الثقة المتبادلة

خلفان الطوقي

من الطبيعي بين فترة وأخرى أن تكون هناك أزمة ثقة بين المسؤول الحكومي والمواطن، وهذا أمرٌ صحي، وفي تجاذب وجدال مستمر؛ فالمسؤول الحكومي يرى نفسه أنه يعمل أفضل ما يمكن لأجل تطوير الخدمات المقدمة للمواطن، ويرى أيضا أن بعض المواطنين لا يقدرون أو لا يشكرون ولا يرضيهم شيء؛ بل يطالبون بالمستحيل وينظرون للمواضيع من الجانب الضيق الذي يخصهم دون مراعاة للظروف المالية أو التحديات الموجودة في أرض الواقع. وفي الجانب الآخر، فإن المواطن يرى أن المسؤول الحكومي يجب أن يطور الخدمات أكثر مما هو حاصل الآن في أرض الواقع؛ ويرى أن المسؤول الحكومي يهتم بمصلحته، ويأخذ اكثر بكثير مما يعطي، ولا يوجد عليه حسيب أو رقيب؛ كما أن المواطن يرى أن قوة أو ضعف العلاقات الشخصية بين الطرفين هي ما تحكم مستوى الخدمة المقدمة له أو لغيره.

وبما أن هناك ملامح فجوة تظهر بين حين وآخر بين الطرفين، أو وجهات نظر، أو انطباعات قد تكون صحيحة أو مغلوطة؛ لذلك لا يوجد حل إلا بتضييق هذه الفجوة إلى أقصى حد ممكن؛ والجانب الأقوى هو من يتحمل مسؤولية اتخاذ عدد من الخطوات التنفيذية لتضييق هذه الفجوة لأقصى حد ممكن وبشكل مستمر؛ وبما أن الحكومة تؤمن بأنَّ ما تقوم به صحيح، ويعتمد على معايير مهنية وواضحة ومعتمدة لديها؛ فلا ضير من الإفصاح عنها لعامة الناس، بل والافتخار بها، وإشراك هذه المنجزات مع الآخرين؛ تنفيذا لمبادئ الشفافية والشراكة المجتمعية ودولة المؤسسات.

ولكي نعزز الثقة ونقلل الفجوة بين الطرفين؛ لابد من اتخاذ الخطوات العملية التالية:

- القرارات الاستباقية؛ بمعنى أن المسؤول الحكومي يكون أسرع في تفكيره وتنفيذه وقراءته للواقع من المواطن؛ وتطبيق الإجراءات والمعالجات اللازمة، بدلا من أن يصدر القرار بناء على ردات فعل مبنية على الاجتهاد أو الانفعالات الشخصية.

- إنشاء مراكز إستراتيجية مستدامة لقراءة المشهد المحلي والإقليمي والعالمي، لتدعم القرارات الإستراتيجية، لتكون هذه القرارات والإستراتيجيات مبنية على معلومات وحقائق ودراسات وإحصائيات.

- المحاسبة وتطبيق الحوكمة على جميع موظفي الدولة من أكبر موظف إلى أصغرهم؛ والإعلان عن القرارات التصحيحية التي اتخذتها الجهات الحكومية بعد تطبيق الحوكمة؛ على أن تكون لجنة الحوكمة جهة مستقلة، ولا تكون هي الجاني والقاضي والحكم في نفس الوقت.

- الحوار المستمر بين أعلى مستوى وظيفي في الجهة الحكومية مع باقي الموظفين بشكل دوري وليس على شكل ردات فعل؛ كذلك ضرورة الاستماع واحترام آرائهم؛ وإعلام رئيس الوحدة عن ما هي رؤية جهته الحكومية؛ وما تم تطبيقه إلى الآن؛ وإلى أين متجهين، وما هي التحديات التي تواجههم، والطلب منهم إيجاد حلول لهذه العقبات والتحديات؛ وماذا يحتاج منهم لتحقيق الرؤية؛ على أن لا يقتصر الحوار على الدفاع التقليدي وإبراز وتمجيد المنجزات فقط.

- إقامة حوار ربع سنوي إعلامي يحضره رئيس الوحدة الحكومية ومعه كل مديري العموم والتنفيذين، واستعراض منجزات جهته الحكومية؛ والاستماع لكافة وسائل الإعلام المختلفة التقليدية والبديلة؛ على أن يستدعى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، ومن يعتقد أنهم موجهون والمؤثرون في الرأي العام، والاستماع لهم والتفاعل معهم.

- تفعيل قرارات وتوصيات المبادرات الوطنية كالبرنامج الوطني "تنفيذ"، وإخطار المواطنين والإعلام التقليدي والبديل بطرق مبتكرة تصل للمستهدفين بكل جديد كل أسبوعين على سبيل المثال، خاصة فيما يخص أداء الجهات الحكومية المعنية، وربطها بمؤشرات الأداء وطرحها في وسائل الإعلام المختلفة؛ والتركيز على طرحها في وسائل التواصل الاجتماعي الحديث؛ والرد على استفسارات المواطنين، والتفاعل معهم بجدية واستمرارية وحرفية عالية، من خلال منصة التواصل الحكومي المجتمعي.

- تسريع وتفعيل تطبيق الحكومة الإلكترونية؛ وتقليل التدخل البشري في المعاملات قدر الإمكان والاستفادة من تطبيقات البلوكتشين...وغيرها من التطبيقات المفتوحة التي تقلل من البيروقراطية في المعاملات الحكومية، والاستفادة من التجارب الدولية، وذلك بسبب أن كثيرا من المواطنين يرون أن التدخلات البشرية هي من تشوه العلاقة بين الطرفين بسبب بعض التصرفات الفردية الخاطئة.

- تقليل الاستثناءات من رئيس الوحدة الحكومية، ولذلك لغرس مفهوم أن رئيس الوحدة هو مراقب أمين لتطبيق النظام؛ وليس مالكا ومتحكما بالنظام.

- تحفيز المواطن والمراجع والمقيم على التفاعل مع الجهات الحكومية؛ واستحداث طرق وممارسات تشجعهم على التفاعل لتعميق مفهوم الشراكة والمواطنة لديهم؛ وإيجاد محفزات تضمن مشاركته وتفاعله الإيجابي.

- تفعيل القوانين والتشريعات التي تساعد المثابر من الموظفين في الحكومة في كافة المستويات الوظيفية على مزيد من الإنتاج وتطوير الأنظمة الموجودة والتفاعل، وتحفيزه لعمل المزيد؛ ومحاسبة المقصرين والمعرقلين في تحقيق مؤشرات الأداء الموضوعة على مستوى الجهة الحكومية أو المديرية أو القسم.

- الاستفادة القصوى من الملتحقين بالبرنامج الوطني للرؤساء التنفيذين التابع لديوان البلاط السلطاني، والبرامج الإدارية التي تخصُّ معهد الإدارة العامة والملتحقين بكلية الدفاع الوطني...وغيرها من البرامج، وربطها بالواقع والاستفادة من أطروحاتهم، فيما يعزز العلاقة ويقويها بين الطرفين، ورفع توصياتها ومقترحاتها للمراكز الإستراتيجية ومجالس البحث العلمي والشورى والدولة.

- تشجيع البرامج الحوارية المباشرة التي تربط فئة الشباب بمتخذي القرار والمشرعين، وتعيين شخصيات مؤهلة لإثراء الحوار وإدارته بحيادية.

- رصد الآراء من خلال "تطبيقات متطورة عالية الذكاء"، والتي تطرح في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ورفعها إلى الجهات المعنية؛ ومراقبتها عن كثب؛ ورفع التوصيات واقتراح المعالجات السريعة التي تضمن التواجد الميداني، وتغليب الكفة الإيجابية على السلبية، وتقييم المعالجات بشكل شهري.

- تشجيع المؤسسات الأكاديمية على ربط مناهجها بالواقع، والاستفادة القصوى من فئة الشباب والدماء الحديثة، وتشجيعهم ليكونوا مساهمين في الحلول فيما يخص تقوية الثقة بين الحكومة والمواطن، ودعمهم لاكتساب مهارات تحليلية تسهم في عطائهم الوطني أثناء الدراسة وبعد تخرجهم، والتي تسهم في تكوين شخصيات مؤهلة منتجة تعتمد على نفسها، وتساعد محيطها لتخطي الصعاب لمستقبل أفضل.

ويبقى التحرك السريع وتفعيل بعض الخطوات في أوقات الرخاء أفضل من تأجيل وترحيل مثل هذه القضايا الجوهرية إلى وقت الأزمات.