الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم

أ.د/ أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج

 

عندما تفكر في الذكاء الاصطناعي، قد يتبادر إلى الذهن مشاهد من أفلام خيال العلمي؛ روبوتات تقاتل البشر، رجل يقع في حُبّ روبوت آلي اكتسب القدرة على الشعور...  ولكن ماذا عن الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم؟
إن موضوع الذكاء الاصطناعي في التعليم هو أحد الموضوعات الساخنة على مائدة المؤتمرات اليوم. وبينما يذهب البعض بعيدا في الاعتقاد بسيطرة الذكاء الاصطناعي على العملية التعليمية برمتها، يرى آخرون أن الذكاء الاصطناعي سوف يحدث ثورة في مجال التعليم، وسوف يعمل على تحسين الممارسات التعليمية ونواتجها.
قد نكون اليوم بعدين عن رؤية الروبوتات في الفصول الدراسية، إلا أن الذكاء الاصطناعي آخذ في الاتجاه بقوة نحو التأثير على التعليم. في فصول الدراسة، يكافح المعلمون لتلبية الاحتياجات التعليمية الفردية لكل طالب. وهذا أمر صعب للغابة خاصة في فصول دراسية مكتظة بطلاب جميعهم سوف يجتازون امتحانا موحدا، بغض النظر عن نموهم الشخصي.
إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تحدي تلك الممارسات التقليدية وتجاوز نموذج التدريس التقليدي (مقاس واحد يناسب الجميع). وقد بدأت آلة خوارزميات التعلّم بالفعل في مساعدة المعلمين في من خلال تحديد أكثر الموضوعات التي يعاني الطلاب من أجل تعلمها.
وفي المستقبل القريب، سوف نرى المزيد من الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية. على سبيل المثال، سوف يصبح بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل خبرات التعلم الخاصة بالطلاب ذات طابع شخصي. وسوف تعمل البرامج التي تستخدم الذكاء الاصطناعي كموجه، أو مرشد للطلاب يساعد على تحديد المجالات التي يعاني منها كل طالب وتقديم تدخلات شخصية، تماما كما يفعل المعلم. وسوف توفر الروبوتات تدريسا شخصيا أو حصص تدريب للتقدم بالطلاب الذين تكافحون لتسريع تعليمهم.
هذا النوع من الذكاء الاصطناعي ليس خيالا علميا، فهو موجود بالفعل اليوم في بعض الفصول الدراسية. وقد بدأ العلماء في إسبانيا اختبار "الروبوت المعلم" الذي يمكنه تحديد حالة الطلاب المعرفية وتوجيهها وفقا لذلك. وفي الولايات المتحدة، أصدرت شركة نيوتن للتعليم التقني مؤخرا برنامج يقيس معارف الطلبة السابقة ويحدد الدروس استناداً إلى الاستنتاجات التي توصل إليها. وتحدد أنشطة مخصصة تناسب مستوى مهارة كل طالب.
وبدلاً من قضاء ساعات في محاولات تفريد التعليم لكل طالب، قريبا سوف يتمكن المعلمون من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الاحتياجات الخاصة لكل طالب وتقديم التدخلات اللازمة أو إثرائه.
اليوم هناك العديد من المبادرات الخاصة الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم نذكر هنا بعض النماذج منها:
(1)    تطبيق المفكر الرياضي Thinkster Math هو تطبيق يمزج بين منهج الرياضيات ونمط التعلم الشخصي. يقوم هذا التطبيق بمراقبة المعالجة العقلية لكل طالب والتي تتكشف بالتدريج على شاشة الأيباد. يعرض التطبيق للمستخدم مشكلات مختلفة مناسبة لقدراتهم، وبمجرد كتابة الطلاب كيف توصل إلى الإجابة، يحلل التطبيق عملهم ويحدد لماذا أخطأوا أو أساؤوا فهم جزئية محددة في حل المشكلة. يحسن هذا التطبيق من المعالجة المنطقية لدى كل الطلاب من خلال تقديم تغذية راجعة فورية وشخصية.
(2)    موقع Brainly موقع تواصل اجتماعي لأسئلة الفصل الدراسي. يسمح البرنامج للمتعلمين طرح أسئلة الواجبات المنزلية وتلقى إجابات تلقائية مدققة من زملائهم. يساعد هذا البرنامج الطلاب على التعاون للتوصل إلى إجابات صحيحة بأنفسهم. لدى البرنامج مجموعة متنوعة من الخبراء في المواد الدراسية يعملون على خلق بيئة صفية شبيهة بالفصول الدراسية.
(3)    شركة التكنولوجيات المحتوى  Content Technologies, Inc.: هي شركة ذكاء اصطناعي للبحث والتطوير والتصميم التعليمي، وإنتاج حلول لتطبيقات المحتوى، تستخدم "التعلّم العميق" لإنشاء الكتب المدرسية المتخصصة التي تناسب احتياجات مقررات وطلاب محددين. يدخل المعلمون توصيف المناهج إلى محرك تكنولوجيا المحتوى. وبعدها تستخدم مكينات تكنولوجيا المحتوى خوارزميات لإنتاج كتب ومواد دراسية شخصية استناداً إلى المفاهيم الأساسية للمناهج. تسعى هذه المبادرة إلى مساعدة الناشرين على إنشاء كتب مدرسية فعالة تحقق لكل متعلم الحصول على تعلم فردي ذي طابع شخصي.
(4)    موقع ميكا Mika – يوفر هذا الموقع في كارنيجي أدوات تدريس قائمة على الذكاء الاصطناعي للمتعلمين كثيري الانشغال، والطلاب الذين يفتقدون في خضم زحام الطلاب إلى الاهتمام ذي الطابع الشخصي. تتخصص ميكا في التدريس لطلاب المرحلة الجامعية لسد الفجوات في الحجرات الدراسية المكتظة بالطلاب. يوجه التطبيق بواسطة عملية التعلم الخاصة بكل طالب وتجعل المتعلم على دراية بما يحرزون من تقدم يومي، وتعدل الدروس وفقا للاحتياج الخاص بكل طالب.
(5)    موقع Netex Learning يتيح هذا الموقع للمعلمين تصميم  المنهج عبر عدة منابر وأجهزة رقمية. يساعد الموقع حتى أكثر المربين جهلا بالتقنية على دمج عناصر تفاعلية مثل الصوت والصورة والتقييم الذاتي في تخطيطهم الرقمي للدروس. كل هذا في منصة افتراضية للتعلم ذو الطابع الشخصي. في هذا الموقع يمكن أن يبتكر المعلمون مواد فيها تخصيص للطالب جاهزة للنشر على أي منصة رقمية أثناء تقديم أدوات للمؤتمرات عبر الفيديو والمناقشات الرقمية والواجبات ذات الطابع الشخصي والتحليلات التعليمية التي توضح عروضا مرئية للنمو الشخصي لكل طالب.

ولكن ماذا سيكون دور المعلمين في هذه الفصول الروبوتية في المستقبل؟
يقلق العديد من المعلمين من أن يأخذ الذكاء الاصطناعي وظائفهم أو أن يحد من دور المعلمين لصالح الروبوتات. في الحقيقة ليس هناك داعيا لقلق المعلمين من استيلاء الروبوتات على المدارس في المستقبل. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعلم الطلاب المهارات الأكاديمية أو يعزز المفاهيم الصعبة للطلاب الذين يعانون من بعض الصعوبات، فإنه لا يمكن أن يحل محل المعلم (الإنسان) في كثير من المهام.
سيلزم دائما وجود معلم (بشري) لإدارة البيئة الصفية ولتشجيع الطلاب الذين بحاجة إلى تشجيع. كما أن جزء كبير من العملية التعليمية خاصة بالنسبة للأطفال يتضمن مهارات اجتماعية عاطفية، بالإضافة إلى التفكير الأخلاقي. ففي حين أثبتت برامج الذكاء الاصطناعي قدرة على تعليم الطلاب المهارات الأكاديمية (القراءة والكتابة والحساب)، إلا أن تدريس المهارات الاجتماعية والعاطفية والأخلاقية يظل أكثر تعقيداً. هذا النوع من التعلم يحتاج إلى لمسة إنسانية لا يستطيع توفيرها إلا من خلال المعلم البشري فقط.

وأخيرا، أيا كان رأيك في الذكاء الاصطناعي فإنه لا يمكن انكار مكانته في التدريس الحديث، ورغم أنه لا مجال للحديث عن استبدال الجانب الإنساني للمعلمين، فنحن نعتقد أن التكنولوجيا التعليمية والذكاء الاصطناعي سوف تقدمان العون على نحو فاعل للمعلم المثقل بالمهام وللفصول المكتظة بالطلاب وذات التمويل الضعيف.


لمعرفة المزيد حول هذه البرامج أعلاه، يمكن الرجوع إلى الروابط التالية:
http://get.hellothinkster.com/why-tabtor-is-now-thinkster/
https://brainly.com/
http://contenttechnologiesinc.com/
https://www.carnegielearning.com/products/software-platform/mika-learning-software/
https://www.netexlearning.com/en/

تعليق عبر الفيس بوك