مدينة الكسالى الأغنياء

 

أحمد بن عبدالله عوض الوحشي

الصف العاشر- مدرسة ضنك للتعليم الأساسي

 

"إن كان النجاح هو نتاج العمل الدؤوب، فإنَّ العمل الدؤوب هو نتاج الابتعاد عن الكسل"

مدينة الكسالى الأغنياء وقبل أن تكون موطنًا للكسالى الأغنياء من الناس كانت مدينة للأغنياء النشطين والذين كانوا يدفعون أموالا طائلة مُقابل أن يبنوا بلادهم بأنفسهم، ويكسبوا أموالهم من عرق جبينهم. لكن وكما نعلم فإن الدنيا دوارة، وألا شيء يبقى على حاله، وهذا تمامًا ما حصل لمدينة الأغنياء النشطين، فبعد أن عرفوا أن بإمكانهم الاتكال على غيرهم في إنجاز أعمالهم مقابل أن يدفعوا إلى أولئك الأشخاص مبلغاً محددًا من المال؛ تحولوا من مدينة للنشطاء إلى مدينة للكسالى، فكانوا لا يكملون أعمالهم التي بدؤوا فيها، وكانوا دائمًا متقاعسين عن العمل. إلا أن لكل مجتهد نصيب، فقد كان المجتهد في مدينة الكسالى الأغنياء رجل يدعى قاسم، كان قاسم يجد لذة في بدء العمل، ونشوة عندما ينهيه، كطفل يأكل الحلوى المفضلة لديه، أو كالعريس المتجه إلى بيته، أو... إلخ. كان أغلب... بل كان جل سكان مدينة الكسالى الأغنياء من الناس الأثرياء، ويملكون أموالاً طائلة- والتي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم- إلا قاسم لم يكن غنيًا، ولم يكن شديد الفقر في الوقت نفسه، بل كان بين هذا وذاك.

كان أهل المدينة يسخرون من قاسم دائمًا لأنه كان يحب العمل وينغمس فيه ما أن يبدأ به، ولا يرضى إلا أن ينهيه، فسألوه ذات مرة قائلين: ماذا تجني من وراء هذا العمل؟ وقال أحدهم: إنه يعمل لأنه يعلم أنه لا يستطيع التكفل بمصاريف متاعب من سيعملون له. عمَّ المكان ضحكات صاخبة، ولكن قاسم ظل صامتًا غير آبه بحديثهم، وبعد أن توقفوا عن الضحك قال قاسم: أنتم مخطئون، فأنا أعمل لأنني أجد في العمل متعةً وتشويقًا. ابتعد قاسم عن قومه متجهًا إلى منزله؛ حيث إنه لم يرد أن يكثر الجدال معهم.

قاسم رجل يحب الاكتشاف، كان دائما ما يبحث في كتب الآثار والكنوز. وفي ذات يوم اكتشف أنَّ الكهف المظلم –الموجود بالقرب من مدينة الكسالى الأغنياء- يحوي كنزا كبيرا من يجده سيظل غنياً طوال حياته.

وفي صباح أحد الأيام حزم قاسم أمتعته واتجه إلى خارج المدينة ليكتشف الأسرار الكامنة وراء الكهف المظلم الموجود خارج المدينة، وفي طريقه إلى بوابة المدينة قابله رجل فسأله: إلى أين أنت ذاهب يا قاسم؟ فقال، إنني ذاهب لاستطلاع الكهف المظلم. (ألا تعلم أنَّ في الكهف وحشًا يفترس كل من يقترب منه، هههههههه) قال الرجل. لم يرد قاسم على تلك التفاهات، ولم يصدق الخزعبلات الشائعة حول الكهف المظلم، وبدون تردد وفور وصوله إلى مدخل الكهف توغل قاسم بداخله، وفي رأسه يدور سؤال واحد: هل أجد ذلك الكنز الذي قرأت عنه، أم أنني عندما أعود إلى المدينة سأكون مجبرًاعلى إعلان فشلي؟

تابع قاسم التوغل في الكهف، وكان كلما تقدم عدة خطوات تواجهه عقبات أخرى يواجهها بذكائه وعمله ويتغلب عليها، إلى أن وصل إلى باب قد كتب عليه (خلف هذا الباب يكمن جزاؤك) . تردد قاسم لوهلة في فتح الباب- لأنه تذكر الشائعة المتعلقة بالوحش- ولكنه في الأخير قرر أن يفتحه وما أن فتحه حتى رأى جبالًا من الذهب مصفوفة جنبًا إلى جنب، وقبل أن يلمس أي شيء ارتطمت قدمه بزجاجة بها ورقة؛ فقرر أن يفتح الزجاجة ويرى ماهية الورقة الموجودة بها فإذا بها رسالة مكتوب فيها (إن كنت تقرأ هذه الرسالة، فقد حدث ما خشيت وقوعه، فقد أخفيت هذا الكنز عن سكان مدينتي لكي لا يغتروا بالمال؛ فيتوقفوا عن العمل، وآمل أن تكون -يا حامل الرسالة- حكيمًا مثلي وتبقي هذا السر الدفين بيني وبينك، مع أنك لا تعرفني ولا أعرفك، ولم ترني ولم أرك، ورغم ذلك فأنا أضع كل ثقتي بك) . وبعد أن قرأ قاسم تلك الرسالة أدرك أنَّ الوحش ما هو إلا مجرد خرافة من تأليف ذلك الرجل حتى يبعد أهل مدينته عن بريق الذهب؛ لئلا يغتروا به، فعاهد قاسم نفسه ألا يخبر أحدًا بسر هذا الكهف.

بنى قاسم بيتًا متواضعًا- بمفرده ودون الحاجة إلى عمال- منعزلًا عن مدينته، حيث أحضر مواد البناء من مدينة مجاورة، وعمل أيضاً في تلك المدينة، ولم يرض أن يستخدم سبيكة واحدة من آلاف السبائك التي وجدها.

ضرب قاسم بعمله الدؤوب وصبره على المحن والمصاعب مثالًا عظيمًا، يحتذى به. ظل قاسم محافظًا على مبدئه حتى توفي في منزله، ولم يعلم بموته أحد حتى يومنا هذا!

فهل يكون احتفاظ قاسم بسر الكهف لنفسه طمعًا في تأثير لمعان سبائك الذهب، أم يكون خوفًا على مدينة الكسالى الأغنياء من أن تصبح مدينة الحثالة الأغنياء؟!

تعليق عبر الفيس بوك