نقض شرعيّة "وعد بلفور" بالأدلة القانونيّة

إعداد: فاتنة الساعي - غزة - فلسطين


لقد اعتبرت الحركة الصهيونية العالمية "وعد بلفور" المزعوم وثيقةً قانونية تستند عليها في ساحات القانون الدوليّ، والمنظمات الأمميّة في المطالبة بإقامة "دولة يهوديّة" لمجموعة من شذاذ الآفاق نزحوا من كل حدب وصوب إلى فلسطين بدعم بريطانيّ وأمريكيّ، دونما الاستناد إلى أيّة جذور حضاريّة أو ثقافية أو حتى تشريحية، وأُحفُوريّة تربطهم بفلسطين سمتًا وكينونةً، وعِرقًا أو لونًا. ومن حق الجميع حول العالم – وليس العرب فحسبُ – أن يتساءلوا: هل لهذا التصريح الصادر من وزير في حكومة الاحتلال البريطانيّ أهليّة قانونيّة؟
ولكل سائل أن يحصل على إجابة قانوية كافية تشفي غليله، وتروي ظمأه من عين الحقيقة. فقد أجمع رجال القانون الدوليّ، وسدنة الشريعة الإنسانيّة حول العالم على عدم شرعية (وعد بلفور) وساقوا البراهين التالية:
أولاً: إن التصريح ليس معاهدةً وليس لهذه الرسالة أية قيمة قانونية باعتبار أن وعد بلفور يمنح أرضاً لم تكن لبريطانيا أيّة رابطة قانونيّة بها، فبريطانيا لم تكن تملك فلسطين وقت إصدارها هذا التصريح. فالقوات البريطانية احتلت الأراضي الفلسطينية بشكل تدريجي بدءًا من غزة في 7 نوفمبر عام 1917م، ثم احتلت يافا في السادس عشر من نوفمبر من العام نفسه، وبعدها احتلت القدس في التاسع من ديسمبر من العام نفسه أيضاً، وحتى ذلك الوقت كانت فلسطين جزءاً من ولايتي طرابلس وبيروت التابعة للدولة العثمانية التي رفضت تصريح وعد بلفور، ولم تعترف بحق اليهود في فلسطين ولم يرض سكان فلسطين العرب بهذا التصريح وقاوموا مطالب الصهيونية. فالحكومة البريطانية بإصدارها هذا الوعد قد خولت لنفسها الحق في أن تتصرف تصرفاً مصيرياً في دولة ليست لها عليها أية ولاية وتعطيها للآخرين دون أن ترجع إلى أصحاب هذا الإقليم، مما يجعل هذا الوعد باطلاً من وجهة نظر القانون الدولي وغير ملزم للفلسطينيين.
 ثانياً: إن وعد بلفور تنعدم فيه الأهلية القانونية فطرف "التعاقد" مع بريطانيا في هذا الوعد هو شخص أو أشخاص وليس دولة، فـ(وعد بلفور) خطاب أرسله (بلفور) إلى روتشيلد وهو شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسميّ. ومن صحة انعقاد أي اتفاقية أو معاهدة دولية كما هو معلوم أن يكون طرفا أو أطراف التعاقد من (الدول) أولاً، ثم من (الدول ذات السيادة) ثانياً, أو (الكيانات السياسيّة ذات الصفة المعنوية) المعترَف لها بهذه الصفة قانونياً. أما التعاقد أو الإتفاق أو التعاهد مع الأفراد فهو باطل دولياً شكلاً وموضوعاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال امتداد أثر مثل هذا التعاقد بالنسبة لغير أطرافه وبالنتيجة فإنه ليس ملزماً حتى لإطرافه.
ثالثاً: إن (وعد بلفور) باطل لعدم شرعيّة مضمونه حيث إن موضوع الوعد هو التعاقد مع الصهيونية لطرد شعب فلسطين من دياره وإعطائها إلى غرباء، فإنه من أسس التعاقد الدولي مشروعية موضوع التعاقد بمعنى أن يكون موضوع الاتفاق بين الطرفين جائزاً و تقرّه مبادئ الأخلاق ويبيحه القانون وكل تعاقد يتعارض مع إحدى هذه الشروط يعتبر في حكم الملغى ولا يمكن أن يلزم أطرافه.
رابعاً: وعد بلفور هو اتفاق غير جائز بالمطلق ذلك أنه يجسِّد صورة انتهاك لحقوق شعب فلسطين وهذا يعتبر مخالفاً لمبادئ الأخلاق والقانونين الدوليّ والإنساني. ويرفض القانون الدولي انتهاك حق الشعوب في الحياة والإقامة في بلادها, وتهجيرها قسرًا.

تعليق عبر الفيس بوك