عبدالله العليان
حضرتُ مع بعض الزملاء من الكُتَّاب والإعلاميين، منذ عدة أيام، اللقاء الذي عقده معالي الشيخ وزير القوى العاملة، ومعالي الدكتور وزير الإعلام، والمتعلق بآلية توظيف 25 ألفا من الباحثين عن عمل من العمانيين، كمرحلة أولى، والذي جاء وفق التوجيه السامي لجلالته -حفظه الله- وفقاً لمتطلبات المرحلة الحالية، وحاجة التنمية التي لابد لها من مخرجات عمانية من شبابنا من مختلف التخصصات.
ولاشك أن الحديث تركز على دور القطاع الخاص لاستيعاب غالبية هذه الوظائف من الباحثين عن عمل، وهذا لا شك مطلب مهم لاضطلاع هذا القطاع، بواجبه لاستيعاب المخرجات الوطنية، وقد تحدثنا عن هذا الجانب كثيراً منذ سنوات عن الإحلال بالقطاع الخاص للعمانيين، وفق التخصصات التي تتناسب مع كل مهنة من المهن -خصوصاً الشركات والمؤسسات الكبيرة- والأمر الجدير بالاهتمام أن القطاع الأهلي لا تزال نظرته للإحلال تحتاج إعادة نظر فيما استقر عليه من إدارة تراكمية، منذ السبعينيات ولا تزال كما هي، وهو أن الذي يأتي من خارج البلاد هو الأجدر والأكفأ، وهذه للأسف نظرة قاصرة، والدليل أن بعض الوافدين جاءوا للبلاد، ولم يكن لديهم تعليم عالٍ، ولا خبرة إدارية، أو مهنية متراكمة، يمكن اعتبارها تدربت تدريباً مهنيًّا جيداً، لكنهم استفادوا من الممارسة بعد التوظيف.
وأتذكر أن بعض الشباب العماني، في بداية النهضة، لم يكونوا مؤهلين تأهيلاً عالياً، وكان المستوى الدراسي في غالبيتهم، كما كان، لا يتعدى المرحلة الابتدائية التي كانت هي المرحلة التي يتم تدريسها قبل عام 1970، وعمل هؤلاء بهذا المستوى في كل القطاعات الحكومية والأهلية مع توافد بعض الكفاءات القليلة من الخارج، بما في ذلك قطاع البنوك، ونجح في هذا الأمر، من خلال الممارسة، والبعض الآخر درس الإنجليزية، وحظي بعضهم بدورات تأهيلية بعد سنوات من العمل أغلبها في اللغة الإنجليزية، وهؤلاء نجحوا في وظائفهم، وتدرجوا فيها، ووصلوا إلى مستويات وظيفية كبيرة بعد المستوى الدراسي، وهذا ليس على مستوى قطاع البنوك، بل في كل القطاعات المهنية والإدارية، وهذا يدل على أن الخبرة قد تكون بعد الممارسة العملية، أو من خلال بعض الدورات القليلة بعد التوظيف، لكن الأمر الآن اختلف؛ فالمخرجات الآن من الشباب، من ذوي المؤهلات العالية، وقدرتهم على المعرفة الاستيعابية أقدر، بحكم الدراسة التخصصية.
لذلك؛ نرى أن قضية الخبرة والتعليل لها من القطاع الخاص، ليست دقيقة بصورة عامة، خصوصاً الأعمال الإدارية والمحاسبية، وهذا العمل يحتاج فقط إلى خبرة لا تتعدى التعريف بها من خلال العمل نفسه ميدانياً، وليس إلى دورات تأهيلية، عدا المجالات الفنية التكنولوجية التي تحتاج فعلاً إلى دورات تأهيلية لهذه المهن الفنية، وإذا خصصت دورات تأهيلية، فلا بأس من هذا، لكنها ليست لها أولوية الكبيرة، أو تكون لها عقبات أمام الإحلال، ولا يحتاج هذا تأخيرا في التوظيف، وأعرف أن الكثير من الموظفين من المخرجات العمانية من بعض الكليات والجامعات، خصوصا الفنية منها والتكنولوجية، مارسوا العمل وأداروا وظائفهم، دون أن يحصلوا على دورات قبل التوظيف، لكن الأمر الذي أراه مهمًّا وجديرًا بالاهتمام -سواء من مجلس الوزراء الجهة المسؤولة عن توظيف 25 ألفاً، أو وزارة القوى العاملة- أن المهمة الرئيسية التي قد تسهم في تيسير التعمين في القطاع الخاص، أن يتم تطبيق تعمين قيادات في هذا القطاع، ولو بالتدريج، وعلى مراحل، يتم تقديرها من جهات الاختصاص، وبحسب الخبرات العمانية لهذا القطاع، وقد سبق وطرحتُ هذا الاقتراح منذ سنوات؛ لأنه من المنطقي أنه ما دامت بعض القيادات غير العمانية تتربع على مناصب المسؤولية في القطاع الخاص، لا نجد الطرق الممهدة لنجاح التعمين كما نأملها، وهذا وجدناه في أغلب الشركات والمؤسسات التي تحاول أن تبعد الوطني عن مواقع المسؤولية.
وهذا البعد هو الذي أخر نجاح التعمين في هذا القطاع منذ عقدين أو يزيد، عدا قطاع المصارف الذي فعلاً نجح التعمين فيه نجاحاً كبيراً، وأزاح الفكرة المسبقة من أن الكفاءة الأجنبية هي التي تستطيع إدارة هذه المصارف، بحكم أن اللغة الإنجليزية هي الأكثر تطبيقاً في هذا القطاع.
القضية التي نحن يصددها أن هذا الأمر واجب على الجميع، القطاع العام والخاص، في أن يضطلعوا بهذا الواجب الوطني في التوظيف، وفي بعض الدول كما سمعت، تطبق على كل شركات الاستثمار الوافدة التي تعمل في هذه الدولة، أن يتم توظيف المواطنين في حدود 90%، وهذا ما نود أن يتم تطبيقه، ولو بالتدريج وفق تقدير يتم الاتفاق عليه بين هذه الشركات والمؤسسات ووزارة القوى العاملة، خصوصاً مع المخرجات العمانية الكبيرة في كل التخصصات منذ عدة سنوات. نعم في مرحلة الثمانينات والتسعينيات، قد لا نكون وجدنا العدد الكافي من الخبرات، خصوصاً الخبرات الكبيرة، لكن الآن هذا الأمر -كما قلنا منذ فترة ونكرره- أن الكفاءات موجودة، وتمتلك الخبرة الإدارية والتكنولوجية الكبيرة، ولم يعد الأمر صعباً، ولا حكراً على الأجنبي فقط.
فالمؤهلات الآن من خلال التعليم الجامعي وما بعد الجامعي متوفرة بآلاف؛ لذلك فمن أولويات نجاح التعمين أن تكون القيادات العمانية على رأس هرم هذه المؤسسات والشركات، إن أردنا أن يتحقق الإحلال الذي نريده في القطاعات الأهلية الكبيرة أولاً؛ لأنها تستطيع استيعاب العدد الأكبر من الباحثين عن عمل، ثم بقية القطاعات التي يمكن أن يتحقق فيها التعمين، ونتمنى أن يتحقق هذا الأمر من خلال خطة وطنية جديدة، تتابع هذا الأمر؛ فالجميع يعرف أن العمالة غير الوطنية، تمسك أغلب الوظائف الكبيرة منها والصغيرة، وهذا الأمر يؤرق الكثيرين، وما لم يتم تولية القيادات الوطنية في هذا القطاع، سنواجه صعوبات في الإحلال، كما واجهناها في العقود الماضية.