وعندما نأتي لنتحدث عن شعر العلامة محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - أقول إن ما تركه من إرث شعري يعد ضخما للغاية يجعله في صدارة شعراء العربية وأحسب أنه يستحق أن يطلق عليه لقب شاعر الدنيا إذ لا يوجد نظير لمنظومته سلاسل الذهب التي يبلغ عدد أبياتها مائةً وأربعة وعشرين ألف بيت إلا أنه مع هذا كله غلب عليه اهتمامه بالعلم الشرعي أزيد من عنايته بالشعر وعرفه الناس بالفقيه المجتهد اكثر من كونه شاعرا متمكنا وهذه الثروة الشعرية الهائلة سخرها لخدمة العلم فجعل منها وسيلة لنظم العلوم في قالب شعري حتى يسهل حفظها ويثبت معناها ويعلق في نفس المتعلم وهو ما عبر عنه بقوله في مقدمته على سلاسل الذهب مفندا السبب الداعي إلى وضع هذا الكتاب نظما حيث يقول:
لأنما النظـــم علــى الأسمـــاع
أشهى واأرجى أن يعيه الواعي
وقفات مع شعره:
قرض العلامة محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - الشعر في مختلف أغراضه وشعره جزل فصيح وله أبيات هي من غرر الشعر العربي وله في شعر الحكمة والزهد والمواعظ قصائد بليغة أبان فيها عن موهبته الشعرية ومن بليغ شعره قصائده في فتوح الإمام الخليلي حيث كان شاهدا على تلك الانتصارات وبصحبة الإمام الخليلي في بعضها فجادت قريحته بأبيات في غاية الجمال والعذوبة تحمل معاني الاستنهاض والمديح والوعظ والاعتبار وتعدد مآثر تلك المواقف المشهودة وتسجل أحداثها مكانا وزمانا وتشهد لرجالاتها بعظمة الإنجاز.
ومن جميل شعر العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - شعر المراثي وله فيه قصائد تنهض بمعاني جياشة لا تصدر إلا من قلب مكلوم وكبد حرى تفيض بمشاعر الحزن والأسى على الفقيد وهو يعدد مآثره ويستعرض سيرته في لوعة وتأسي .
وكمثال على شعر المراثي أعرض أجزاء من مرثيته في وفاة شيخة العلامة الكبير عبد الله بن عامر العزري المتوفى سنه 1358 هـ فقد استهلها بالحكمة واتبعها بالموعظة والتحذير من الركون إلى الدنيا والاغترار بها ثم أتى على ذكر خصال شيخه وتحدث عنه بحرقة الفقد وعظم الرزية وعدد مناقبه ومزاياه ولم يفته أن يلتفت إلى شيخه الآخر إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي فعزاه في مصيبته وصبَّره على الفجع الأليم . يقول في مطلعها:
نبأ له تهـــوي الجبـــال الراسيــه
والأرض ترجف والسماء العاليه
حكم الإلــه على البــــرية بالفـنا
فعلام نلهـــو والمـــــنايا عـــاديه
يا خاطـــب الدنيــــا رويدك إنـها
غــــدارة زهــــراتها متـــلاشــيه
اليــوم عنـــدك لهـــوها وكلامـها
وغدا لغيـــرك جيــدها والناصيه
ومما ورد فيها من معاني العظة والاعتبار قوله:
هذي المقـــابر كـــم بها مـــن ماجـــد
كانت تخـــــر له الــرؤوس العــــاتيه
أين الأولى ملكوا البــــلاد ودوخـــــوا
أقصى المغــــــارب والبــــلاد النائيه
أين الأولى عمروا القصور وزخرفوا
وجنـــــوا لذائذهــــــا وطيــب العافيه
أين الأكاســــــر والقيـــاصر والـذرى
من يعـــرب وبنو الملـــــوك الســاميه
ما هـــابهم داعــــي المنيــــة بل سطا
فابتزهم والعيــــــن منهــــــم باكـــــيه
خــــروا على أذقــــانهم قســــــرا ولم
تغن المعــــــاقل والحصــــون العاليه
ثم يعرج على ذكر خصال فقيده ويبرز مآثره الحميدة وسجاياه النبيلة فيقول:
أفنــــاهم ريب المنـــــــون كمثلما
أفنى فقيــــد الدين صــرف زمانيه
العـــالم العلـــم الفقيــــه المرتضى
ذو المكرمات وذو الخلال الزاكيه
عظم المصـــاب فــيا لها من نكبـة
في المسلمين لها المعــــاقل خاويه
خطــب له الأكوان ترجــف دهشة
والأرض تنحــب والزواخر هاويه
رزء أنـــاخ فكاد ينفــــطر الحشــا
فالعين قرحــــى والمدامـــع هاميه
أودى أبو يحيى فأودى الجود وانـ
ـطمس الهدى فالسبل جـون عاميه
قـد كان موســـوما بكــل فضيــــلة
شهـــدت بذا حضــر الملا والباديه
والقصيدة مشحونة بالصور البلاغية والجمالية يقول في موضع منها:
والغيـث إن ضــن السماء بمـائه
يولي الجزيل بملء كف هاميه
ماضي العزيمة صادق في وعده
صافي الطوية زاهد في الفانيه
حــبر له العلمــاء أمســت عــالة
من بحره غرفوا العلوم الباقيه
ملأ الصدور بلمعة من نـــوره
فغـدت بصائرهــم به متــلاليه
قـــد كان يحيي ليلـه متهجــدا
والغافلــون على أرائك عاليــه
فسل المساجد والمحاريب التي
قــد كان حالفــها زمان العافيه
هل بــات إلا خاشــعا متبتــلا
والليل داج والمصــائب طاميـه
ويظهر عظمة شيخه ومكانته في أبيات أخال أنها أجمل وأروع وأبلغ ما ورد في مرثيته هذه حيث يقول:
مــا كل مفقـــود يحـق له البـكاء
كـلا ولا كل الفقــائـد شــاجيـه
كم بين من تبكي السموات العلا
لمصابه وترى الكواكب هاويه
وفتى يموت فمـــا يثير لأمـــه
حــزنا ولا تبكي عليــه باكيـــه
ولنطالع مرثية أخرى له حيث ألم الفقد وحرقة البين وآهات الفراق على فلذة كبده ولدِه نبهان فلننصت إليه وهو يعدد صفات الممدوح في أسى ولوعة يقول في مقطع من مرثيته مخاطبا الفقيد الغائب:
أنبهــان قــد ألقيــت في القلــب جمــرةً
وفي العين دمعا لا يزال بها يجري
أنبهـان قد أضــرمت بي كمــدا فلا
يـزال علـى قلبي أحــرَ من الجمـــر
أنبهـــان قـــد أورثتني حــزنا فــما
لجرحي من آس وكسريَّ من جبر
أنبهــان ما إن من تــلاق ورجـعــة
إلى يــوم نلقى الله في موقـف الحشر
أنبهان لا أنساك ما عشت لو مضت
سنــون وأعـوام ولو طال بي عمري
أنبهان من يسعى كمسعاك من فتى
يقـــوم مقامـــا قمــته لي فـي أمـري
لقد كنت لي عينــا وكفــا وســاعدا
وكنت معي في كل عسر وفي اليسر
وكنــت إذا أمـــر مهــم ألـــمَّ بــي
نهضت معي بالحزم والعزم والصبر
ويستمر هذا الدفق من الحزن الأبوي تجاه فقيده الغالي كما في مرثيته الأخرى حيث يقول:
كل عيش من بعد نبهان مــر
ويسارِ من بعد نبهان عسر
وسرورٌ من بعد نبهان حزن
وكثيـــرٌ من بعـد نبهان نزر
عركتني الأيام عركا عنيفا
فإلى الله مرجعــي والمفـــر
وما له إلا التسليم لقضاء الله والرضا بحكمه وعدم السخط على سنن الله الكونية في الخلق وهو ما عبر عنه بقوله:
كل شـيء أراده الله يقضى
والليــالي تمــر رفعا وخفضا
والمقادير جــاريات علينا
نظهر السخط أو لذلك نرضى
نســأل الله لطـــفا وعونـا
وانتصارا على العداة وقبضا
ولنتناول الآن جانبا آخر من أغراض الشعر عند العلامة محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - وهو جانب الاستنهاض في شعره استنهاض الأمة واستنهاض الرجال للذود عن الحمى المصون وللذب عن حرمات الدين ومقدسات المسلمين. وله في هذا الجانب شعر في غاية السبك ومتانة الوضع وبراعة الاستهلال من قبيل قوله في فتح عبري سنه 1359هـ:
دعيني وغضي الطرف يا أم عامـر
فعيس الهدى قد أقبلت بالبشائر
وأصبح دين الله في الأرض مشرقا
له علـــم يعشــــو له كلٌ ناظر
ودين الهـــوى أمسى طريحا بهوة
صريــعا على أذقانه والحنــاجر
ويعرج فيها على ذكر الممدوح وبيان خصاله التي مكنته من هذا الفتح المبين فيقول:
متى قام مقــدام الحــروب ونـارها
سلالة غصن من هلال بن زاهر
هزبر له باس الكماة وهمة الملوك
وصــولات الليـــوث الكواســـر
تلقى المعـــالي من هنـــاة ومـــالك
وفهم وقحطــان بن هــود وعابر
تـرقى إلى عبــري وكانت منيعة
بأبنـــاء يعقــوبَ الســراةِ الأكابر
فألقت إلى أمــر الخليـلي طوعها
وحازت بهذا الشان أسنى المفاخر
ويختتم قصيدته مخاطبا شيخه إمام المسلمين محمد بن عبد الله الخليلي مهنئا له بالفتح ومبشرا له بالانتصارات القادمة وداعيا إياه إلى إظهار العدل في كل موضع يقول رحمه الله:
إمامَ الهدى ألقت لك السر أمرها
ألا إن فتــح السر خـيرٌ البشائر
فســر لهم في جحــفل متلاطـــم
خمـيس لهام زاخــر أي زاخـــر
يسيل على سهل الفــــلا وحزونه
يسيــر بتوفيــق مــن الله صــادر
فأظهر منار العدل في كل موطــن
وطهر بقاع الأرض من كل ماكر
عسى رايةٌ الإسلام يخضر عودها
ويسطع نورٌ الحق فوق المنــابر
ومن روائع شعره قصيدته في حرب ستال سنة 1356هـ أظهر فيها تمكنه من ناصية الشعر وطول النفس مع الحفاظ على قوه السبك وترابط المعنى والقصيدة أبياتها تربو على المائة بيت يكفي منها هذا الاستهلال الرائع حيث يقول:
لاح فجر السعــد يجلــو الظلمـا
ومحت شمسٌ الهدى ليل العمى
وسمـــا الحـــق إلى هــام السما
فهوى البطل صريعــــا وارتمى
يا حســـودا لبني الإســلام مـت
كمـــــدا وابـــك دمـــوعا ودمــا
دولــــة قومـــــها الله ومــــــن
ذا الذي يصــــرع مــا قد قومـا
من ينــاوي الله والـــدين الهــدى
آض مجـــزول المــطا مصطلما
إن من يغـــرس غــدرا يجــتني
خيبــــة منـــــه ويجنـــــي نـدما
كل من بالبغي يسطو والهوى
ســوف يهوي لو تنـــاهى عظما
وبراعه الاستهلال هذه تكاد لا تفارق أغلب قصائده ونجدها متكررة لا سيما في شعر الاستنهاض ومن ذلك تائيته الرائعة في وقعة السليف سنه 1359هـ حيث افتتحها بقوله:
طرق المعالي أصعب الطرقات
والمجد كل المجد في العزمات
لو كان نيل العــز سهلا لــم يكن
بين الأنـــام تفــــاوت الدرجـات
كل يحـب المجــــد لكـــن دونه
غصص تذيب الصلد والصفوات
المجـــد بالإقـــدام لا بمطاعـــم
ومــــآكل ومشــــارب وسبـــات
أو باحتســـاء مدامــة كــلا ولا
بوصــــال غانيــــة ولثـــم شفات
من سره في أن يعيش منعمــا
بين الغـــواني الخــــرد الغضـات
فلينأ عن رتب المعالي جانبا
لــيس المعـــــالي بالأمـــاني تاتــي
لكن ببذل النفس في غصص اللقا
والخوض كل الخوض في الغمرات
من كان للهمم الأبية لابسا
متـــدرعا بالجـــــد والعــــــزمات
فهو الفتى النجد الذي تعنو له
طوعــــا رؤوس العـــــز منقـــادات
والقصيدة طويلة مشحونة بالحكم والمواعظ. ومن فصيح شعره في الاستنهاض تلك القصيدة الغراء التي خاطب فيها أهل عمان في فتره من أشد الفترات تأزما وخطرا على البلاد يدعوهم فيها إلى لم الشمل ونبذ الفرقة ويذكرهم بماضيهم العريق يقول في مطلعها:
عمان انهضي بالمكرمات وفـاخري
فإنــك تـــاج للــعـــلى والمـــــــآثـر
وإنك مهـــد للفضــــائل والنـــــدى
وللمجــــد من أيـــام هـــود وعـــابـر
بنى لك هـذا العـــز والمجــد مالك
بعــــزم مقــــدام وهمـــة مـــــاهــــر
أتى نجل فهــــم والسعـــود تحفه
عمـان بجمـع مـــن ليــــوث قســاور
فخلصها من وطأة الظلم والأذى
ببـــــاس وإقــــدام وعـــزمة قــادر
فألبسها ثوبا من العـــز أبيضــا
بأيــــام ســــود خلـــدت للمـــآثــــر
ويتعدى استنهاضه الأمة لتأخذ دورها وتستعيد مجدها حدود الوطن الغالي فكل بلاد الإسلام وطن والمسلمون أمة واحدة ولهذا عندما شن العدو الثلاثي حربه على مصر إبان أزمة السويس صدح والدي رحمه الله بلامية اكبر فيها الزعيم المصري جمال عبد الناصر وحيا مواقفه البطولية يقول فيها:
لله يومــك يا جمــــال
يا من له الشرف الكمال
يا ناصـر الإسلام يـا
حــامي الجــزيرة والقنال
يا رافعا علــم الديانة
فــوق هامــات الضــلال
فبك العروبة تنتمي
شــرفا وعــزا في المــآل
ومن فنون الشعر التي أجادها العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - فن التخميس وكمثال على تمكنه في هذا الفن أورد له تخميسا لأبيات العلامة الزمخشري في طلب العلم وهي أبيات مشهورة خمسها كثير من الشعراء يقول الإمام الزمخشري:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصه
أشهى وأحلى من مدامة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى مــن الــدوكاة للعـــشاق
وألــذ من نقـــر الفتـــاة لدفها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نومـــا وتبغي بعــد ذاك لحــاقي
وهذه الأبيات الرائعة صاغها العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي في قالب خماسي لا يقل روعه وجمالا عن الأصل يقول رحمه الله:
لما رأتني كالحسام الفيصل
أسمو إلى نحو المقام الأكمل
أخذت تؤنبني فقلت تمهلي
سهــري لتنقيح العلوم ألذّ لي
من وصل غانية وطيب عناق
والغوص في ظلم الدجى لنصوصه
وتطلبي لعمومه وخصوصه
والكدح طول العمر في تلخيصه
وتمايلي طــربا لحل عويصه
أشهى وأحلى من مدامة ساقي
وتتبع الأقوال من أعماقها
والفكر عن مكنونها وغلاقها
والبحث للآراء من آفاقها
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاة للعشاق
وتأملي آي الهـــدى مع وقفــها
والبحث عن إثباتها أو حذفها
أحلى من العسل اللذيذة رشفها
مــن نقـــر الفتــــاة لدفـــــها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا حاســـدا حنــقا لما أوتيته
أحيي ظلامي جاهدا وتميته
وأظل عمري ساهرا وتفيته
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
ومن هذا القبيل معارضته لأحد الأشاعرة في بيتين له عقب عليهما الشيخ سفيان بن محمد الراشدي ثم جاراهما الوالد والبيتان هما:
كن عين جيلك أو كن من أفاضلهم
وعدَّ عن زمن بالجهل مطموس
وما عليك إذا لم ترق مرتبتي
أبي حنيفة والحــبر ابن إدريــس
وقال الشيخ سفيان:
كن عين جيلك في علم وفي عمل
أو من أفاضلهم في الجد والباس
ومــا عليك إذا لم تــرق مرتبـتي
أبي عبيـــدةَ أو بلـــجِ ومــرداس
وقال العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي:
كن عين جيلك بل إنســان مقلته
في العلم والحلم والإفضال والباس
وما عليك إذا لم ترق حيث رقى
أبــو سعيـــد وبلـــجٌ وابنٌ عبــــاس
ولما وقف - رحمه الله - على بيتين فيهما دعوة صريحة إلى السقوط الأخلاقي والتمرد على قوانين الشرع أبى إلا أن يرد على قائلهما ويفضح دعوته تلك ويكشف للناس عوارها والبيتان اللذان وقف عليهما:
إنما العيشٌ خمسةُ فاغتنمها
واتخذها نصيحةً من صديق
من سلاف وعسجد وشباب
وزمان الربيـــع والمعشوق
فقال العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - معارضا له ومستهجنا قوله:
إنمــا العــيشُ خمسةُ فاغتنــمها
واتخـــذها نصيحـةً من صـديـق
طلب العلم والتقى وجهاد الكفـ
ـر بـذل النــدى أداء الحقـوق
فهي أحلى من السلاف الرحيق
فاحمل النفس ما استطعت عليها
ودع اللهو والمجون وشرب الـ
ـراح واللثم من فم المعشوق
تـلك حــال والله لا يرتضــــيها
غيرٌ نذل وساقطٌ في الطريق
ومن ألوان الشعر الذي أجاد فيه الشيخ العلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - ما يعرف بالاخوانيات هذا اللون من الشعر يصور العلاقات الاجتماعية بين الشعراء وممدوحيهم أو بينهم وأصدقائهم وهو باب واسع يشتمل على التهنئة والاعتذار والعتاب والشكوى والصداقة والود وما إلى ذلك من هذه المعاني الواسعة التي تربط بين بعض الناس وبعض.
و للعلامة الشيخ محمد بن شامس البطاشي - رحمه الله - قصائد عديدة تحت هذا اللون الشعري الجميل أذكر منها هذه القصيدة التي عارض بها قصيدة الشيخ محمد بن عمرو بن عدي البطاشي وكان قد أنشأ قصيدة خاطب فيها العم عدي بن شامس البطاشي إبان عمارة الأعمام والوالد لبلدة المنثقب بوادي العربيين بقريات سنة 1364هـ ومما جاء في قصيدة الشيخ محمد بن عمرو:
يا صاح صاحب من ركب
وازمم من النوق النجب
أبلــــغ ســــلامـي إخـــوة
أهــل المعـــالي والــرتب
أبلـــــغ عـــديـــا أنـــــه
رام الصـواب ولم يصب
أفنـــى عـــزيز حـــياتـه
وثمينـــها فـي المنـــثقب
دار يــــــذم نــزيلـــــها
وسكونـــها فيـــه العتــب
مسفاتكم فيـــها الغـــنى
تكفـــيك عن ذاك التعـــب
لو كان خيرا ما سبقت
إليــــه يا زاكــي النســــب
فأجابه والدي نيابة عن أخيه عدي جوابا طويلا جاء بدأها بقوله:
قولا لذي القلب المحب
اصبر قليلا وارتقب
ترى ما يسرك من عجب
ومن أشهر قصائد العتاب تلك المساجلة المؤطرة بمعاني الود والشوق والحنين إلى الوطن والأهل بين الوالد وابن عمه الوالد خالد بن مهنا البطاشي الذي ابتدأ هذه المساجلة بقصيدة عتاب بعث بها من مقر إقامته بحصن سمائل وكان آنذاك واليا عليها للإمام محمد بن عبد الله الخليلي والقصيدة طويلة ومما جاء فيها:
محــمد مـــالي والخطـــوبِ النـوائب
ومالي وإدمــان الســرا في الســباسب
أكلـــف نفسي مــا يهـــول اتقـــاءه
كـــواهل رضـوى من عظام المطالب
بعـــاد وتفــريق وصـــد وجفـــوة
فيــاليتها بينـــي وبيـــن الجـــــوانــب
وهجرك مما يورث القلب حسرةً
وأشجى الشجى هجر الكرام الأطايب
وحسبك طردٌ الرحل عن خير بلدة
وصـــرمٌ وصــال من حقوق الأقارب
وهضبــة مجــد في معــاني وطية
تنــازل عنـــها ساميـــات الكــــواكب
فأجابه الشيخ العلامة البطاشي - رحمه الله - جوابا طويلا ومما جاء فيه:
أخالد إن الــدهر جـــم العجـائب
وإني قد مـــارست كل النــوائب
فمـا أوردتني مــورد الـذل مرة
ولا أنزلتني عن علا من مراتب
فإن كنت قد لاقيت فيها صعوبة
فإن طريق الخير صعب المراكب
