قلمُ السَّحاب

 

مصطفى حمودة - ليبيا

 

حِيْنَمَا تُحَلّقُ حَمَائِمُ النُّوْرِ فِيْ عَالَمِيْ البِلَّوْرِيّ. تَطِيْرُ الدُّنْيَاَ مِنْ حَوْلِيْ بَأَجْنِحَة فَرَاشَاتٍ رَبِيْعِيَّة. وَيَسْتَحِيْلُ الْكَوْنُ بِنُوْرِهِ لِقِطْعَةِ حَلْوَىً، تَنْهَاَلُ عَلَيْهَاَ يَدَا طِفْلٍ عَابِثٍ جَائِّعْ، كَانَ يَبْكِيْ.

قَلَمُهُ السَّحَابُ. وحِبْرُهُ الْمَطَرْ.

أَوْرَاقُهُ الأَرْضُ.. حُرُوْفُهُ الشَّجَرْ..

يَرْسُمُ شَجَرَةَ تُفّاحٍ. وَمِنْ تَحْتِ جِذْعِهَاَ يرسم نَهْراً يَنْبَعُ سَلْسَبيْلاً مِنْ عَيْنٍ سَمَاوْيّةّ. تُثْمِرُ الشْجَرَةُ تُفَّاحَتَيْنْ. تفاحتين فقط..

تَسّاقَطْ وَاحِدَةٌ.. تَسْتَحِيْلُ بِسِحْرِ الْقَلَمِ.. قَلْبٌ.. فيُصَوّرُ الطّيْنُ مِنْ حَوْلِهَ جَسَدَاً وكَأنّهَ لامْرَأةْ. امْرَأةً تشَرِعُ مِنْ حُلُمِيَ بَابَاً نَحْوَ الْحَقِيْقَةِ وَإِلَىّ دُنْيَايَ تَرَكَضَ..

تَسْتَحِيْلُ الأُخْرَىَ قَلْبَاً يُعَلِّقْهُ الطِفْلُ بِخِصْلَةِ شَعْرِهَا الْتِيْ أَسْقَطَتْهَا فيْ يَدَيْهِ إِذْ يَتَشَبَتُ بِهَا..

يَرْسُمُ –الطْفْلُ- عَلَىَ مِرْآةِ الْيَمّ وَجْهُهُ ثُمّ يَرْحَلَ.. عَلَىَ المِرْآةِ رَأىَ العجُوزُ وَجْهَ الطِفْلٍ فخَاَلَهُ وَجْهُهْ.. كَاَنَ يَبْكِيْ ولاَ زَالُ يَأْنَسُ بِالْبُكَاءِ لُغَةً حَتَىَ رَبَتْ الخُضْرَةُ عَلَىَ جَنَبَاتِ الْكَوْنِ الُفَسِيْحِ.. وَالْنْاَسُ مِنْ دُمُوْعِهِ يَشْرَبُونَ وَلاَ يَرْتَووا..  

يُقَرِّرُ الرَحِيْلَ.. فَتَهِبُهُ مُوْسِيْقَىَ الْكَوْنِ أَجْنِحَة.. يُغَادِرُنَا تَارِكَاً عَيْنَاهُ تَتَدَحْرَجَانِ بَيْنَ النّجُوْمْ.. إِحْدَاهُمَا تَصِيْرُ قَمَرَاً.. وَالأُخْرَىَ تَسْتَقِرُّ عَلَىَ مَبْسِمِ الْكَوْنِ.. فَيَصِيْرُ الْكَوْن أُم ٌعَلَىَ شِفَاهِهَا تَسْتَقِرُّ ضَحْكَةْ.. أَشْبَهُ بِضَحْكَةِ الطّفْلِ الْذِيْ أَكْمَلَهُ البُكَاءُ وَأَذَابَتْهُ الدّمُوْعْ..

تُحَلِقُ بِهِ الرّيْحُ فَظَنّ بِأنّ الرّيْحَ قَدْ صَارَتْ أَجْنِحَتَهْ.. سَتَأخُذُهُ للْجَنّةِ وَهْمَاً.. فَدَفَنَ فيْ الدْنيا فوأده المملوء باللغة الحبلى.. لغة ًتقول:

 أَنْ يَا بُنَيّ لا تَنْسَىَ صَنيْعِيْ.. فَكَمَا أنْجَبْتُكَ أنْجِبْنِيْ.. وَاكْتُبْ عَلَىَ جَبِيْنِ السّمَاءِ لُغّة ًكَمَا فَعَلَتْالرّيْحُ فَأنْتَ نُذُرِيْ.. وَقَدْ نَذَرْتُكَ لعُيُوْنِ الشّمْسِ قُرْباناً.

وَاعْلَمْ أَنّ الشّمْسَ تَاجُ الرّيْحِ. وَلَيْسَتِ الشّمْسُ دُوْنَمَا تَاجٍ بِرِيْحٍ. وَلَيْسَتِ الرّيْحُ دُوْنَمَا تَاجٍ بِامْرَأةَ. وَلَيْسَ الطِفْلُ دُوْنُ نَهْدٍ بِطِفْلٍ. وَلَيْسَتِ الأُمّ دُوْنَ طِفْلٍ بِأُمّ.. وَلَيْسَتِ الزْهُوْرُ دُوُنَ فَرَاشَاتٍ بَزُهُوْرٍ.. وَلَيْسَتِ الفَرَاشَاتُ دُوْنَ

زُهُوْرٍ بِفَرَاشَاتٍ... وَلَيْسَتِ الدّنْيَاَ دُوْنَ بَشَرٍ بِدُنْيَا.. وَلَيْسَ البَشَرُ دُوْنُ دُنْيَا بِبَشَرْ..

وَمَاتَتْ اللّغَةُ وَمَا اسْتَطَاعَتْ أنْ تُصَوّرَ مَا كُنْتُ أوَدّ أنْ أُفْصِحَ عَنْهُ.

تعليق عبر الفيس بوك