كيف تكتشف طفلك الموهوب في الفنون البصرية؟

أ.د/ أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
أستاذ علم النفس الموهبة الإبداع – جامعة سوهاج


الفن هو نتاج إبداعي إنساني، ولون من ألوان الثقافة الإنسانية، وهو أحد مظاهر التعبير عن الذات، ويعتبره البعض ضرورة حياتية كالماء والطعام، وهو يتدرج من المستوى التمثيلي أو التصويري، إلى المستوى التجريدي. تتضمن الفنون البصرية الأعمال الفنية التي تعتمد على حاسة البصر، كالرسم والنحت، والزخرفة، والتصوير، والفنون التي تعتمد على التطبيق كالأعمال الحرفية واليدوية، والفنون التشكيلية الذي يعتمد على مستويات عالية من التجريد حيث يعيد تشكيل موضوعات الطبيعة بصورة إبداعية وجمالية بشكل تجريدي.
يمكن أن يكون الفن موضوعا ذاتيا بشكل لا يصدق؛ فقد يرى البعض أن بيكاسو كان عبقريا، بينما يعتقد آخر أن أعماله الفنية خطية جداً وتشبه الصندوق. وقد يثمن البعض الفن التجريدي، بينما يرى البعض الآخر أن طفله الصغير يمكنه القيام بعمل أفضل من ذلك. ولأن الفنون يمكن أن تكون ذاتية جداً، فإن العديد من التربويين غير مستعدين للاعتراف بالمواهب الفنية. ولسوء الحظ، إذا مرت هذه المواهب دون التعرف عليها، فقد نفقد فرصة تطويرها للأبد.
إن الفنون البصرية هي أحد المجالات المعترف بها ضمن مجالات الموهبة التي تستحق الرعاية تقريبا في جميع التعريفات التربوية للموهبة. في تقرير مارلند (1972) عُرِّف الطلاب الموهوبون بصريا بأنهم أولئك الطلاب الذين يتم تحديدهم بواسطة أشخاص مؤهلين مهنيا بأنهم أطفال قادرون على الأداء العالي في الفنون البصرية. لكن للأسف، لم يتم تعريف "الأداء العالي"، ولا "الأشخاص المؤهلين".
على أيه حال، "الأشخاص المؤهلون" هم الأفراد المدربون المؤهلون للقيام بتدريس الفنون مثلاً، المعلمين، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والفنانين المهنيين في مجال الفنون البصرية أو شخص متدرب على تطبيق قوائم مرجعية لتحديد الموهوبين في مجال الفنون البصرية.
وفي محاولة تحديد ماهية الأداء العالي في مجال الفنون البصرية، ذكر بعض الباحثين قائمة بالصفات السلوكية وخصائص العمل الفني التي تميز الأطفال الموهوبين بصريا، وكذلك العمليات الإدراكية/المعرفية الفنية التي يمتلكها الموهوبين في مجال الفنون البصرية.
على سبيل المثال، تناولت دراسة بوراث ماريون فحص ما إذا كانت الطرق التي يتميز بها الفنانون الشباب الموهوبين هي نفسها التي يستخدمها أقرانهم متوسطي القدرة الفنية. في هذه الدراسة أنتج الأطفال عملا فنيا تم الحكم عليه من خلال ثلاثة فنانين، وأسس المحكمون أحكامهم على الأعمال الفنية بناء على الخصائص التالية:
1.    التصميم والتأليف.
2.    التكنيك، بما في ذلك تنمية درجات اللون.
3.    تمثيل الحركة ووضع النموذج.
4.    مخطط متقدم لشكل الإنسان.
5.    شعور قوي بالتفرد والابتكار.
تتضمن الموهبة الفنية اختلافات نوعية مثل الاستخدام التعبيري للخط والشكل، والأصالة في التكوين، والحساسية للخط واللون. قد يظهر الفنانون الشباب الموهوبون قدرة متطورة على التعامل مع "المنظور". يبدو أن المنظور التصوري والقدرة الفنية تختلف عن قدرات حل المشكلة المكانية. ويظهر بعض الأطفال الموهوبين بصريا تطورا متقدما، ويطبقون قدراتهم الجديدة على نحو أكثر مرونة، وعلى نطاق واسع. وكانت تقنيات الاتقان والانجاز (تنامغ درجات الألون، وتمثيل الحركة) والنضج البصري، أو التمثيل المتقن والمفصل للأشياء، من بين الصفات التي أظهرها صغار الأطفال الموهوبين بصريا والتي  تميز الأفراد الأكبر سنا.
وعادة ما يحمل الطلاب الموهوبون فنيا حسا إبداعيا قويا، فهم مغامرون يستخدمون أساليب مبتكرة ومواد مثيرة للاهتمام، ويختبرون الحدود الفنية، وكثيراً ما يرغبون في التعبير عن أنفسهم من خلال الفن، ويرون أعمالهم الفنية كامتداد لأنفسهم. ومع ذلك، يجب أن ندرك أنه ليس كل المنتجات التي ينتجونها ستكون أعمالا رائعة. لذلك من المهم استخدام معايير متعددة لتحديد هؤلاء الأطفال، لأن الأطفال من مختلف الإعمار والخلفيات الثقافية قد يستجيبون بشكل مختلف للمهام الفنية.
إن المربين الذين يستخدمون مفهوم رينزولي للموهبة للتعرف على الموهوبين يبحثون عن الأطفال الذين يثبتون، أو لديهم إمكانات لإثبات، قدرات عقلية فوق متوسط، وقدرة إبداعية عالية، والتزام بالمهمة. ومع ذلك، يعتقد أن "القدرة البصرية العالية، تستند إلى حد كبير على الكثافة والالتزام. على أيه حال، مهما كانت قدرة معظم الأطفال على الإنجاز، فإن الأطفال الموهوبين يتفوقون في جودة العمل، وحب العمل، ومقدار الوقت الذي يقضونه فيه.

ما هي خصائص الأطفال الموهوبين بصريا؟
هناك مجموعتان من الخصائص المرتبطة بالأطفال الموهوبين بصريا: الصفات السلوكية للأطفال الموهوبين بصريا، والخصائص المميزة لأعمالهم الفنية. بالتأكيد من غير المحتمل أن يظهر الطفل الموهوب بصريا جميع هذه الخصائص، لكنه ربما يحمل العديد أو حتى معظم هذه الخصائص:

أولا - الخصائص السلوكية:
•    إشارات في سن مبكرة - الأطفال الموهوبون بصريا عادة ما يبدؤون في سن مبكرة.
•    بزوغ الموهبة من خلال ممارسة الرسم - يقوى الرسم لعدة أسباب، منها إمكانية الوصول إلى الوسائط الإعلامية، نظراً لأنه يمكن أن ينقل معلومات مفصلة عن الموضوعات، ولأن الرسم بالفرشاة ليست بالمهمة السهلة.
•    التطور السريع - غالباً ما يجتاز الطفل الموهوب مراحل التطور البصري بخطى متسارعة.
•    التركيز الواسع - يستمر الأطفال الموهوبون بصريا في الأعمال الفنية لفترات أطول من الأطفال الآخرين، ويدركون إمكانيات أكبر في المهام المحددة.
•    التوجيه الذاتي - غالبا ما يفضل الأطفال الموهوبون بصريا الرسم كأحد أشكال الترفيه، ولديهم الدافع للعمل بمفردهم.
•    تناقض محتمل مع السلوك الإبداعي - على الرغم من أن المجازفة سمة متأصلة لدى المبدعين، إلا أن الطلاب الموهوبين غالباً ما يترددون في تجربة أسلوب جديد إذا هم حققوا مستوى معين من التمكن في أسلوب فني ما.
•    طلاقة الأفكار والتعبير - بداية من منتصف المرحلة الابتدائية، تصبح الطلاقة البصرية والمفاهيمية سمة ذات أهمية خاصة لأنها الأقرب إلى سلوك الفنان المتقن.
•    حساب القدرة - يعني هذا المصطلح، الذي صاغه هوارد جاردنر، قدرة متفوقة على الاستفادة من المعلومات القديمة في سياقات جديدة. على سبيل المثال، يستخدم الطفل الموهوب بصريا الذي قد أتقن مستوى معيناً في رسم شكل تلك القدرة في رسم أشكال جديدة.

ثانيًا - خصائص العمل الفني:
•    مخيلة للواقع - يطور الأطفال الموهوبين في الفن رغبة وقدرة على تصور الشخصيات والموضوعات في بيئتهم، في سن مبكرة.
•    التحكم في التركيب – يعالج الطلاب الموهوبون بصريا عناصر التكوين، واللون، والمساحات، والحركة، بقدر أكبر من الحساسية.
•    التعقيد والاتقان. يرتبط التطور العقلي بالقدرة على ربط المعلومات والملاحظات حول الأشياء. وترتبط الحساسية للتفاصيل واستخدام الذاكرة ارتباطاً مباشرا بالتعقيد والاتقان.
•    الذاكرة والتفاصل. حتى صغار الأطفال الموهوبين يهتمون بالتفاصيل، وهم أكثر ابتكاراً في الرسومات والنحت من أقرانهم غير الموهوبين.
•    الحساسية لفنون وسائل الإعلام. الطفل الموهوب بصريا أكثر احتمالاً لاستكشاف وتجربة وسائل الإعلام، والتمكن من التحكم التقني أو الفني، مما يؤدي إلى منتج نهائي أكثر أناقة.
•    الارتجال العشوائي. العبث والارتجال مع تأثيرات الخطوط والأشكال والأنماط هي أحد الأنشطة المفضلة للأطفال الموهوبين بصريا، حيث يستخدمون قدرتهم على الابتكار والتصور والوصف لإبداع معنى جديد.

ثالثًا - العمليات الإدراكية- المعرفية الفنية:
بشكل عام، يظهر الطلاب ذوو المواهب الفنية قدرة أعلى من المتوسط في ثلاث عمليات إدراكية/معرفية فنية هي:
1.    التمييز الإدراكي الحسي: القدرة على الإدراك والتميز من خلال الحواس مع الوعي الحاد.
معرفة تمييز الإدراك الحسي الفني يبدأ بصقل الوعي الحسي. يرى الفنانون التشكيليون الشباب العالم بنظرة ثاقبة، تدرك أبعاد الفضاء واللون ,والبنية غير المرئية التي لا يدركها أولئك الذين ينظرون إلى الموضوعات نظرة سطحية.
2.    ما وراء الإدراك: عملية إدراك حسي/معرفي تتناول المدركات بطريقة تعبيرية.
ما وراء الإدراك الحسي هو الشبيه الفني لمصطلح ما وراء المعرفة يستخدم لوصف المراقبة العقلية للتفكير المعرفي. هذه المعرفة أو الذكاء الفني يشار إليه بأنه التفكير بحس جمالي أو استجابة نوعية أو ذكاء كيفي
3.    التفسير الإبداعي: عملية إعادة صياغة وتنقيح للقرارات ما وراء الإدراكية مما يؤدي إلى تعبير شخصي فريد من نوعه.
بينما يعمل الطالب ما وراء إدراكيا من خلال وسيط فني، تتكشف العملية التفسيرية الفنية في نهاية المطاف. وكلما أعاد الطالب النظر في أعماله الفنية ويزيدها، أصبح العمل الإبداعي أكثر تفسيرا.

تعليق عبر الفيس بوك