أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (11)

د. عمر هزاع – دير الزور - سوريا


في هذه الحلقة سنتناول الحديث عن علامتين فارقتين في المرحلة المدنية خاصة وفي الدعوة النبوية عامة, وهما,  المؤاخاة بين المسلمين, ومعاهدة تحالف المسلمين, ونبدأ بأولاهما:
(المؤاخاة بين المسلمين)
عَصائِبُ الحَقِّ ؛ أَوتادٌ تآخيها
                             مُهاجِرونَ وَأَنصـــــارٌ ؛ رَواسيها *100
مُناصِرُوها  مِنَ الإِيثارِ  أَمثِلَةً
                            بِالجُودِ قَد ضَرَبُوا , وَالخَلقُ جاديها *101
أَمَّا المُهاجِرَةُ ؛ العِرفانُ دَيدَنُها
                            فَبِالقَاعَةِ قَــــد رُدَّتْ طَــــــــواريها
فَـابنُ الرَّبيعِ لَهُ في الجُودِ عارِبَةٌ
                         وَلـِابنِ عَوفَ جَزيلُ الشُّكر ؛ يُعفيها *102
وَنِدُّها مِن " قَسيمِ النَّخلِ " نادِرَةٌ
                          مَؤُونةٌ وَثِمــــارٌ  عَن تَراضيـــــها *103
في هَيأَةِ الفَردِ أَبداها الإِخاءُ , وَما
                           مِن أُمَّــــــةٍ ســـــادَها , إِلَّا وَيُبديها
تِلكَ المُؤاخاةُ كانَتْ حِكمَةً طَرَحَتْ
                            - مِنَ الثَّقالَةِ - كِفلًا عَن مُعانيـــها
بِها تَدَفَّقَ يَنبُوعُ الشَّريعَةِ عَن
                          وَحيٍ – إِلى تُرجُمانِ الغَيبِ  – يَنميها
لِكَي تَصيرَ لِدِينِ اللَّهِ قاعِدَةً
                          مَعَ النَّمــــارِقِ  قَد بُثَّتْ  زَرابيــــــها
بِناءُ مٌجتَمِعِ الإِسلامِ يَشغَلُها
                           لِيَستَبينَ عَلى الأَديــــانِ , باديــــــها
  ***

 (معاهدة تحالف المسلمين)
رَكيزَةٌ بِنقاءِ الذِّهنِ يُرسيها
                       مِن واقِعِ الحَدَثِ الجُلَّى يُنَجِّيها
بِحِنكَةِ القائِدِ المَيمُونِ يَحبِكُها
                        وَهِمَّةِ البَطَلِ المِقدامِ يَمضيها
مِيثاقَ حِلفٍ ذَكِيٍّ في مُعاهَدَةٍ
                      بُنُودُها كَشَفَتْ عَن " دِبلُوماسِيها "
    نَصًّتْ عَلى :
(( إِنَّ لِلإِسلامِ مُكتَسَبًا مِنَ القِيادَةِ , وَالتَّشريعَ قاديها  , وَإِنَّهُم أُمَّةٌ - في الدِّينِ – واحدةٌ , وَكُلُّهُم - في السِّوى – فادٍ لِعانيها , لا يَنصُرُونَ أَخا شِركٍ , وَمَجمَعَهُم عَلى التُّقى ضِدَّ باغيها وَطاغيها , وَإِنَّما ذِمَّةُ الإِسلامِ رابِطَةٌ - في السِّلمِ كالحَربِ - مَعقُودٌ تآخيها , وَإِنَّ مالَ " قُرَيشٍ " لا جِوارَ لَهُ , وَلِلمُهاجِرِ حَقًا في تَقَصِّيها , وَقَتلَ مَن كانَ فيها مُؤمِنًا فَجَزاؤُه الحَياةُ قِصاصُ القَتلِ يَجبيها , وَإِنَّ ما اختَلَفُوا فيهِ , لِخالِقِهِم    مَرَدُّهُ , وَرَسولِ اللَّهِ < يُرسيها > )) *104

سِراجِ لَيلِ الدُّجى الوَهَّاجِ ؛  مُوقِظِها
                                   مُذَكِّــــرٍ مَن تَناســاها , وَنُسِّيها
بِعَسجَدٍ مِن حَكيمِ الذِّكر , أَحرُفُهُ
                            - عَلى حَريرِ النُّهى - الخَلَّاقُ يُوحيها
فَتِلكَ فَترَةُ وَحيٍ مِن خَصائِصِها
                             تَثبيتُ أَركانِـــها , حَـــــتَّى يُثَبِّيـــها
دِينًا , وَدُستُورَ أَحكامٍ تَرابُطُها
                             أَغنـــى الشَّــــريعَةَ عَمَّن لا يُواليها
تَرَفَّعَت عَن خَيالِ الهَرطَقاتِ , وَما
                             لَها  استَطــــاعَ الوُجُـودِّيُّونَ تَعتيها
سَناؤُها مِن شُعاعِ الحَقِّ مَنشَؤُهُ
                             وَقِسطُـــها مِن مَزايا عَدلِ مُنشيها
فَلا طَريفَ إِذا ما تَمَّ تالِدُها
                             يَزيــــدُ رَميَةَ رامٍ في تَراميــــــها
وَلا أَذَى شُبُهاتِ المُحدِثِينَ إِذا
                             تَعَمَّدُوا البِـــدَعَ النَّكــــراءَ يُؤذِيها
نَفائِسٌ تَهَبُ الأَزمانَ ضابِطَةً
                             مِنَ الحَقيقَةِ , ما أَزبَتْ سَواحيها
ما ضَرَّها مِن دَعِيِّ الفِكرِ فَلسَفَةٌ
                              وَلا تَنافَسَـــــها عِلمٌ يُعاليــــــها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
عصائب (جمع عصابة) وهي جماعة الناس و الخيل و الطير و ما يعصب به و يضم به \جادي : من يطلب الجدوى أو العطية \ طواري (طوارئ) \ عاربة : نهر كثير الماء , غامر ( وهنا المقصود به الجود و العطاء) \ ينمي : أذاع الحديث و رفعه و نسبه و بلغه \نمارق: وسائد و مرافق للاتكاء \ زرابي : ما بسط و اتكئ عليه من الطنافس و السجاد \ بادي (ظاهر , بين)
ينجي: يحرر ويخلص \ يَمضي: يتابع المسير (يمضي إمضاء: يوقع) \ دبلوماسي : الحاذق في السياسة \ قادي : قائد \ السوى : عدل , و سط , قصد , غاية , سواسية \ عاني : أسير
عسجد: ذهب \ يثبي : يجمع \ هرطقات : جمع هرطقة : البدعة في الدين \ الوجوديون (جمع وجودي ) : من ينتمي لمذهب الوجودية وهو مذهب فلسفي يقول أن الإنسان وجد أولا وجودا شبه ميتافيزيقي أو ما ورائي و هو يخلق نفسه بعمله وبني هذا المذهب على آراء الفيلسوف الألماني هايدجر و الدنماركي كيرك جارد و غيرهما ... \ تعتيه : إضعاف العقل بشكل مكتسب غير وراثي و كذلك العته هو الإيذاء و الولع بالضرر \ مُنشي ( مُنشئ ) \ طريف: جديد وحديث ( وغالبا يقصد به الكسب أو المال أو الغنى ) \ تالد (ضد الطريف) وهو القديم العتيق \ المحدثون (جمع محدث) : من يخترعون البدع \ أزبى : ارتفع و علا و طما ( المد أو السيل ) \ سواحي (جمع ساحية) وهي السيول المقشرة الحاتة أو الأمطار الشديدة المسبة للسيول و المقشرة للأرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
*100 : آخى الرسول – صلى الله عليه و سلم – بين المهاجرين و الأنصار في دار أنس بن مالك على المواساة و التوارث بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر حيث أنزل الله ( و ألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) الأنفال (75) , فرد التوارث دون عقد الإخوة \\ زاد المعاد 2(56)
*101 : فقه السيرة ص (140-141)
*102 : روى البخاري أنهم لما قدموا المدينة آخى الرسول بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع فقال لعبد الرحمن : إني أكثر الأنصار مالا فاقسم مالي نصفين و لي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها , قال : بارك الله لك في أهلك و مالك , و أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا و معه فضل من أقط و سمن ثم تابع حتى جاء يوما و به أثر صفرة فقال النبي : ( مهيم ؟ ) فقال : تزوجت , قال : ( كم سقت إليها ؟ ) قال : نواة من ذهب
المرجع : صحيح البخاري باب إخاء النبي بين المهاجرين و الأنصار 1(553)
*103 : روي عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار للنبي : اقسم بيننا و بين إخواننا النخيل , قال : ( لا ) , فقالوا : فتكفونا المؤنة و نشكركم في الثمرة , قالوا : سمعنا و أطعنا
المرجع : صحيح البخاري باب إذا قال اكفني مؤنة النخل ... 1(312)
*104 : عقد الرسول – صلى الله عليه و سلم – معاهدة بين المسلمين أزاح بها حزازات الجاهلية و نزعاتها القبلية وهذا مختصر بنودها :
هذا كتاب من محمد النبي – صلى الله عليه و سلم – بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم :
- أنهم أمة واحدة
- مهاجرو قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم و يفدون عانيهم بالقسط و المعروف و كل قبيلة من الأنصار مثلها
- المؤمنون لا يتركون مفرمًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل
المؤمنون على من بغى عليهم بظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين
- أيدي المؤمنين جميعا على من بغى عليهم ولو كان واحدا من أولادهم
- لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر
- لا ينصر مؤمن كافرا على مؤمن
- ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم
- التابعون اليهود لهم النصر و الأسوة غير مظلومين و لا متناصر عليهم
- سلم المؤمنين واحدة ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء و عدل بينهم
- المؤمنون يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله
- لا يجير مشرك مالا لقريش و لا نفسا و لا يحول دونه على مؤمن
- من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول
- المؤمنون عليه كافة
- لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثا و لا يؤويه و إلا فعليه لعنة الله يوم القيامة و لا يؤخذ منه صرف و لا عدل
- مهما اختلفوا في أمر فمرده لله عز وجل و لنبيه صلى الله عليه و سلم
المرجع : ابن هشام 1(502-503)

تعليق عبر الفيس بوك