المعتصم البوسعيدي
"إن الشخص الذي يعتقد أن العالم دائمًا في مؤامرةٍ ضده هو على حق، إنه يفتقر لهذا الشعور الرائع بالثقة في شخص ما أو شيء ما". هكذا يصف فيلسوف الأخلاقية والاجتماعية إريك هوفر فلسفته عن نظرية المؤامرة لكن ما وراء هذه العبارة ـ حسب وجهة نظري ـ جوهر الخلاص منها؛ حيث ريبة أنا أعتقد وأشك ولا أثق يجب أن تكون نقاط قوة في تحصين النفس ضد أي مؤامرة، وعلى من يؤمنون بهذه النظرية مراعاة الحقائق والأدلة ووجودهم في خضمها قبل أن يعلنوها على الملأ؛ لأن أصل المؤامرة دليل وليست إيمانا مطلقا بوجودها.
يحكي التاريخ عن المؤامرات كحقيقة موجودة، لكنه في ذات الوقت يصف لنا كيفية استغلال نظرية المؤامرة لتبرير كثير من الأخطاء والكوارث، ولعلَّ أكثرها غرابة ما تُعرف بـ "المؤامرة الكبرى" المعنية بعالم مجهول يأتي من جوف الأرض تعلمه الدول الكبرى أدار ويدير كثير من الأحداث بما فيها الحروب العالمية!!، وعمومًا وحتى أخرج من الموضوع بعموميته لأدلف إلى خصوصيته الرياضية يبقى أن نعترف بأن العالم يختلط فيه "الحابل بالنابل" ويتطلب كياسةً وحكمة، وحوارا مبنيا على عدم الإقصاء والتصنيفات المختلفة.
لا شك أن النقد جزء من عملية التطوير، وعنصر أساسي لحل أي مشكلة، وأحد معايير النقد الحكم على النتيجة النهائية التي قد لا تتوافق مع كل الاجتهادات، وهذا ما يحدث ـ أحيانًا ـ في الاتحادات الرياضية، فليس هناك مؤامرة ـ مثلاً ـ عندما نقول إن منتخبنا الأول لكرة القدم منذ استلام الاتحاد الجديد لزمام قيادته ومع تولي الجهاز الفني بقيادة الهولندي بيم فيربك مهامه لم يحقق أي شيء جديد، ولذلك ثمة استياء عام من شكل المنتخب ونتائجه بغض النظر عن النتيجة النهائية بوصوله لنهائيات آسيا؛ كون التأهل كان مسألة وقتية واقعية، وليس مؤامرة أن يقال إن هناك إخفاقا واضحا في منتخب الشباب لكرة القدم لعدم عبوره نحو النهائيات الآسيوية بالرغم من وجود أسماء مُبشرة، وبالرغم من أن منتخبات الفئات السنية معنية بصناعة النجوم وصقلهم بعيدًا ـ وبشكل نسبي ـ عن النتائج كحال منتخبات عريقة ليست لها نتائج في هذه الفئات لكنها ذات ثقل كبير على المستوى الأول.
لقد أفرزت مرحلة الذهاب لدورينا مشاهد وأحوال مختلفة بين الطبيعية والغريبة، مرحلة مضغوطة لا أعتقد أنها ذات جدوى فنية، مرحلة تساقط فيها المدربون كحال المواسم السابقة، مرحلة كشفت الضعف وهاجس العجز الإداري والمالي للأندية، مرحلة ظهرت فيها "نظرية المؤامرة" على كل الأصعدة، تتجلى في عبارات وأحداث وقرارات معينة، والأمر ليس استثناءً في دورينا وليس ـ أيضًا ـ أمرٌ طبيعي، لكن وقوف البعض على استهداف الآخر لهم دون الاعتراف بالخطأ وإيجاد الحلول المناسبة، سيجعلنا ندور في حلقة لا نهاية لها، خاصة وأن أدلة المؤامرة التي يحاول ممارستها البعض معنية بالكلام والتأويلات والاتهامات التي تنتهي كحال "حفظ ملف الدعوة" دون حسم لها؛ فالدليل الملموس إلا في إيمان الضحية، وأكثرنا يحب لعب دور الضحية.!!
إذا ما انتقلنا من محيطنا المحلي إلى محيطنا العربي سنجد نظرية المؤامرة حاضرة بكل تفاصيلها، فقط شاهد كيف أن اختلافنا العربي في الرياضة ـ كمثال ـ يفتح أبواب المؤامرة على مصراعيها، بل وينبش "القبور" ويستحضر تاريخ أسود قد يكون قبل اختلافنا نتشارك فيه؛ فبالأمس كان إعلان فوز قطر بتنظيم المونديال العالمي 2022م نصرا عربيا شارك فيه جميع العرب لكنه بات اليوم مؤامرة وخزياً قامت به دولة واحدة ومجموعة أفراد، وبالأمس كانت الرياضة تصلح ما تفسده السياسة، لكنها اليوم باتت سلاحا سياسيا وفق تعريفات سياسية جديدة، والمؤامرة الرياضية بين الفرق العالمية في دورياتها تدور رحاها في الغرب والشرق أيضًا، على اعتبار أن بعض الجمهور العربي جندي التحريات الخاصة عن هذه المؤامرات ولا ضير من تضحيته وقتل خصمه العربي في التشجيع!!.
هناك اتفاق على وجود المؤامرة مع اختلاف ماهيتها وكيفيتها حسب الأحداث لكنها يجب ألا تعزلنا عن واقعنا، ورياضتنا لا تحتاج لمؤامرة، ففيها من "المآسي" ما فيها لنفكر بها وبوضع الحلول الناجعة لانتشالها، مع وجود ذلك الأمل الذي يجب أن ننطلق منه بكل إخلاص وتفانٍ.