ضجيج الخيال

سماح البوسيفي - تونس

 

 (1)
ليس هناك مرآة لأجعَلكَ تشاهد وجهَكَ وانت تنظُر الى وجهي،
 لأن بيننا لغة انظر إليك من خلالها ممتعا جدا وتراني من داخلك ضمة أو قبلة أو نصا،
أكتُبُ من داخلي جملة،
 أحتاج فيها فعلا، لأخدش صدرك، وأنهش صمتك،
 ولا اكتفي بالوصف من بعيد.
 يخالجني فعل أول بائت ركيك ،
لم يفدني كثيرا في حياتي السابقة،
 ولم أكتب به نصوصا حقيقية ظل حزينا لأنه لم يدخلني ،
وضعته على رفه السابق ،دون أن انظر في عيون كتاب آخرين !
هم كتبوا صمتهم .وانا سأكتب لوحدي صمتى الغريب !
أنظُر،
 أستطيع أن أحرك التعبير من خلال جملة،
   لحظة تفوهي بكلمة صغيرة، تختصر ركض العالم  سنوات ضوئية ،
فأعود بالمجرة خلفي،
 و أنتظر التفاتة رحمة من رأسك لرأسي،
فتُخلقَ  المعاني كل مرة في  نص جديد..
كثيرا ما يشتد الحراك بيننا في الاوراق  .
حين يتحول العرس الابيض الى مشادات لغوية !
تبتدأ دوما المعركة  بلحظة حنو على رأس الورقة ،
هكذا نربت معا على رؤوس الكلمات،
هي شدَةُ أصابع فقط،
 وينزلق الاحساس من صدري كثيفا  نحو صمتك..
لحظتها   يتحول النص الصامت الى مقاتلَات بين اللغة والمعنى!
 فيصبح المكان بأكمله شَدة ورق،
 حينها سيفتض الشاعر بكارة الصمت بفاحش الكلام ..
فيتقاطر الدم أسود في الرؤوس و بين المفردات وحتى داخل الكلام !
  فتجلس اللغة كلها  عند باب النص فاتحة صدرها للمعجزات !!!!!
أشاهدُك
ترتفع من لغتي
كأن اللغة حينهَا
ضمةُ ،
صوتِك لصمتِي ..

(2)

*        طبعا،
حين كانت اللغة رابطا دمويا بين غرباء،
 قررت أن أكتب لأتعرف إلى أبناء دمي،
 الذين نثرتهم القصص والروايات و القصائد على أعتاب بيوتنا،
 في منتصف أسرتنا،
 بجانبنا  أفكار وتصورات .
 حتى كنتُ في أغلب الحكايات بطلا مرافقا،
 ومرات كنتُ أقتُل  البطل٠
 لأن البطولة حرب.
 و الكتابة حرب .
 والقراءة انتصار على الحرب!

    **        ذات حرب،
 كتبت نصا حازما ونظيفا
 احترم الهوامش التى تنام في الاسفل ،
لم يضحك لم يتنفس  ولم يتحرك ...
كان هناك سلام كبير  لا نثر التفت لماضيه ،ولا شعر قفز في السرد ،
 لم يدع مكانا شاغرا للخيال ،
بل صعد  من رأسي الى فوهة الورقة يَبرُق .

 انا وانت كنا  هناك معا  ،
انا شاعر  وأنت صوت الشاعر،
حين كنت واثقا من ان لا احد يلازمني في صمتي ،
 وأن الوحدة اختراع إلهي عظيم ،
تطلعتَ لوجهي وقلت لي واثقا من خوفي  نحن متشابهان !
لم أخف حينها  لكني ضممتك بعيني لقلبي ،
 حقا لن ينقذنا سوى هذا  الشعر .

***         هذا جيد اذا ,
ففي مقتبل نص ثان حدث خطأ لغوي انتبه له قراء كثيرون ،
حين أصطدم الشاعر بالقارئ وفكك حزنه فانقل المجاز الى جوار ربه
تصافحا ورتبا نصا جديدا الكاتب وقارئ الكاتب،
في قصيدته ضغط الشاعر على اللغة فانفجرت في قلب قارئها
نصا آخر،
تتبع الشاعر سطرا أولا فثانيا  تطلع للجمل غيرت طباعها ،
تركت مكانا لما لن يحدث أبدا !!!!
تكدس المعنى  جهة الخيال و تقدم فعل  عاطل عن العمل  ،
حين قال مجموعة من الغرباء في ذات نفس :
 "هذا النص لي"
سمعناها معا ...وأقفلنا النص وعدنا راجعين ,
هنا لن يتذكر النص أبدا  قائله.

حينها  فقط

ربت  الشاعر على جرح  تفتح في صدر قارئه ،
حيث خدشت الحقيقة خجله القديم ،
فنزل الشعر عن مصطبة الخيال و كشف عن مساوئ  الرجم والقتل والحساب،
حين تطلع في عيون فعل  أصاب بنظرة خمسين رأسا  ،
كل رأس فرخ نصا صغيرا !
 عندئذ انسحب النص من أوراقه زاحفا في  صدور القارئين!
يوجد الأن في داخل الشاعر نص وجمهور من المصابين .
حين تطلع كل قارئ لحزنه و نام في جملة  بمقاس جرحه!
تحولت كل  كلمة   لضميدة ،
وانت أيها  الشاعر  كنت فقط مجرد طبيب !!!

(3)

الحياة  التي رويتُها في سطر كامل تطلب عيشها نصا بأكمله!
حين ننظر في الاشياء الصغيرة ، سنعتذر عن المساحات الكبيرة،
 لأننا قاتلنا  احجاما لا تناسبنا .
في حروبنا الشخصية خسرنا كل ما لدينا لنحلم بما  قد خسرنا .
 سأجلس في الصف الاخير من حياتي وسأراقب في صمت ما سيحدث لها
فلا تدخلني حتى اخرج منك !
في الاخير سننتظر لقاء وحيدا ،
لنلتقي..
ومحض  نص لنفترق.
أنظر في داخلي ،
ولن يتوقف دائما النص ،
وسأنظر داخلك ،
وسأكتب من جديد!

تعليق عبر الفيس بوك