِ":
            (اجمَعْ مُقاتِلَةً, تَصلِمْ بِها مُسلِميها مِن مَجاليها) *106
فَرَدَّهُ -  ما تَلَقَّاهُ النَّبيُّ بِهِ  -
                          مُذَمَّمَ الفِعلِ, مَدحُورًا, يُباغيها *107
مُهَمَّشًا , تَنهَشُ الأَحقادُ سَكتَتَهُ
                         وَتَمضَغُ الإِحَنُ الأَفلاذَ , تَنكيها
أَمَّا " قُرَيشُ " – عَلى جَمرِ البَرِيدِ – وَرَتْ
                            زَندَ الوَعِيدِ , بِتَهدِيدٍ يُراشيها *108
وَإِذ تَنَزَّلَ أَمرُ اللَّهِ
                       يَأذَنُ بِالقِتالِ في رُخصَةٍ أُولَى يُسَدِّيها *109؛
فَاتَّبَّعَتها السَّرايا
وَالبُعُوثُ إِلى تَرَصُّدِ الطُّرُقِ
استِقصاءَ ناحيها *110
فَعــــاوَدَ الوَحـــيُ يُلقيـــها مُغَلـغَلَةً
                              مِنَ السَّماءِ عَلى أَسماعِ أَرضِيها:
    ("وَقاتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ") *111هادِرَةً
                  ("إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم") *112تُكَفِّيها
فَحَثَّهُم لِكِفـــاحِ الكُفــــرِ, واعَدَهُم
                             بُشرى  بِشَكلٍ خَفِيٍّ  أَن يُرَضِّيها
إِلماحـــةً جَــعَلَتْ " تَحويلَ قِبلَتِهِم "
                             "تِلقــــاءَ كَعبَتِهِم"  حُـلمًا يُعَزِّيها
فَالتاعَ بِالأَنفُسِ الشَّوقُ العَتيقُ – إِلى
                             مَرابِــعِ النَّشأَةِ الأُولى – يُناديها
فَاستَنفَرَتْ لِلجِهادِ , اللَّهُ غايَتُها
                            وَنَصرُ مُرسَلِهِ - الغالي - أَمانيها
  ..........................................
الهامش:
ضرائر: ضرورات\ يواتي: يوافق ويوائم\ تفاتي: طلب الفتوى\ حذاقي: الذكي المتبصر قوي الحجة فصيح اللسان\ يمالي (يمالئ): يعاون ويساعد \ محضي: خاص وصرف وغير مشوب\ وفاقية: مبنية على مبدأ التوافق
مجال (جمع مجلى) وهو مقدم الرأس و الوجه \ إحن : (جمع إحنة) حقد\ ينكي: يقهر ويغلب, يجرح و يقتل (نكى الجرح) قشره قبل أن يشفى \ ورى (الزند) وهو عود تقدح به النار, أخرج ناره \ يراشي : يتصنع و يتظاهر (يصانع و يظاهر)
مغلغلة: رسالة يتم نقلها عبر الأمصار
.....................................................
المراجع:
*105: أبرم الرسول – صلى الله عليه و سلم – مع اليهود معاهدة ترك لهم فيها الحرية في الدين والمال ولم ينتهج منهج المصادرة و الإقصاء وكانت هذه المعاهدة ضمن المعاهدة التي تمت بين المسلمين أنفسهم والتي ذكرناها سابقا وأهم ما زيد فيها من بنود على المعاهدة السابقة:
o    أن اليهود أمة مع المؤمنين لهم دينهم
o    عليهم نفقتهم كما على المسلمين نفقتهم
o    بينهم النصر على من حارب أهل المعاهدة
o    بينهم النصح دون إثم أو عدوان
o    أنه لم يأثم امرؤ بخليفة
o    أنهم يتفقون مع المسلمين ما داموا محاربين
o    أن يثرب حرام جوفها لأجل هذه الصحيفة
o    أن النصر للمظلوم
وبقية البنود كما سيقت في المعاهدة السابقة
المصدر: ابن هشام 1(503-504)
*106: كتبت قريش إلى عبدالله بن أبي ابن السلول : إنكم آويتم صاحبنا و إنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم و نستبيح نساءكم , فلما بلغه ذلك خرج مع المشركين لقتال الرسول
المصدر: أبو داود باب خبر النضير
*107: لما بلغ الرسول – صلى الله عليه و سلم خبر خروج ابن السلول لقتاله خرج إليه فلقيه فقال : ( لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ , ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم , تريدون أن تقاتلوا أبناءكم و إخوانكم ) فلما سمعوا ذلك تفرقوا
المصدر: أبو داود باب خبر النضير
*108 : أرسلت قريش للمسلمين تقول لهم : لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم و نبيد خضراءكم في عقر دارها
المرجع: رحمة للعالمين 1(116)
*109: أذن للمسلمين بالقتال و لم يفرض عليهم (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) الحج (39) , وبيِّنَ لهم أن القتال لإزاحة الباطل وإقامة الشعائر وبشرهم بالنصر
*110: سمى المؤرخون ما خرج النبي – صلى الله عليه و سلم – إليها بنفسه غزوة , حارب فيها أم لم يحارب , و ما خرج فيها أحد قادته سرية , و يمكن تعداد السرايا قبل بدر الكبرى بإيجاز :
(سرية سيف البحر – سرية رابغ – سرية الخرار – غزوة الأبواء – غزوة بواط – غزوة سفوان – غزوة ذي العشيرة – سرية نخلة)
المصادر:
زاد المعاد 2(83-84-85) \\ ابن هشام 1(561 و حتى 605) \\ رحمة للعالمين 1(115-116) و 2(215-216-468-469-470)
*111 : سورة البقرة (190)
*112 : سورة محمد (7)

تعليق عبر الفيس بوك