قراءات في الأدب الصهيوني المعاصر:

الأنا والآخر في رواية عوز شيلاح "أراض للتنزه" (1)

أمين دراوشة – أديب وناقد فلسطيني - رام الله – فلسطين

 

تمتاز الشذرات القصيرة بالعمق، والتكثيف والمفارقة، وسواء أسمينا "أراض للتنزّه" رواية في شذرات، أو مجموعة قصص قصيرة جدا، فإنها تعطي النكهة نفسها، فالشذرة تتصف بحس الفكاهة الأسود، إذ تبدأ بالحديث عن الشخصية المؤمنة واليقينية وتنتهي بمفارقة تهدم كلّ البناء السابق.
في كل شذراته، يحدّثنا شيلاح عن كيفية خداع الوعي الإسرائيلي لنفسه عبر تجاهل الإنسان الفلسطيني والأرض الفلسطينية: في الشذرة الأولى (ذات عصر)، يتناول الكاتب قصة أستاذ التاريخ، الذي يأخذ عائلته في رحلة إلى غابة هادئة قرب غفعات شاؤول، التي كانت في السابق تعرف بدير ياسين، وهنا لا يذكر شيئا عن المذبحة الشنيعة التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينين من أجل إثارة الخوف والفزع في نفوسهم وإجبارهم على مغادرة قريتهم، ولكن بطريقة رمزية وموحية، يتمّ الحديث عن الناس الذين عاشوا هنا، وما زالوا، فالعائلة عندما تصيخ السمع، فإن آذانهم تلتقط "همهمة من المنعرجات الملتوية نحو الطريق السريع المخفية عن النظر بالأشجار".
وعلى الرغم من أن بطل القصة أستاذ للتاريخ، إلا أنه يمارس حيلة الإنكار، ويستمرّ وعائلته في التمتع بالرحلة وجمال الغابة، متناسيا أصل القرية وما حدث لقاطنيها، فالأستاذ لم يحدّث أسرته عن القرية، ولا عن أصل الحجارة. لم يتحدث عن مدرسة القرية، التي صارت الآن مشفى للأمراض النفسية". لقد غيَّب وعيه، وأقنع نفسه وأسرته بأنهم في نزهة رائعة في منطقة ما من الوطن، "يستمتعون بأراضيها خارج التاريخ". ـ (ص7)
في شذرة (حنظلة)، يخبرنا الراوي عن نزهة أخرى قام بها مع أصدقائه إلى شاطئ سيناء "الذي قلنا مرة إنه شاطئنا". يتصادقون مع النادل البدويّ كبير السن، آملين أن يستمتعوا بقصصه حول حقول الخشخاش التي في الجبال، ولكن النادل، يعيدهم إلى التاريخ الذي يحاول كل الإسرائيليين الفرار منه، لأنّه يذكّرهم بجرائمهم ووحشيتهم ضدّ الشعب الفلسطيني، فالنادل لم يكن بدويا بل فلسطينيا لاجئا إلى مخيّم عين الحلوة، ثم انتهى به الحال نادلا على شاطئ سيناء. لذلك أخبرهم عن التاريخ الكابوسيّ المرعب الذي يحاولون نسيانه، ليلاحقهم في لحظات نزهاتهم وتمتعهم. النادل من قرية سعسع في الجليل التي تحولت إلى (كيبوتس) يحمل الاسم ذاته. ولا يخبرنا الراوي بشكل مباشر عن الطريقة التي رحل بها الفلسطيني، بل يكتفي بالقول إنه كان في الثانية والعشرين من العمر، ويعمل معلما، و"بين عشية وضحاها، ترك عمله وقريته". ولم ينس أن يحدثنا عن تسلل الفلسطيني إلى قريته سعسع "عبر الحدود عائدا إلى ما صار وطننا". ـ (ص8)
بجرأة، يناقش الكاتب قضية اللجوء الفلسطيني، ويعتبر أن مأساة اللجوء التي تسبب بها الاحتلال لمئات الآلاف الفلسطينيين، أكبر الخطايا، ويحيلنا اختلاط تاريخ النادل المعلّم مع تاريخ ناجي العلي الرسام الفلسطيني الشهير، إلى المأساة التي عاشها اللاجئون، والعجز الأمميّ عن إيجاد حلّ لإيقاف نزف الفلسطينيين.
وينتقل الكاتب إلى الحديث عن القدس في شذرة (تل أبيبيون في القدس)، فيصفها بأنها متاهة يضيع فيها من لا يعرفها، فـ"اليهود المتعصبون" يعرفون مكانها، وحيث يغسل العرب الأطباق بامتثال في المطاعم"، أما الذين يأتون لزيارتها، فيشعرون بإحساس الضياع، فالقدس تعني "أن تكون صيدا في متاهة"، بل إن ذلك "هو أصل القدس، أو حتى جوهرها الصميم". ـ (ص11). القدس هي العنوان الأكبر للصراع، ورغم أن العرب يعملون في الأعمال البسيطة إلا أنهم موجودون ولم يغادروا، وسيبقون فيها.
أما شذرة (بدل) فإن عنوانها يحيل إلى تبديل شعب مكان شعب آخر: فالنادل الأكبر سنا، الذي تعوّد عليه زبائن الحانة، والذي كان يعرف كلّ الروّاد وأمزجتهم، تغيّر. وعلى الرغم من تذمر الزبائن من النادل الجديد لأنه "رجل متملق بربطةٍ ملتوية ولكنةٍ شرق أوروبية ثقيلة، غير أنه سرعان ما صار يعرف بالنادل الأقدم والأكثر خبرة في القدس" ـ (ص13). وتحيلنا الشذرة إلى اختلاط القديم بالجديد، والدخيل بالأصيل، وطغيان الدخيل والجديد على الأصيل القديم.
وفي شذرته الرائعة (صحو)، يحدثنا عن حفلة عرس في غابة في القدس، يخرج فيها أحد الحضور، وهو أوروبيّ النشأة، عن طوره نتيجة إفراطه في تناول الكحول، ويأخذ يصيح "إن أشجار الغابة تغصّ بقطّاع الطرق والضواري، لصوص. ذئاب! وحوش!"، مما أعاد الحضور إلى التاريخ من جديد، فالغابة "تقع على بعد خمس دقائق وحسب من الأحياء المجاورة" التي يسكنها بالطبع الفلسطينيون. وبعد أيام من اختفائه، سئل عن الذي جرى له، فقال: "إن المشروب كان مرّاً وأكثر قوة من أي شيء دخل جوفه من قبل". ـ (ص14)، وإنه لم يفق إلا بعد يومين، وكان بإمكانه أن يبصر ويرى. وكأني بالسكّير يتحدّث عن المآسي التي جلبتها الحركة الصهيونية للشعب اليهودي، بحديثه عن المشروب المرّ، ويتساءل: هل كان الأمر يستحقّ كلّ هذه التضحيات؟ ألم يكن ممكنا اختيار طريق آخر غير احتلال أرض الغير وتدميرهم؟
إن اختيار الكاتب لغابة القدس لم يكن عبثيا، فهذه الغابة تقع بين دير ياسين وعين كارم "وهي تحتوي على واحد من أهم معالم صناعة الذاكرة اليهودية المعاصرة، وهو متحف ياد فاشيم، الذي أقيم في العام 1953 لتخليد ضحايا المحرقة النازية" ـ (المترجم ـ الشيخ، ص96).
وتتحدث شذرة (رماد إلى رماد)، عن نزهة لعاشقين من القدس إلى جبل محرّج، يشاهدان خلالها أرنباً مسرعا بين الصخور، كما يجدان ريشه نيص بين الشجيرات "ومغارة محفورة في الجبل على يدي رعاة الماعز أنفسهم الذين كان عليهم المغادرة قبل أن يوطّن المهاجرون في المزارع التعاونية المجاورة". ـ (ص32). ويرمز الكاتب بالأرنب الذي يعبر مسرعا إلى السكان الجدد، وبالنيص الذي لا تزال آثاره باقية، وبالرعاة الذين حفروا مغارة في الجبل إلى السكان الأصليين الذين يؤرق وجودهم الإسرائيليين، وهم ينغّصون عليهم نزهاتهم التي تقوم على أنقاض حياتهم، ولا يتركون لهم مجالا للاستمتاع بالنكران وبالنسيان. وهؤلاء الفلسطينيون لا يكفون عن التوالد والبقاء، رغم المحاولات المستميتة من قبل سلطات الاحتلال، لطردهم والتخلص منهم عبر الاعتقال والتعذيب والإبعاد خارج حدود الوطن.
وشيلاح ينتقد صمت المواطنين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، ونحن نراهم في شذرة (شكوى) لا يعيرون اهتماما لتعذيب الفلسطينيين في غياهب سجونهم إلا عندما تقلق أصواتهم المعذّبة متعة شربهم في الحانة. وقد اشتكى زبائنها لصاحبها عن أصوات مزعجة في الليل تفسد فرحتهم بالشرب. ويكتشف صاحب الحانة أن الأصوات المقلقة كانت لفلسطينيين يعذبون في أقبية التحقيق في سجن إسرائيلي، تقع أقبية التحقيق فيه "على عمق أربعة، وقال البعض، ستة طوابق تحت الأرض" ـ (ص33). وعلى الرغم من الشكوى المقدمة إلى الشرطة، إلا أن الأصوات المقلقة التي تئن تحت التعذيب تظلّ تؤرق روّاد الحانة، ولم يكن من حلّ إلا أن يقوم صاحب الحانة برفع "صوت الموسيقى في حانته... إلى أن ضعفت قدرته على السمع" ـ (ص33)؛ ولم يعد أحد يتذكر البشر تحت الأرض، ممن يرزحون تحت التعذيب القاسي والمشرّع بالقنوات التشريعية.
واستمراراً لطمس المعالم الأصلية للبلد، والحديث عن الاكتشاف الأول، يحدثنا شيلاح في شذرة (عين لفان) عن عائلة لفان التي خرجت للتنزّه، فأخذ الأولاد يلعبون، ودخلوا إلى حرش من أشجار الصنوبر، حتى وصلوا بركة ماء، واكتشفوا عبر أشجار اللوز والأغصان البيضاء عين ماء. وأطلقوا عليها اسم "عين لفان ـ العين البيضاء". وصاروا يجلبون أصدقاءهم إليها، ويقولون لهم "إننا قد اكتشفناها، وسميناها، كما ينبغي، على أسمائنا" ـ ( ص36).
ويقول الإسرائيليون: إننا "جعلنا الجبال دائمة الخضرة، مثل سويسرا"، بأن زرعوا، وغطوا الحواكير بالصنوبر ونقّطوا "جوانب التلال المدببة ببيوت ذات سقوف من القرميد" ـ (ص37)، كما يقول على لسان شخصياته في شذرة (الطريق إلى القدس)، إنهم يعترفون بأن أشجارهم التي زرعوها "نمت مريضة ووقفت رمادية عارية، تتهاوى الواحدة منها على الأخرى، يابسة"، وقد اشتعلت فيها النيران، فاقترح أحد ضباط الجيش السابقين، ومتعهد البناء الحالي، الذي شاركت فرقته "في إفراغ بضعة قرى من أهلها على امتداد ما صار الطريق المحرّج إلى القدس". ـ (ص37) إن الأشجار أدت مهمتها، والآن هو وقت مستثمري الأملاك.
ولا يتوانى شيلاح في انتقاد الجميع وتقريعهم على ما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني، ففي شذرة (واحد تلو الآخر) يعترف ناجٍ من المحرقة لابنته وهو على فراش الموت، بأنه ساهم في احتلال ثلاثة قرى (عمواس، ويالو، وبيت نوبا) التي أقيم على أنقاضها متنزه كندا، العام 1967، بمساهمة سخية من كندا. إن الضحيّة يتحوّل إلى جلاد يذيق الفلسطينيين الألم، وقد "كان شاهدا على التدمير الكلّي للبيوت المتروكة التي تعود إلى هؤلاء القرويين" ـ (ص41)
وفي واحدة من أجمل الشذرات (بوريم ـ عيد المساخر) يربط المؤلف بطريقة بارعة بين المجازر التي ارتكبها الاحتلال وعيد المساخر الذي يتعلق بمخططات إبادة اليهود في التاريخ القديم؛ فهناك أرملة تتزوّج من صديق زوجها الراحل، وهو يخدم في الوحدة العسكرية نفسها، ويذهبان في رحلة إلى الهند. وفي الهيمالايا، وأثناء استراحة الغذاء، يقترب منهما طفل محلّي يعزف على آلة موسيقية، ويعزف "يانكي دودل" أي (الأمريكان الحمقى)، وهي الأغنية التي تسخر من الأمريكان "الذين يبدون مظاهر البلاهة فيما يعتمرون على رؤوسهم" ـ (الشيخ، ص107)؛ وعندما ترجع المرأة إلى الفندق، وتستمع إلى الأخبار التي تتحدث عن "أن رجلا، من بروكلين، في الخليل قد أطلق النار حتى الموت على عشرات الرجال وهم يصلّون في المسجد" ـ (ص50) ـ والمقصود هنا باروخ غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في 25-2-1994 وقتل 19 فلسطينيا قبل أن يقتل، ثم اشتبك الجيش الإسرائيليّ مع المصلين ليرتفع عدد القتلى إلى 50 شهيدا، وذلك في عيد المساخر اليهودي. وتظهر براعة شيلاح الكتابية في مقدرته الكبيرة على ربط عيد المساخر اليهودي بعزف طفل هندي أغنية (الأمريكان الحمقى) مع خبر ارتكاب المجزرة ضدّ المصلين الفلسطينيين من قبل رجل يعتمر قبعة، وهو قادم من أمريكا.
وفي شذرة (النهاية) يتهكم الكاتب على مبادئ الحركة الصهيونية التي عملت على إنشاء الكيبوتسات والموشفات (القرى التعاونية)، لتمكين اليهود المهاجرين من الأرض وتمتين علاقتهم بها؛ فالشذرة تتناول شخصية مهاجر قادم من وارسو، يعطى قطعة أرض، ويزرعها لمدة ثلاثين عاما، حتى "صار يقدّر الحياة الرعوية حدّ أنه قال إنه طوّر إحساسا بأن الأرض تتملّكه، قاصدا... نوعا من الإحساس بأنه يمتلك الأرض". وبعد سنوات، باع المزارع المنتمي للأرض، "ما صار يسميه حقله لأحد المستثمرين"، لأنه أقتنع في النهاية، بأن الجميع "ينحني أمام الجشع" ـ (ص53)؛ فالمسألة لم تكن سوى إيمان زائف بالأرض المقدسة، والاستيلاء بالقوة على أرض الغير بمساعدة الدول الاستعمارية، ما هو إلا تعبير عن الجشع الذي يفعل أيّ شيء مقابل الثروة، ولم يكن التسلح بالكتاب المقدس إلا وسيلة ناجعة للاحتلال.
وفي شذرة (مياه مسروقة) يتحدّث الكاتب عن سرقة الأرض الفلسطينية وطرد سكانها إلى خارج الحدود، فيقول إنه وأصدقاؤه خرجوا (للتمشّي بين بيوت الحجر القديمة ـ طراز الطالبية، الحيّ الأغلى في القدس، حيث سكن العرب مرّة، وكانت عائلة (إدوارد) سعيد واحدة منهم، قبل أن نلقي بهم إلى الخارج" ـ (ص58). وقد استقر سعيد في أمريكا وقضى عمره مدافعا عن فلسطين وعن الشعوب المظلومة، وفضح ألاعيب الاستعمار في كلّ مكان من العالم في كتبه (الاستشراق) و(الثقافة والإمبريالية) وغيرها، وتعرّض للهجوم والنقد من اللوبي الصهيوني في أمريكا ومن لفّ لفهم حتى وفاته.
وعن نهب الأرض وسرقة أسماء القرى والبلدات الفلسطينية في محاولة لطمس أي وجود للثقافة الفلسطينية، يحدثنا شيلاح في شذرة (نقطتان) قائلا: بينما هو في سيارة تاكسي، مرّوا من طريق جميلة كجنة عدن، وأزعجهم وأفسد متعتهم أحد الركاب الذي يعمل كرسام خرائط، أخذ الحديث من الجميع، وقال: "إنه لم يكن ثمة نقطة واحدة أزيلت فيها كل الأسماء من الخارطة القديمة ورسمت فيها الخارطة الجديدة بالأسماء الصهيونية الجديدة". ونظر الركاب إلى السفوح و"البيوت المتناثرة ذوات أسطح القرميد (الواقعة) تقريبا على قمة الجبل. وقال، قرية بيت ثول، على سبيل المثال، تم تغيير اسمها إلى نطاف في العام 1982، حين عرضت أرضها وأنقاضها في المزاد العلني من قبل الدولة" ـ (ص60). ويتحدث شيلاح مواربة هنا عن المجازر والتطهير الذي مورس على الفلسطينيين، وعن هدم بلداتهم وقراهم على رؤوسهم. وفي أواخر الأربعينيات صدر قرار بإبقاء بعض القرى كما هي. ويستمر رسام الخرائط بالحديث قائلا: "على الرغم من أن العدد الدقيق للقرى والبلدات التي أفرغت من أهلها تلك السنة لا يزال يثير سجالات بحثية"، وبغتة لفتت نظره قرية أخرى، هزّ رأسه وقال: "هذا الموضع لا يزال معروفا باسم أبو غوش" ـ (ص61). وهنا يتضح فشل سلطات الاحتلال في طمس الوجود الفلسطيني الذي لا يغادر، بل يستمر في التوالد، فرغم كل محاولات سرقة الآثار، وحتى الأكلات الشعبية، لم ينجحوا في إزالة آثار الشعب الفلسطيني.
ويتناول شيلاح في شذرة (مفاجأة) التدليس التاريخي، ومحاولة خلق تراث بدويّ للإسرائيليين القدماء، فيتحدث عن زيارته وأصدقائه لمتحف التراث البدويّ، الذي تعرض فيه خيمة من شعر الماعز، ومحراث خشبي، ومقتنيات حديثة من الستينيات والسبعينيات. وهذا المتحف أقيم حسب الكاتب لتوضيح "كيف عاش أسلافنا الرعاة القدماء". وكانت المفاجأة برؤية زميل دراسة لأحد أصدقائنا يجلس في الخيمة "يدقّ حبوب القهوة في الجرن بالمهباش"، وعند سؤاله، ماذا يفعل هنا؟ قال: "أنا الشيخ المناوب" ـ (ص66).
وفي شذرة يقول المترجم إنها حقيقية (الدليل الجيد)، يتحدث شيلاح عن قريب لإحدى زوجاته ألف دليلا للرحلات لا يتضمن أي شيء عن فلسطين والفلسطينيين، فالدليل السياحي الجيد، يتكلّم عن قرى فارغة، وبيّارات مهجورة، ومبان قديمة، ولا وجود حقيقياً للفلسطينيين، وهذا الأمر متجذر في عقول كثير من الإسرائيليين. ويقول الراوي في القصة إن الدليل "لا يتطرّق إلى ما نعرفه جميعا" ـ (ص69)، من أن هنا كان يعيش شعب عريق له إنجازاته، ويقاوم محاولات نفيه وتغريبه.
وفي شذرة (عادة) يتحدّث الكاتب عن تأثير الآخر الفلسطيني على الأنا الإسرائيلية: ففي رحلة تقوم بها عائلة خارج البلاد، تسمع عبر الإذاعة عن مدينتهم وقنبلتين، وكان البثّ مشوشا لوجودهم في غابة، فلما رجعوا إلى الفندق شاهدوا الأخبار. يقول راوي القصة: إنهم شاهدوا "صورا من السوق القريبة جدا من بيتنا. اتصلت أمنا بالجيران وبصديقتها، إذ إن القنبلتين قد انفجرتا في ذات اليوم في الأسبوع والتوقيت الذي تخرج فيه عادة مع صديقتها للتسوق" ـ (ص70). وبعد التأكد من أن جميع الأقارب بخير، عادوا إلى حوض الاستحمام. إنها العادة المتمكّنة في النفوس في المجتمع الإسرائيلي.

تعليق عبر الفيس بوك