الحياة الاجتماعية في عُمان (1750 ـ 1850م)

مكانة المرأة في المجتمع العماني (5)

د. صالح بن عامر الخروصي – سلطنة عُمَان

 

تشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن المرأة الريفية العمانية كانت تشارك في مسؤولية تأمين عمليات الإنتاج بالإضافة إلى عملها المنزلي،حيث كانت تقوم برعاية الحيوانات وتربية الدواجن وجلب الماء وغزل الصوف وحياكة الملابس والمشاركة في العمليات الزراعية وجمع المحصول والتخزين والتسويق. ومن هنا كانت المرأة منتجة ومسؤولة عن العمل المنزلي، ومشاركة على نطاق واسع في الأعمال الزراعية. وتشير المصادر إلى أن بعض النساء اشتغلن بالتجارة، حيث مارسن عمليات البيع والشراء إلا أنه لم تكن لهن محلات خاصة بالسوق، وإنما يعرضن بضاعتهن في ساحة السوق، وبعد الإنتهاء من عملية البيع يذهبن ليمارسن الأعمال المنزلية. واشتهرت بعض النسـاء في مجال الشعر والأدب، وشارك بعضهن في فض الخلافات وحل المنازعات التي تقع أحيانا بين القبائل، وكان التوفيق يحالفهن أحيانا نظرا لمكانتهن الإجتماعية والقبلية.

ونستطيع أن نلمس ما قامت به النساء من دور سياسي في بعض الأحيان من ذلك الدور الذي قامت به السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، فعندما وصلت أنباء مقتل أخيها السيد سلطان في عام 1804 ـ وكان ولداه سالم وسعيد لا يزالان في مرحلة المراهقة ـ بادرت السيدة موزة إلى حشد الأنصار ليتولى سعيد الحكم في عُمان ، وقد عرف عن السيدة موزة قوتها وجرأتها أثناء حكم ابن أخيها سعيد بن سلطان (1806- 1856) وكانت زوجة السيد سلطان السيدة غنية بنت سيف بن محمد البوسعيدي لها هيبة واحترام في بلاط زوجها ثم في بلاط إبنها السيد سعيد، وقد وصفتها إحدى الأوربيات اللواتي زرن قصر ولدها في زنجبار بأنها كانت تجلس معتدلة في أحد المقاعد بعيدة عن باقي النسوة وفي وضع يوحي بأنها السيدة الآمرة المطاعة، كما شاهدتها مشغولة بتطريز قطعة قماش وأخبرتها بأنها تعلمت التطريز من السيدات الأوربيات اللائي قمن بزيارتها، وكانت السيدة غنية تقوم باستقبال زوجات الوفود الرسميين اللذين يزورون السيد سعيد مما يبرهن على مكانتها

وكانت زوجة السيد سعيد وهي عزة بنت سيف البوسعيدية صاحبة هيبة ونفوذ في بلاط زوجها، وقد روت السيدة سالمة بنت سعيد أن أباها رغم امتلاكه عددا كبيرا من السراري (جمع سـُـّرية وهي ملك يمين) وقد بلغ عددهن عند وفاته سبعا وسبعين سرية من قوميات متعددة ـ فهناك الفارسيات والشركسيات والحبشيات وغير ذلك ـ وعلى الرغم من هذا العدد إلا أن الزوجة العمانية كانت صاحبة الكلمة الأعلى، ولا تجرؤ أي واحدة منهن أن تعترض على كلامها، بل حتى على أن تلمح مجرد تلميح بشيء من ذلك  وكانت من الصرامة بحيث وصفت السيدة سالمة أن من يقابلها في البيت يقف احتراما لها كما يقف الجندي في مواجهة الجنرال.  

ومما يرويه ويلستد عن مكانة المرأة العمانية ونفوذها أن إحدى أخوات السيد سعيد بن سلطان (وهي زوجة السيد هلال بن محمد بن الإمام أحمد والي السويق) وقفت بصلابة أمام تهديد أخيها بقتل زوجها بعد أن تمكن من استدراجه إلى مسقط، ولم تقبل بالتوقف عن إثارة المشاكل في وجهه في مقابل استعادة زوجها مما جعل السيد سعيد يضطر لإطلاق سراحه، كما تمكنت السيدة نفسها خلال فترة غياب زوجها من التصدي لهجوم مباغت وعنيف قام به إبن عمها والي صحار، ويعقب ويلستد بالقول أن السيد سعيد وقف معجبا بقوة شخصية أخته، وعدل عن مناوئتها إلى التصالح معها بل أنه أصبح يستشيرها في الكثير من الأمور. كما ذكر ويلستد أنه عندما زار قبيلة الجنبة في جعلان وجد شيخها مغادرا لأداء مناسك الحج وأن زوجته هي من يمسك زمام الأمور. كما وصف المرأة العمانية إجمالا بأنها على قدر كبير من النشاط والجرأة.

ومن المفارقة أن المؤرخين والأدباء لا يذكرون أسماء النساء في مؤلفاتهم، وفيما يتعلق بالسيدة موزة فإن المؤرخ ابن رزيق يشير إليها بـ (ابنة الإمام)، وعندما ذكر أسماء أبناء الإمام أحمد بن سعيد الذكور قال: " ... ومن الإناث ثلاث ما وددت ذكرهن للزوم الأدب"، إلا أن المؤرخ المعاصر الشيخ سيف بن حمود البطاشي ذكر اثنتين منهن هما موزة وعفراء، بينما أضاف الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي في مقدمته لكتاب الطالع السعيد للبطاشي اسم الابنة الثالثة وهي ميرا. وكرر إبن رزيق أسلوبه في عدم ذكر أسماء السيدات عندما رثا عمته الكبيرة، وعندما عزى أخاه في وفاة زوجته. وربما كان ذلك أسلوب العصر، ويأخذ مبرراته من الأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة في بعض مناطق شبة الجزيرة ومنها عمان.    

وبالرغم من أن كتب التاريخ والأدب والفقه لم تتطرق إلا نادرا لدور المرأة إلا أننا نجد في ثنايا تلك الإشارات النادرة ما يدل على عظيم أهميتها، وحيث أننا ألمحنا للجانب السياسي من خلال الدور المهم الذي لعبته السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد، فإن ممن شاع ذكرهن في تلك الفترة أيضا في الجانب الفكري الشيخة العالمة عائشة بنت مسعود بن سليمان العامرية التي نشأت في بيت علم، ووجد من آثارها الفكرية فتاوى فقهية ومراسلات مع بعض علماء عصرها، ونسخت كتاب المهذب في علم الميراث لمؤلفه الشيخ محمد بن عامر المعولي. كما برزت الشيخة عائشة بنت محمد بن يوسف العبرية، وكان أبوها أحد أعلام الدولة اليعربية، وقد أوكل إليه الإمام سيف بن سلطان المعروف بقيد الأرض (1692-1711) منصب الولاية على مدينة الغبـّي بمنطقة الظاهرة، أما هي فقد اتصفت بالزهد والعبادة والكرم، وقد بنت مسجد (الصاروج) في موطنها بلدة الحمـراء وأوقفت من أموالها لإصلاح هـذا المسجد كما أوقفت أموالا أخرى لمساعدة المحتاجين من أهل بلدتها.

تعليق عبر الفيس بوك