امنحنا جزءا من روحك يا فهد

 

 

خالد بن علي الخوالدي

بعد أن تابعت التقرير التلفزيوني الشيق للمتألق دائمًا الزميل عبدالعزيز العجمي في تلفزيون السلطنة قبل أسابيع والذي استطاع من خلال تقريره أن يخرج لنا روحاً إيجابية لشخصية ألفتها وعرفتها وخبرتها وجلست مع روحها مرارا وتكرارا، وطالما حدثتني نفسي للكتابة عن هذه الروح الجميلة وعن الدروس الإيجابية التي يمكن أن نستفيد منها جميعًا، وجاء التقرير لينعش فيني روح الكتابة عن هذه الشخصية الفريدة والروح التي تعطي وتبدع وتعطي حتى لو لم تملك المقومات الجسدية التي نملكها لتلهمنا وتؤكد في قلوبنا أنّ العبرة ليست باكتمال أعضائنا الجسدية بل في (قوتنا الروحية).

وصاحب هذه الروح التي قدمت وتقدم لمن يجلس معها حب الدنيا والتفاؤل والإيجابية والنقاش الحضاري والإيمان بالرأي والرأي الآخر هي روح فهد الجهوري صاحب الثلاثين عامًا والذي يعاني من إعاقة جسدية تصل نسبتها إلى (90%) ويتحرك منه فقط العينان وأطراف الأصابع، ولم يكن طالبًا في مدرسة ولكنه تغلب على ذلك بالهمة والعزيمة، فهو يقول عن نفسه إنه لم يدرس في المدارس النظامية إطلاقاً وإن هذا لم يؤثر عليه ويزرع فيه انتكاسة أو تأثيرا سلبيا بل أعطاه تحديا آخر، ويواصل القول استطعت بالتدريج الدخول في عالم القراءة، ومن هنا فإنه يقضي أغلب وقته في القراءة مستعينا بجهاز الحاسب الآلي وهاتفه المحمول.

وفهد بهذا يقودنا إلى دروس كثيرة منها أهمية القراءة التي تحيي النفس وتمنح الروح إشراقة بهية وتعلو بنا في كل موقع ومكان، ويزرع فينا روح الأمل الذي ينير سماء كوننا بألا مستحيل في هذه الحياة، ويقدس لدينا قيمة الوقت واستغلاله فيما هو مفيد وإيجابي، ويقدم لنا درساً إيجابياً عظيماً في الإرادة والعزيمة والإصرار والمثابرة، فكم من صحيح الجسد يعيش بيننا خارت عنده هذه المعاني وأصبح روحاً هامدة في جسد منهك فتلقفته طرق الضلالة والغواية والمخدرات والإدمان نتيجة موت الروح ومعاني الإرادة والصبر والأمل، وكم من أشخاص أصحاء يرتدون السلبية ثوباً ويضعونها منظارا في كل شيء فلا تستطيع الحديث معهم، ففي أغلب الأوقات ساخطون ومتذمرون وسلبيون ويزرعون فينا النظرة السوداء القاتمة.

إن الجلوس مع فهد وأمثاله يمنح أكثر من هذه الدروس، فهو صاحب رسالة يبعث بها إلى كل الشباب بأنَّ الإعاقة ليست في الجسد وإنما في الفكر دائمًا وأبداً، مبرهناً أن هناك أعدادا من أصحاب الهمم والاحتياجات الخاصة قدموا أروع الأمثلة في الكفاح والجد والاجتهاد والاشتغال على أنفسهم واستطاعوا أن يثبتوا للعالم أجمع أنه لا مستحيل في هذه الحياة وأنه بالإرادة تتحطم الجبال الراسيات.

لقد جلست مع روح فهد وروح أخيه سلطان الذي يُعاني نفس المعاناة في منطقتهم(البداية) بولاية السويق لعدة مرات ولمست فيهم الروح الاجتماعية بكل معانيها فلم تمنع إعاقتهما من أن تعلو الابتسامة محيا جبينيهما ولم تعزلهما عن مجتمعهما ولم تجعل منهما أرواحا سلبية تعلوها علامات السخط والتذمر، ويجمعني بهما مجموعة واتسابية ساخنة بالنقاشات والحوارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويعجبني أن اقرأ تحليلاتهم المبهرة دائمًا والتي تدل على اطلاع وثقافة وأخلاق عالية في الحوار وآدابه.

إن الحديث عن الإرادة والعزيمة والإصرار وحب النجاح أمر سهل وبسيط ويمكن أن نقرأ ونستمع عن هذا الكثير ولكن عندما تجلس عند فهد وأمثاله ترى الواقع وتدرك هذه المعاني وتتلمسها وتقول الحمد الله الذي عافاني في جسدي وبدني، وما يتبقى هو الشكر والحمد ومواصلة العمل بجد وإرادة وتحدي كل الصعاب والعقبات والتحديات بروح إيجابية ومتفائلة بأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق إنساناً ليضيعه في هذه الحياة، ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com