ذاتَ صباحٍ مُعتِم

...
...
...

عبد الرزاق الربيعي – مسقط

 

توطئة: إذا  رفضت الشمس أن تشرق فالعالم سيتفتح على فكرة تنبثق  من ذهن مجنون
مكسيم غوركي:  (الحضيض)      


الفصل الأول- (المشهد الأول):

{ظلام يكتنف خشبة المسرح يوحي بأن الوقت ليل...
  ثمة أضواء خافتة تسلط على الممثلين والمكان بصورة عامة ...
بضعة كراس ٍومذياع كبير تشكل خلفية للمسرح وتوحي بأن المكان........ شارع، الممثلون يتجمعون وسط المسرح ينظرون إلى الأعلى بذعر شديد وكأنهم يبحثون عن شيء}


رجل1    : أمر غريب.
رجل2    : شيء لا يصدق.
رجل3    : مصيبة لا يوجد لها مثيل في التاريخ.
امرأة    : كيف حصل الأمر؟
امرأة2    : أمر مريع حقا.
امرأة3    : يا للهول.
الشيخ    : إنها الساعة التي جاء ذكرها في الكتب السماوية.
الشاعر    : لقد ملّت الديكة من الصياح وبحّت حناجرها، ولاشيء سوى الظلام
الرجل1    : إنه يغلف الأشياء بشاله الأسود.
المرأة3    : ويلتف على أعناقنا كأذرع الشياطين.
المرأة2    : ويدمرنا.
الرجل2    : يخنقنا.
الشاب    : يسلمنا للهواجس.
الرجل 3    : والأفكار المشوشة.
الرجل2    : والهذيانات.
الرجل1    : ما العمل؟  
              (الساعة تدق)

الشاب    : لنستمع إلى نشرة الأخبار الصباحية
الشيخ    : أنصتوا
               (ضربات موسيقية... يهدأ الجو ويخيم الصمت على الجميع... تتوقف دقات الساعة ...)
المذيع    : أعزائي المستمعين طاب صبا... عفوا طاب مساؤ ... عفوا ... طابت أوقاتكم  حان الآن موعد تقديم نشرة الأخبار... نستهلها بهذا البيان.
             (موسيقى)
             إلى سكان هذه المدينة ... لقد حدث شيء لم تضعه إدارة مجلس المدينة في حسبانها .. ألا وهو إضراب الشمس عن الشروق هذا الصباح... للزموا الهدوء وساعدوا رجال الشرطة في الحفاظ على الأمن... لقد أجرينا اتصالات مع المدن المجاورة فتبين أن الشمس قد أشرقت عليها مثل كل صباح ولهذا شكلنا لجنة تضم كبار الفلكيين لمعرفة الأسباب وسنوافيكم بالأنباء حال ورودها ... اصمدوا واصبروا ... إن الله مع الصابرين.. وادعوه الآن في صلواتكم ليزيل عنا هذا البلاء.... والسلام .
             (موسيقى)
الرجل1    : شيء مفرح.
الرجل2    : ستعود الشمس لنا حتما.
الرجل3    : بالتأكيد.
الشاعر     : كانت تظهر من هذه الزاوية كزهرة الأقحوان المتفتحة... تنشر أشعتها الذهبية خيوطا نورانية على صفحات الماء فتبدو بساطا متموجا أحمر كقطرة دم....
امرأة1    : يا حبيبتنا...
الشاعر    : حتى إذا ما انتصف النهار فإنها تعلو سقف الأرض فتبدو كعروس تتبختر ببدلة زفافها.
امرأة2    : ما أشد حزننا.
الشاعر    : أما غروبها فهو إلى السحر أقرب، فالقرص البرتقالي المعلق كمصباح على جدار معبد يرفدنا بالأشعة الرائعة وهي تقبل الأرض قبلة الوداع لترحل إلى عالم آخر.
الرجل1    : لقد طال رحيلها هذه المرة.
الرجل3    : وسيطول ويطول ويطول.
الرجل1    : نبوءة سيئة.
الرجل3    : ولكنها الحقيقة.
الرجل1    : أية حقيقة؟
الرجل3    : حقيقة الموت الذي يقف على عتبات أبوابنا.
الشاعر    : أيها القوم... أو تعرفون لماذا لا تشرق؟... أو تعرفون لماذا يحيط بنا هذا الظلام؟
الرجل2    : لماذا؟
الرجل1    : قل ما عندك.
امرأة3    : تكلم بحق الآلهة.
الشاعر    : إن الشمس ملّت الإقامة على أرضنا لأنها طالما أشرقت على هذه المدينة وجادت بنورها علينا ولكن أحدا منا لم يرفع بعده إليها شاكرا أومتأملا... كانت تقف على عتبات بيوتنا ولكننا كنا نختبئ في جحور الأرض... وفي الغرف السرية والسراديب... لم نهتم لها وطالما لعناها في الصباح لأنها تفسد علينا نومنا...
الرجل2    : كفاك فلسفة أيها الشاعر الثرثار.
الرجل1    : الآن فقط عرفت لماذا طردكم أفلاطون من جمهوريته.
الرجل3    : نعم ما فعل.
الرجل2    : علينا أن نطردهم من مدينتنا.
الشاعر    : ما هذا الكلام المجحف... لقد شرح الشعراء خلجات النفس الإنسانية بدقة وترجموا لغة الطبيعة التي تعجز عن ترجمتها كل قواميس الكون ... إنهم رسل الإنسانية .
الشيخ    : دع هذا الكلام وفكـّر بأمرنا... ساعة الكنيسة تجاوزت التاسعة صباحا ً والليل ما زال مخيما ً على هذه المدينة.
الرجل3    : والشمس لا يعرف أين تكون.
الشيخ    : ربما ابتلعها حوت كما يبتلع القمر.
الشاب     : تخلـّف.
الشيخ    : اخرس أيها الشاب النزق... لقد غابت الشمس بسببكم... وكيف لا تغيب والناس نسوا تماما وتمرغوا بالفحش والرذيلة.
             (ينظر إلى النساء)
امرأة1    : لماذا تصوّب نظراتك إليّ ؟
الشيخ    : لأنكنّ سبب البلاء.
امرأة1    : أي بلاء؟ وهل سرقنا نحن الشمس؟
الشيخ    : لقد سرقتن رجال المدينة... وجيوبهم.. ولم يبقَ إلا أن تسرقن الشمس.
امرأة2    : أنا لا أسمح بمثل هذا الكلام.
امرأة3    : هذا تجريح لنا.
              (ضربات موسيقية)
امرأة1    : إساءة لا نتقبلها.
الرجل1    : سكوت... سكوت...
الرجل2    : ارفعوا صوت المذياع.
الرجل3    : كفى هذرا...
المذيع    : أعزاءنا المستمعين... ما نزال نواصل تقصّي أحوال الشمس والآن سنجري لقاءً مع رئيس الجنة المكلفة بالبحث عن الشمس... عفوا بروفيسور.. كيف الأحوال؟
البروفيسور: في الحقيقة أنا بصحة جيدة والحمد لله.
المذيع    : عفوا.. أردنا أن نسألك بضعة أسئلة بخصوص الشمس.
البروفيسور: تفضلوا
المذيع    : ما هو باعتقادكم سبب غياب الشمس؟
البروفيسور: في الحقيقة ..هناك الكثير من الأسباب ... منها أن بعض الغيوم تتجمع بشكل مكثف فتحجبها عن الأنظار لمدة وجيزة وهذا الاحتمال ضعيف بالنسبة لحالتنا لأن السماء صافية... إذن هناك أسباب أخرى منها أن الشمس ربما خرجت عن نظامها الكوني أو أصبحنا مثل القطب الشمالي أو مثل بلاد الإسكيمو الذين تشرق عليهم الشمس لمدة ستة أشهر وتغيب المدة نفسها والاحتمال الأسوأ أن تكون انفجرت لا سمح الله.
المذيع    : إذن في هذه الحالة علينا الاستعاضة عنها.. فما هي تدابيركم لمثل هذا الأمر؟
البروفيسور: هناك مسألة مهمة أرجو أن يعرفها جميع المواطنين وهي إن العلم قطع أشواطا كبيرة في تجاربه فلم يعد يستعصي عليه أمر.. ولهذا فقد قام فريق من علمائنا الأفاضل بعدة تجارب للاستعاضة عن الشمس وقد استطاع العلم أن يحقق هذا باكتشافه للكهرباء لتحل الطاقة الكهربائية محل الطاقة الشمسية .. واليوم أصبح العلم أمام الأمر الواقع لأن الشمس قد غربت للأبد ـ ربما ـ فعلينا أن نعمل بمعزل عنها، فالشمس أيها المواطنون ليست سوى ضيف عجوز لم نكن نتجرأ على طرده لأنها ذات فضل كبير علينا... واليوم حان الوقت لنتصرف بمعزل ٍ عنها ولتكن ثقتكم بنا كبيرة
المذيع    : ولكننا سمعنا في الأيام الأخيرة أنكم أخذتم تستفيدون من الطاقة الشمسية في الإنارة وفي تحريك السيارات؟
البروفيسور: هذه تجارب ليس إلا... وسنوقفها ما دامت أصبحت غير مجدية
المذيع     : وهل في النية صنع شمس اصطناعية كما صنعتم من قبل قمرا ً صناعيا؟
البروفيسور: إن الأبحاث مستمرة وسعلن عنها في حينها
المذيع     : شكرا للبروفيسور الكبير ونتمنى له الموفقية في أبحاثه
             (فاصل موسيقي)
رجل    : يا للروعة ... شمس اصطناعية
رجل    : لا تنسوا أننا نعيش عصر العلم
رجل    : سنرى الأعاجيب
رجل    : العلم يغزو كل شيء
رجل    : سنستغني عن الشمس
الشاعر    : أيها الناس ، عودوا إلى رشدكم، إن إنجازات العلم من بدء التاريخ إلى اليوم لا تساوي إضمامة نور من شمسنا الرائعة
رجل    : بدأ الهراء
الشاعر    : لقد غركم العلم بإنجازاته
رجل    : على الأقل هو أفضل بكثير من أبياتك البائسة
الشاعر     : الحضارة تهدم كل شيء جميل
               (ضربات موسيقية)
رجل    : سكوت ...
              ( يدخل المنادي في سيارة خاصة يصيح :
المنادي    : أيها المواطنون الكرام ، لا تكثروا من التجمعات في الشوارع العامة ... عودوا إلى منازلكم حفاظا ً على الأمن العام...
              ( يستمر بالنداء حتى التلاشي ... تدخل مجموعة من رجال الشرطة لتفريق الجمع ... )
الشيخ    : هيا ... عودوا إلى منازلكم... بسرعة... نفذوا الأمر بدقة.. اذهبوا ... اذهبوا ... هيا ...
             (يمضون جميعا ً بينما يبقى الشرطي مع الحارس ... ثمة شحاذ نائم في ركن منزو)
الشرطي    : (للحارس) لماذا أنت قلق أيها الحارس.
الحارس    : لأن الشمس غير موجودة، ما دامت غير موجودة فعملي ما زال مستمرا.
الشرطي     : اصبر قليلا ... ربما ستظهر الشمس بعد قليل...
الحارس    : الساعة قاربت الواحدة ظهرا ً والشمس لم تظهر حتى الآن ولنفترض أنها لن تظهر إلى الأبد لا سمح الله فهل أظل هكذا...
الشرطي    : عد إلى القانون... ربما وجدت فقرة في صالحك
الحارس    : لا أعتقد، لأن الذين وضعوا القانون لم يضعوا في حساباتهم إن الشمس قد تغيب يوما من الأيام
الشرطي    : وما العمل الآن؟
الحارس     : لا أدري... أنا في انتظار إشارة من رؤسائي.
الشرطي    : وهل اتصلوا بك؟
الحارس    : نعم... لقد قالوا إنك في حالة إنذار فابق إلى إشعار آخر
الشرطي    : يا للمسكين !!
الحارس    : حظي سيئ
الشرطي    : لا عليك... فربما زادوا من مرتبك
الحارس    : كيف ؟
الشرطي    : لأنك الآن تعمل عملا ً إضافيا وستأخذ عليه أجورا ً إضافية
الحارس    : ولكنني أشعر بالتعب ...
               (يستيقظ الشحاذ من نومه)
الشحاذ    : مع من تتكلم أيها الحارس في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
الحارس    : الليل يا متسول؟! لو كنت في يوم غير هذا لكانت جيوبك الآن مليئة بالنقود كأثداء بقرة حلوب
الشحاذ    : ماذا تعني؟ هل حل ّ الصبح؟
الحارس     : منذ ساعات طويلة يا كسول
الشحاذ    : لا بد أنني نمت كثيرا... إن ضلوعي تئن وكأن عربات الأرض قد مرّت عليها وسحقتها بقسوة.. ولكن لماذا الكون معتم ؟
الشرطي    : لأن الظلام ما زال مخيما
الشحاذ    : والشمس أين تكون؟
الشرطي    : لعل الرب قد رثى لحالك فقذفها في كفك أيها الصعلوك
الحارس    : فتش جيوبك جيدا فلعلك خبأتها دون أن تدري
الشحاذ    : لا تسخر مني يا رجل... لو كان الرب رحيما بي لأعطاني بدل الشمس بدلة  كبدلتك  هذه ........ (يلمسها)
الحارس    : لا توسخ ملابسي أيها القذر...
              (صوت الشاعر خارج المسرح (مغنيا) :
الشاعر      : يا شمسنا  ... عودي لنا
              لأرضنا... لحقلنا...
               لزهرنا... لدربنا  
               يا شمسنا..
               أم السنا
               عودي لنا...
                       عودي لنا
الشرطي     : مَن هذا؟
الحارس    : إنه الشاعر... يبدو أنه ثملا ً كعادته
               (يدخل الشاعر)
الشاعر     : عودي لنا ... أم السنا... لحقلنا ...لدربنا ...عودي لنا...
الشاعر    : (للحارس) أما زلت هنا أيها الحارس المسكين.. تقف على قارعة الطريق تسامر القمر؟ أرى أن بينكما ـ أنت والقمر ـ شيئا ً مشتركا؟ أتعرف ما هو؟
الحارس    : لا أعرف... ولا أريد أن أعرف
الشاعر    : هل أنت غاضب عليّ يا صديقي الحارس ... سامحني ... إنني حزين لأجل الشمس .. لقد شربت زجاجة خمر كاملة في صحة الشمس ..... ( يأخذ رشفة ) وهذه الزجاجة الثانية .. سأعود إلى موضوعي ... إن الشيء المشترك الذي بينك والقمر هو أنكما تظهران في وقت واحد وتختفيان في وقت واحد ... إذن تجمعكما زمالة عمل  ...
الحارس    : أو تسخر مني أيها الثمل  ؟
الشاعر     : معاذ الله ... معاذ الله ... أو أسخر من الذي يوصلني كل مساء إلى منزلي ... أو أسخر من الذي يحرس مكتبتي من أيدي اللصوص ؟
الشرطي    : من سمح لك بالسير في الشارع؟
الشاعر     : وهل أصبح السير ممنوعا ؟
الشرطي    : ألم تسمع البيان ؟
الشاعر     : البيان !؟ لقد نسيت ...
الشرطي    : إذن هيا اذهب
الشاعر     : سأذهب ولكن ليس قبل أن أطمئن على أحوال الشمس
الشرطي    : وما الذي يهمك من أمر الشمس ؟
الشاعر     : كيف؟ إنها ملهمتي الأولى ... وملهمة جميع الشعراء (يغني)
             أم السنا ...
             عودي لنا يا شمسنا
             وفوق كل هذا فهي التي تهب الحياة للكائنات ...وتفتح أمامها الدروب لتدب على الأرض تسير في مناكبها سعيا ً وراء القوت ...منذ بدء الخليقة ولحد غروب البارحة ... لا .. لا يجوز لها أن تحتجب ... لا يجوز ... لا يجوز
الشرطي     : سندفع ثمن (تهور الشمس) غاليا... إذا ما استمر الوضع
الشاعر    : ومن قال لك إنها ذهبت بمحض إرادتها  ؟
الشرطي    : وهل ذهبت بطلب من جانبكم  ؟ إنني أصب عليها كل اللوم
الشاعر    : عزيزي الشرطي لو ظهرت الشمس الآن فماذا ستفعل ؟
الشرطي    : أتريد الصدق ؟
الشاعر    : نعم
الشرطي   : لو طالتها يدي لأمسكتها ووضعتها في السجن
الشاعر     : كما تضع المجرمين ؟!
الشرطي    : نعم وسأضع الأغلال في معصميها أيضا ً
الشاعر    : وما هي التهمة الموجهة ضدها ؟
الشرطي    : التقصير المتعمد والكسل وإشاعة الفوضى
الشاعر    : ولكن غاب عنك شيء مهم
الشرطي    : وما هو؟
الشاعر    : أن نور الشمس يصهر الحديد
الشرطي    : أتعني أنها ستذيب القضبان وتفر من بين أيدينا؟
الشاعر    : نعم
الشرطي    : سأخرج مع دورية لإلقاء القبض عليها
الشاعر    : ولكنها ستحـّلق في الأعالي ولن يصلها أحد؟
الشرطي    : سنطلق عليها النار
الشاعر    : تطلق النار على (أم النور) ؟
الشرطي    : وعلى ( أبي النور ) إذا كان للنور أب
الشاعر    : وماذا لو وقعت الرصاصة في قلبها وماتت لا سمح الله ؟
الشرطي    : سأحصل على ترقية
الشاعر    : ولكن ألم تضع في حساباتك أنك عندما تقتل الشمس ، ستقتل الحياة بأكملها ... فمن دون الشمس لا تساوي الحياة شيئا ً
الشرطي    : إن ما يهمني هو تنفيذ الأوامر
الشاعر    : ولكنها ... ولكنها الشمس
الشرطي    : لقد ثرثرت كثيرا ً أيها الثمل هيا ... اذهب قبل أن أضع الأغلال في يديك ... هيا... اذهب...
الشاعر     : سأذهب بعيدا ً .. وسوف لن تراني بعد اليوم
الشرطي    : ماذا تقصد؟
الشاعر    : شددت الرحال للبحث عن الشمس
الشرطي    : وأين تبحث عنها أيها المجنون ؟
الشاعر    : في الدروب المرشوشة بالدم ... بين حبات السنابل ... في جيوب الغيوم ...في عيون الأطفال ...سأبحث ... في كل زوايا البؤس .. في طيات الدموع ...في أوراق الشعراء السرية ... سأبحث جاهدا ً ...حتما ً سأجدها هناك
الشرطي    : حديثك ينطوي على كلام خطير ... عليّ أن أمنعك من الرحيل ...
الشاعر    : إذا استطعت أن تمنع الغيوم المسافرة عن طريقها فستقدر على منعي من الرحيل ...
الشرطي    : هل تتحداني ؟
الشاعر    : لا .. ولكن  لا حاكم ولا محكوم في مدينة الأموات .. الجميع سواسية ... ضع في حساباتك إننا الآن جميعا ً في قبر كبير ما لم تشرق الشمس
الشرطي    : أغرب عن وجهي أيها الثمل ... هيا .. أغرب ... أغرب
الشاعر    : ( يخرج مغنيا ً ):
              أم السنا ... عودي لنا ... عودي لنا
الشرطي    : ( للشحاذ ) وأنت أما تزال هنا ؟
الشحاذ    : وهل القرار يشملني أيضا ً ؟
الشرطي    : نعم القرار واضح وصريح ... الكل يذهب إلى بيته  
الشحاذ    : وأنا الآن في بيتي ( يضحك الحارس )
الحارس    : أتعرف ماذا يعني عدم ظهور الشمس بالنسبة لك ؟
الشحاذ    : لا
الشرطي    : إنه بالتأكيد يعني أن الناس سوف لن يروا قذارتك وملابسك الممزقة
الحارس    : وهذا يؤدي إلى كساد بضاعتك وفشل مهنتك
الشحاذ    : لا ... لا تفكروا بأمري ... سأتحول إلى مهنة أخرى للظلام فضل كبير في إنجازها
الشرطي    : اخرس أيها القذر ...
               ( للحارس ): أيها الحارس ...كن يقظا ً لأنني سأمضي
الحارس    : إلى أين ؟
الشرطي    : سأمضي في دورية للبحث ؟
الحارس    : عن الشمس ؟
الشرطي    : عن الشاعر ... سأقتفي آثار خطاه فمن المؤكد إنه يعرف مكان الشمس ، عندها سألقي القبض عليهما معا ً
             ( قبل أن يخرج ) : كن حذرا ً من اللصوص

                             ظــــــــــــــــــلام
........................................................

الفصل الأول- المشهد الثاني:
         { مجموعة من اللصوص تقف في مفترق طرق}

اللص1    : هل من جديد ؟
اللص2    : لا ... كل شيء يسير وفق هوانا
اللص3    : إذن انتهى كل شيء
اللص4    : تقريباً ...
اللص2    : لا مؤكدا ً .. وهل يستطيع أحد أن يعيد شيئا ً انتهى ؟               
اللص1    : على العموم إن ما يهمنا من المر هو أن نزيد نشاطنا
اللص4    : بالطبع ... بالطبع
اللص1    : هذه فرصتنا الذهبية
اللص2    : سنبتكر أساليب جديدة في اللصوصية
اللص3    : بالتأكيد .. خصوصا ً إذا كان الأمر لجماعة مثلنا يمتلكون الخبرة والجرأة والذكاء
اللص1    : سنؤسس جمعية للصوص  وسيكون هذا المكان مقرها الدائم
اللص4    : وما الداعي لذلك ؟
اللص1    : لتنظيم العمل .. فلا تنسوا أن اللصوص في المدن المتجاورة سيسارعون إلى هذا المكان حال سماعهم خبر الشمس البهيج
اللص2    : إذن علينا أن نحمل هويات خاصة تميز أعضاء جمعيتنا عن سواهم
اللص1    : اقتراح وجيه
اللص3    : سنصبح أثرياءً في زمن قصير
اللص2    : وسنفتح مدارس خاصة لتعلم فن اللصوصية
اللص4    : سنظفر بالمال والشهرة
اللص1    : وماذا نفعل بالشهرة ؟ إنها تفسد علينا عملنا
اللص2    : أعني أننا سنستثمر أموالنا في مشاريع ونصبح تجارا ً
اللص1    : دع الأمور لوقتها ، المهم أن نستغل هذه الفرصة التي لم تتح لغيرنا
اللص3    : إننا نضيع وقتنا بالنقاش بينما اللصوص في المدن الأخرى يبحثون عن مكان مظلم يضعون فيه أقدامهم
اللص4    : وما هو برنامجنا لهذا اليوم ؟
اللص1    : عملنا اليوم في شارع (40) البيت الثالث على اليسار ... طريقة الدخول : كسر زجاج الباب الداخلي المطل على الحديقة والدخول إلى غرفة النوم فهي فارغة ـ سكان البيت مسافرون ـ والاستيلاء على مجوهراتها من الجرار الموجود على يمين السرير
اللص2    : إذن نبدأ العمل
اللص1    : أوصيكم بأن تلزموا الهدوء وتعملوا بتأن ولا تنسوا أن الوقت لصالحنا وأن الشمس لن تشرق عليكم
                                               ظـــــــــــلام
.................................................................
                        
الفصل الأول - المشهد الثالث:

             {ثلاثة تجار يجلسون على طاولة تنتشرعليها قناني الخمر..}

التاجر1    : ماذا تقولون؟ هذه فرصتنا... التاجر الذكي هو الذي يقتنص الفرصة المناسبة
التاجر2    : بالطبع فأنا سأوسع حانتي لأن السكارى سيكثرون
التاجر3    : وأنا سأستورد لك الخمر بكميات كبيرة
التاجر1    : هذه أمور بديهية ... لنفكر بأشياء أكبر وأهم وعلينا أن ننفذها بسرعة كبيرة فمن الذي يضمن لنا أن الشمس ستظل هكذا  ؟ ... علينا أن نستغل هذا الظرف قبل أن ينتهي وتضيع آمالنا ومشاريعنا
التاجر2    : وما هي مشاريعك ؟
التاجر3    : اشرح لنا بالضبط كل الذي يدور في بالك
التاجر1    : أنا أقترح أن نجعل من الحانة ناديا ً ليليا ً
التاجران    : ناد ٍ ليلي ؟
التاجر1    : نعم
التاجر2    : وما أدرانا بطبيعة هذا العمل؟
التاجر3    : ومن أين نأتي ببنات الليل؟
التاجر2    : والمغنون ؟
التاجر3    : والموسيقيون ؟
التاجر2    : والراقصات ؟
التاجر3   : ومسرح الرقص ؟
التاجر2    : والدعاية من سيقوم بها ؟
التاجر1    : لا تكثرا من الأسئلة ، إن الأمر ليس بكل هذا التعقيد
التاجر2    : كيف تقول هذا ، ونحن لم نجرب هذا العمل ؟
التاجر1    : وما أهمية التجربة ما دام هدفنا أن نربح أكثر ... إن ما نريد هو أن نستغل هذا الظرف لمدة قصيرة ثم نهجره إلى عمل آخر ..
التاجر3    : ولكن النادي يحتاج إلى نساء ؟
التاجر1    : دع هذا الأمر لي فأنا سأتدبره وأتم كل شيء لكما ، شرط أن أكون شريكا ً معكما في الربح
التاجر2    : والعمل ألا تعمل معنا ؟
التاجر1    : هذا سر لا أقوله لأحد
التاجر2    : ولكننا أصدقاء
التاجر1    : الصداقة شيء والعمل شيء آخر ... لنعد إلى موضوعنا .. هل قبلتما الشرط ؟
التاجر3    : ولكنك سوف لن تتعب معنا
التاجر1    : ومتى كان التعب مقياسا ً للربح ؟ وعلى العموم لكما الحرية ... إنكما لا تعرفان مصلحتكما
             ( التاجر2 يتشاور مع التاجر3 )
التاجر2    : المشروع مهم ومربح وعلينا أن نمضي به قدما ً .. فكم مرة يتاح للمرء أن يشهد غياب الشمس
التاجر1    : هل اتفقتما ... وتذكرا أن حصتي هي الثلث
التاجران    : لك ما تشاء .. ومتى نبدأ العمل ؟
التاجر1    : منذ هذه اللحظة ولكن وقــّعا على العقد أولا ً
               ( يخرج ورقة يوقعان عليها )
               مبروك لكما
التاجر2    : إنه يستغلنا
التاجر3    : ولكنه داهية
التاجر2    : لو فكرنا قليلا ً لما خسرنا هذا الثلث
التاجر3    : هكذا هي التجارة يا صديقي ربح وخسارة
التاجر2    : ولكننا سنربح
التاجر3    : ستذهب راء الربح إلى هذا الصعلوك
التاجر2    : خسرنا جولة .. وسنربح جولات


ظــــــــــــــــــلام
............................................................

 الفصل الأول - المشهد الرابع:

{التاجر في بيت المومسات يتكلم معهن بخفوت ...موسيقى ... تقف الموسيقى}  

المومس1    : شيء رائع
المومس2    : سيأتينا الرواد من كل مكان
المومس3    : سنغني ونرقص حتى عودة الشمس إلى الشروق
التاجر1    : وسنوسع هذا النادي مستقبلا ً
               ( يضحكون )
التاجر1    : والآن وقــّعنّ على هذا العقد قبل أن أذهب فلدي أعمال أخرى كبيرة ( يخرج ورقة يوقعن ّ عليها ) شكرا ً جزيلا ً ... وداعا ً
             ( يخرج )
المومس1    : ستروج بضاعتنا
المومس2    : سنتخلص من القانون الذي يديننا نهارا ً .. ويركع تحت أقدامنا ليلا ً
المومس2    : سيركع لنا طول الوقت
المومس1    : ستأتي إلينا الفتيات من كل حدب وصوب
المومس2    : والرجال  
المومس3    : بالطبع لأن مشاغلهم في الليل تختلف كليا ً عن مشاغلهم في النهار
المومس1    : ستختفي ملامحنا فلا يتعرف علينا أحد في الشارع
المومس2    : سنرتاح من المزعجين لأن الإنسان في الظلام لا ينظر إلا إلى دربه
المومس3    : سوف لن يرى الزبائن عيوننا
المومس1    : سيصبح نادينا أكبر ناد ٍ في المدينة
المومس2    : وسيأتينا الرواد من كل مكان
المومس3    : سنوسعه ونجعل له فرعا ً في كل شارع
المومس1    : ونغوي بنات المدينة
المومس2    : وتصبح المدينة عبارة عن ناد ٍ كبير

                            (ضحك)

                         ظــــــــــــــــــلام
.........................................
الفصل الأول - المشهد الخامس:

          فتى وفتاة يجتمعان تحت شجرة بخوف وقلق

الفتى    : هل رآك أحد ؟
الفتاة    : لا فالجميع مشغول بأمر الشمس
الفتى    : شيء رائع ... سيسترنا الظلام ، فبدلا ً من أن نلتقي بضع ساعات حتى يكشفنا النور، سنبقى معا ً دون خوف من حلول الصباح .. ما أروع هذا
الفتاة    : لا ... الأمر ليس بهذه الروعة
الفتى     : لماذا ؟
الفتاة    : لأنك سوف لن ترى محاسن وجهي مثلما تراها تحت ضياء الشمس
الفتى    : ولكنني سأتحسسها ( يداعبها ... تضحك )
الفتاة    : دعك من هذا الأمر الآن
الفتى    : لقد اشتقت إلى وجهك كثيرا ً
الفتاة    : لا أعتقد أنك ستستمر على هذا
الفتى    : كيف ؟
الفتاة    : لأن القمر سيبقى مطلا ً علينا ليل نهار ... وهذا يعني أن هناك من ينافسني في الجمال وربما نظرت له أكثر مما تنظر إلى وجهي
الفتى    : محال ، فوجهك أجمل من القمر
الفتاة    : لا ... لا.. أنت تجاملني
الفتى    : لماذا ؟
الفتاة    : لأن الجميع يتغنى بجمال القمر ويطري عليه بينما لا يتغنى بجمالي غيرك أنت
الفتى    : ألا يكفيك هذا ؟
الفتاة    : كيف  ؟
الفتى    : لأنني حبيبك ، وهذا يعني أنني أهمّ من الجميع بالنسبة لك أليس كذلك ؟
الفتاة    : بلى ... ولكن ...
الفتى    : أنت طماعة ( ويداعبها ... تضحك ...)
الفتاة     : القمر ... القمر ... ما الذي يعجب الناس به ... لقد قرأت في كتاب المدرسة إنه عبارة عن صخور ... وحجارة أوَ يترك الناس هذا الجمال ويتغزلون في الحجارة ... ما أغباهم  !
الفتى    : ليتغزلوا في ما يشاءون .. المهم أن تكوني لي وحدي ( يضحك )
الفتاة    : اخفض صوتك لئلا يسمعك أهلي
الفتى    : أهلك ، الآن منشغلون عنك بما هو أهم
الفتاة    : وأنت  .. ألا تذهب تبحث عن الشمس
الفتى    : وأين أجدها ؟
الفتاة    : ربما سقطت في حفرة ( تضحك )
الفتى    : أو جلست قرب الشجرة لتلتقي بحبيبها القمر
الفتاة    : القمر ... القمر ... مرة أخرى

                          ظـــــــــــــــــــلام
.......................................

الفصل الأول - المشهد السادس:

{ بيت عادي .. الأب يجلس في غرفة الاستقبال بقلق يتحدث مع زوجته ... الطفلان يستيقظان }

الطفل    : لماذا أنتما يقظان في منتصف الليل ؟
الأب    : لا شيء .. لا شيء
الطفلة     : هل دخل بيتنا لص ؟
الأم     : لا .. لا
الطفل     : إذن لماذا أنتما ترتجفان  ؟
الأب    : لأن الشمس لم تشرق هذا الصباح
الطفلة    : لماذا ؟
الأم     : يبدو أن الغيم حجبتها ... إنها مسألة بسيطة
الطفلة    : أبي ... أنا أحب الشمس ، وأزهاري ستكون حزينة إذا لم تلامس أوراقها أشعة الشمس
الأب     : لا عليك ستشرق بعد قليل
الطفل    : هل أكلت الحيتان والنسور الشمس وابتلعتها كما تبتلع حصاة ؟
الأب     : لا يا بني ... الشمس تحرق من يدنو منها
الطفلة    : ولماذا لا تحرق العصافير والحمائم والغيوم ؟
الأب     : إن الشمس يا ابنتي مخلوقة طيبة لا تحب حرق الغيوم والعصافير
الطفل    : إنني أكره الظلام لأنه يأتينا بالأشباح
الأب    : لا تخف يا بني فالأشباح تخاف رجال  هذه  المدينة
الأم     : لقد أعددت لكم الفطور .. هيا إلى المائدة
الطفل    : بابا .. ما دام الوقت ليلا ً فلابد أن برامج التلفزيون ما تزال مستمرة
الطفلة    : افتحي يا أمي التلفزيون
الأم    : ليس قبل تناول الفطور
الأب    : افتحي التلفزيون فربما سمعنا خبرا ً جديدا ً عن أمر الشمس
             ( الأم تشعل التلفزيون الذي يشكل خلفية المسرح بكاملها ويستفاد من جهاز(العرض السينمائي ) في هذه الحالة ... تظهر على الشاشة صورة كاريكاتيرية تمثل الشمس في تابوت ... تظهر المذيعة )
المذيعة    : أعزائي المشاهدين ... طاب مساؤ... عفوا ً طاب صباحكم أو مساركم لا فرق وأهلا ً ومرحبا ً بكم في هذا اليوم الجديد ونود أن نعلمكم أن بثنا سيبقى مستمرا ً لمدة 24 ساعة دون انقطاع
              ( موسيقى )
الطفلة     : شيء جميل
الطفل    : لا مدرسة بعد اليوم
الأب    : لا .. لا .. ستستمر الدراسة
الأم     : كيف ؟ أيذهبون للمدرسة وسط الظلام ؟
الأب    : لابد أن يكون هناك حل ... وإلا ...كيف ...أنقعد في بيوتنا ؟
المذيعة    : والآن نقدم لكم لقاءً مع واحد ٍ من رجال الأعمال الكبار ( يظهر على الشاشة التاجر1) كيف الأحوال ؟
التاجر1    : بخير والحمد لله
المذيعة    : سمعنا أنك ستقوم ببعض المشاريع المهمة لمثل وضعنا هذا هل من الممكن أن نعرفها
التاجر1    : في الحقيقة أود أن أقول لكم إن ما يهمني هو مصلحة المواطنين ، وقد حزّ في نفسي أمر غياب الشمس فسارعت إلى إنقاذهم من هذه الورطة فقمت بإنشاء مصنع لإنتاج مبيدات الحشرات لأن الصراصر والحشرات ستلازم الناس ليل نها ... ليل ، ليل
المذيعة    : عمل عظيم
التاجر1    : وقمت كذلك بعقد صفقة مع إحدى المجاورة لاستيراد مجموعة كبيرة من المصابيح الكهربائية لأن المصابيح ستستهلك مادام العمل عليها سيستمر ليل ...نها ... عفوا ً ... ليل ليل
المذيعة    : مدهش !
التاجر1    : كما قمت باستيراد المدافئ تحسبا ًللشتاء القادم الذي باردا ً جدا ً ما دامت الشمس غير موجودة
المذيعة    : لطيف
التاجر1    : إضافة إلى هذا فقد وضعت في حسابي أن الناس ستقبل على شراء الأسرّة لأنها ستستهلك بسرعة مادام المواطنون سينامون عليها ليل نها ... ليل ليل
المذيعة    : شكرا ً لك على هذه الخدمات (  موسيقى   )
الأب     : إذن المسألة بسيطة
الأم    : سيتم تلافي الخلل الذي أحدثته الشمس
الطفل    : لكننا نريدها هي
الطفلة    : هي بالذات لا غيرها
الطفل    : لا نريد شمسا ً مطاطية
الطفلة    : ولا ورقية
الطفل    : نريد شمسا ً حقيقية كالتي كانت تشرق من فوق سطح بيتنا
الأب    : سكوت ... في التلفزيون بيان
المذيع    : بيان هام ... يا سكان مدينتنا الكرام ... لقد انتهت اللجنة العلمية المكلفة بتقصي حالة غياب الشمس اجتماعاتها وخرجت بالنتائج التالية :
             1 ـ إن مسألة غياب الشمس مسألة خارجة عن القوانين الطبيعية
             2 ـ لا يستطيع العلم أن يفعل شيئا ً إزاء هذه الحالات الغريبة والعجيبة
             3 ـ ربما يأتي الخلاص على يد ساحر أو منجِّم
             وبعد أن فشلت هذه اللجنة في علاج أمر غياب الشمس فلم يبق إلا أن تخرجوا إلى الساحات العامة وتقرعوا الطبول وترقصوا وتغنوا ثم تضرعوا إلى الرب وصلّوا فلعل الشمس تعود إلى الشروق من جديد والسلام

{يسدل الستار}

..................................................................
الفصل الثاني:
             { المسرح يمتلئ بالممثلين الذين دخلوا في المشهد الأول( عدا الشرطي والشاعر ) .. يحملون الطبول ويشعلون النيران ويرقصون }

يغنون    : يا شمسنا عودي لنا
               لأرضنا ... لحقلنا
               لزهرنا ... لدربنا
               يا شمسنا
               أم السنا
               عودي لنا
               عودي لنا
الشيخ    : ارفعوا أصواتكم .... لعل الشمس تسمعكم
              ( ترتفع الأصوات والقرع على الطبول ) أعلى ... أعلى ...
الشاب    : كفى ... ما هذا الهراء ؟ تسمع الشمس ماذا ؟ هذيانكم ؟ ثرثرتكم ؟ ثم هل هي جالسة الآن تحت الشرفة لكي تسمع أصواتكم وتخرج لكم  ؟ ... اخجلوا
الشيخ    : أيها النزق ... ابتعد عن طريقنا
الرجل2    : ( للشاب ) اذهب من هنا
الرجل3    : دعنا أيها الجاحد
الرجل1    : طائش
الرجل2    : متهور
الشيخ    : عودوا إلى الغناء ودعوا هذا الكافر يمت غيظا ً
               ( يواصلون الغناء وشيئا ً فشيئا ً تخفت الأصوات )
الرجل1    : منذ ساعتين ونحن على هذه الحال ... لقد تعبنا
الرجل2    : بح ّ صوتي
الرجل3    : الماء ...الماء...لقد جفـّت شفتاي
المرأة1    : وأنا كذلك
المرأة2    : خـُلع كتفي من الضرب على هذا الدف

              ( يدخل عراف حاملا ً فانوسا ً )

العراف    : ( لنفسه ) ما أمر هذه البلاد ؟ ما أطول ليلها ؟ بدأ سراجي يذبل ... لقد جبت مختلف المدن وخلال تطوافي لم أمر بمدينة أكل ليلها نصف فتيلة سراجي بأكملها و سيأكلني معها ... ولكن ما أمر ناس هذه المدينة ؟ ... إنني أراهم متجهمي الوجوه حزانى .. وكأن الساعة قد قامت...لماذا لا أسألهم ؟ (يقترب منهم ... يحييهم ... يرد عليه الشيخ بينما تبقى عيون الباقين معلقة في السماء ... يجلس قرب الشيخ )
الشيخ    : (للعراف) إن شكلك غريب ، ويوحي بأنك أحد العرافين الذين يجوبون المدن و لا يقر لهم قرار
العراف    : إن المدينة التي تطأها قدمي يطأها الخير ... لقد فككت الرموز والطلاسم التي عجز عن حلها كبار العرافين
الشيخ    : شكرا ً للرب ... شكرا ً
              ( يتجه للرجال ) أيها الرجال .. إن هذا العراف هبة السماء وهدية أرسلها لنا الرب ... لماذا لانشرح له أمرنا ؟ إنني واثق أنه سيحل اللغز الذي حيّرنا وحيّر العلماء ... وسيأتي بالشمس
الشاب    : هل أصاب عقلك مس ؟
الشيخ    : اخرس يا كافر
الرجل1    : لابد أن أمرا ً كهذا قد حدث
الشحاذ    : أنا لا أصدق هؤلاء الناس ... لقد قال لي عراف في صغري أنني سأغدو حاكما ً ورجلا ً تسجد له آلاف البشر وتحييه إذا ما مر ّ في شارع ... بقيت تحت أسر هذا الاعتقاد ولم أحس ببطلانه إلا عندما إقتعدت الشارع مادّا ً كفي للمارة
الرجل2    : ما زالت النبوءة قائمة فلعلك تغدو حاكما ً آخر الزمان
الفتى    : أما أنا فقد أخبرني عراف بأنني سأفوز بقلب من أحب
الرجل2    : بدأ الهراء
الفتى    : لا تقاطعني ... وفزت بقلبها ... ولكنني لم أفز بها
رجل    : يا لأمر الحزين ‍ إن الملائكة نفسها ستبكي دما ً على حكايتك
الفتى    : اجعل حشو فمك الصمت قبل أن أحشوه بالتراب
الشيخ    : إنكما لا تكفان عن الكلام الفارغ ... فكرا في قضيتنا وتبركا بالعراف
الرجل1    : أما أنا فإنني أصدق العرافين لأنهم أنبأوني بأنني سأعيش حياتي شقيا ً وهذا ما حدث
الرجل2    : يا للنبوءة السيئة ‍ يا للفأل النحس ‍ لو كنت مكانك لقتلت العراف قبل أن يتم كلامه
الرجل1    : لقد ضحكت عليه ... لم أصدقه بالطبع لأنني كنت في بحبوحة العيش ... حتى إذا ما تقدم بي العمر وضحت النبوءة وبدت ظاهرة للعيان كالشمس
الرجل3    : الشمس ... كدنا ننسى أمرها
الشيخ    : هلموا أيها القوم إلى هذا العراف ( يتجه نحوه ) أيها العراف الطيب شكرا ً للرب إذ أرسلك إلينا ونتمنى لك إقامة سعيدة في مدينتنا ... مدينتنا هذه من أجمل المدن وأكثرها خيرا ً و ...
العراف    : ( يقاطعه ) الشيء الذي أزعجني في هذه المدينة أن ليلها أكل فتيلة سراجي بأكملها ... إنه طويل ... طويل ... طويل
الشيخ    : ها إنك قد عرفت مشكلتنا أيها العراف الطيب ... إن ليل مدينتنا ليس طويلا ً ولكن ليس لها صباح
العراف     : ومنذ متى حدث هذا  ؟
الشيخ    : منذ هذه الساعة
العراف    : هل تعني أن الشمس لم تشرق عليكم ؟
الشيخ    : نعم ... ولهذا نتوسل إليك أن تساعدنا في عودتها ... شاور الجن بأمرها ... دعهم يسألونها عن سبب عدم شروقها
العراف    : أتركني قليلا ً ... إن أمركم صعب
الشيخ    : أرجع لنا الشمس وسنعطيك كل ما تريد
العراف    : كل ما أريد ؟
الشيخ    : كل ما تريد
العراف    : حسنا ً إملأوا زوادتي بالطعام وكيسي بالنقود
الشيخ    : سننفذ لك كل ما تريد
الشاب    : إنه محتال ... مخادع
الشيخ    : اخرس أيها المخنث ... لئلا يسمعك ويذهب
الشاب    : هذا سخف
الرجل1    : كيف نسمح لأنفسنا أن نصدق هذا الرجل ؟
المراة1    : وهل هناك طريقة أخرى نلجأ لها ؟
المرأة2    : أيها العراف ..اقرأ كفي
المرأة3    : فنجاني
المرأة1    : أريد أن يقبّل زوجي أقدامي فماذا أفعل له أيها العراف ؟
المرأة2    : أريد ولدا ً
الرجل1    : زوجك كفيل بهذا وليس العراف
المرأة2    : زوجي كفيل بغيري ... (وتعمل حركة توحي بأنها تعني زوجة الرجل1)
الرجل1    : (بغضب) إذن سأتكفلك أنا ...
المرأة2    : اخرس أيها الرجل القليل الحياء
الرجل2    : اخرسي أنت وابتعدي عنه لأنه رجل حسن
المرأة    : ألا تخجلون ؟ تسمون أنفسكم رجالا ً في مدينة لا توجد فيها حتى شمس ؟
             ( الرجال يحتجون )
الرجل2    : لا نسمح بهذا
الرجل3    : بدأت ْ تهذي
الرجل1    : حمقاء
المرأة1    : ما هذا ؟ لم تقل شيئا ً يدعو لكل هذا الغضب
المرأة3    : إنكم لا تملكون أدنى حد من اللياقة
الشيخ    : كفى .. ما بكم ؟ هل فقدتم عقولكم ؟ إهدأوا .. وفكروا معنا .. واسمعوا ما يقول العراف ..
             ( صمت ) ( يخرج من عبه كيسا ً مليئا ً بالنقود يقدمه للعراف )
الرجل2    : أيها الشيخ ، من أين أتيت بهذه النقود ؟
الشيخ    : إنها من خزينة المدينة المدخرة للأعمال الخيرية
الشاب     : وكيف تسمح لنفسك أن تمنحها لمخادع ونحن جمعناها لنبني مدرسة
الشيخ    : نحن في وضع طارئ .. وهذا الأمر أهم ...
             ( للعراف ) خذ أيها العراف
             ( العراف يتمتم ببضعة كلمات غريبة )
الشيخ    : ستنتهي المشكلة ... إن هذا العراف سيأتينا بالخبر اليقين وستشرق الشمس علينا مثل باقي الأيام
الرجل1    : وتمتلئ الأرض نورا ً
الرجل2    : ستغرد العصافير في الصباحات الندية
الشحاذ    : ستغدو جيوبي كأثداء بقرة حلوب
الرجل3    : سأخرج إلى عملي وأرى الأطفال يملأون الدروب
الرجل1    : سأحصد سنابل القمح التي تتلاوى مع الريح وتتماوج كضفائر عذراء
الطفلة    : سأسقي زهوري و أعطى الحب ّ للعصافير
الطفل    : سأنام على العشب وألعب مع الفراشات
الشاب    : أما أنا فسأرى كل هذه الأشياء وأرى كذلك حبيبتي
             ( العراف يطلق صرخات تفزع الرجال )
الشيخ    : ها ... ماذا قالت لك الجن أيها العراف الفاضل
العراف    : إن الجن تقول : إن الشمس غاضبة عليكم
الجميع    : غاضبة علينا ؟‍‍‍‍‍!
العراف    : نعم لأنكم إجترحتم خطيئة وسوف لن تشرق إذا لم يعترف الخاطئ أمام الجميع
الشيخ    : كيف ؟
العراف    : يصعد على تلك الصخرة وليحكي أمام السماع خطيئته
الشيخ    : وهل ستشرق علينا الشمس إذا فعلنا ذلك ؟
العراف    : هذا ما تقوله الجن
الشيخ    : مالكم صامت

تعليق عبر الفيس بوك