إلى الخائضين في الميراث بغير علم

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية – الأردن


تداعت علينا تفاهات أصناف من (المتفيقهين والمتفيهقين) في ظل غيبوبة العوام المحسوبين على طبقة المثقفين، حقا إنه زمن الرويبضات يهرف فيه الجاهل بما لايعرف، ويجلس فيه الأغبياء مجالس العلماء، ويفتي في العلم الجهلاء، ولذا استوجب الأمر أن أقول لهم:
أولا - قراءة النص التشريعي، قرآنًا وسنة يحتاج في أبسط أصوله وأول أسسه إلى عالم لغة، يجب أن يتوافر له علومها، وقد أحصاها الزركشيّ في خمسة عشر علما، وآخرها علم الموهبة، وقال: "هو علم لا يؤتاه إلا مَنْ عَمِلَ بمَا عَلِمَ"، أي فتحٌ إلهيّ يُضاف إلى الأربعة عشر علما، ومنها (علم النحو والصرف والمعجم وأسباب النزول المحكم والمتشابه وأبنائه والمنسوخ ولهجات القبائل وووو)، وأمثال هذا المتفيقه وغيره يفتقرون إلى أدنى قواعد اللغة، ونتساءل هنا: كيف يفتي هذا وذاك ويريد كلٌّ منهم أن يُقيِّم ويقوَّم الشَّرع ولسانُه أعوج، ولا تستقيم بالحديث في أشداقه جملة عربية فصيحة واحدة؟
ثانيا - إن جهل المتفيقه بأصول اللغة قد أوقعه في حيص بيص، حتى إنه فسر قوله تعالى: وللذَّكر مثل حظ الأنثيين في ضوء اعوجاج لسانه ولسان من استفتاهم من العوام في العالم العربي، حسب زعمه، ومعلوم أن العربية طبقاتٌ في زمن الفصاحة، ورَبُّ العزّة والجلالة اختار لكتابه أفصح لسان، أي الفصحى، فقال :{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (سورة الشعراء 195), وقال:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ  لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (سورة النحل 103), فإذا كانت توجد لهجات منها المبين، ومنها غير المبين، في زمن التنزيل قبل ١٤٠٠عام العربية فهل يجوز القياس اليوم على العامية، أن نقول كما أشار المجتهد محمد شحرور عبر لقاء تليفزيوني في تفسيره لآية (للذكر مثل حظ الأنثيين): "حصتك مثل أخواتك"؟ وحتى هذه محمولة نحويا في سياقها العاميّ على حذف (كل ومن)، أي (كل من أخواتك، وهي قاعدة عامية لا تنسحب عليها جملة فصيحة جاءت على لسان قريش قبل ١٤٠٠سنة، - والحمد لله - أن قواعد العربية التي بدأت وصفيّة وانتهت معياريّة صارمة حفظت لنا القاعدة كما هي، ومعنى الآية كما فهمها الصحابة الأبرار، وكما فَهَّمها لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، وتبعهم عن علم علماء الأمة وفقهاؤها وهم الفصحاء البلغاء سليقةً لا تعلمًا ولا ادِّعاءً ، أي: (حِصَّة الذكر كحصة الأنثيين مجتمعتين في حال كونهم أولادًا)، ولو أراد أن تكون حصة الذكر مماثلة لقال: الذكر كالأنثى قياسا على  قوله: (وليس الذكر  كالأنثى)، أو (الأنثى والذكر يستويان)، أو (قسِّموا المال بين أولادكم ذكورا وإناثا بالمثل)، وإلا فكيف تفسر أن الزوجة ترث ثُمن مال زوجها إن كان له ولد، ويرث هو ربع مالها إن كان لها ولد؟ وترث ربع ماله إن كان ليس له ولد، ويرث نصف مالها إن لم يكن لها ولد؟ وهاتان حالتان يرث فيها الذكر ضعف الأنثى، وثمة (30 حالة) ترث فيها الأنثى أكثر من الذَّكر يعرفها علماءُ الفرائض، أو المواريث، لكن أعداء الأمة وأصحاب الشبهات ينظرون للقليل ويذرون الكثير بغيا وتعديا وجهلا وخبثا.
وأنا إذ أفسر الآية فإنما أفسرها لغويا وفق ما استقرّ من قواعد وأعراف لغوية، أما أن تُلْوَى العربية الفصحى ويُلْوَى النّصُّ القرآنيّ ليقاس على عاميّة عوجاء اللسان فذاك مخالف لأدنى قواعد المعرفة والموضوعيّة في كل لغات الدنيا.
ثالثا - من العجيب حقا أن يدعي أولئك – سفَهًا - أن علماء الفقه من الصحابة والتابعين كانوا ذكوريين ومنحازين، وأنهم فهموا كما شاءوا ليظلموا النساء، وهذا منهج الأقزام من مدعي العَلمانية عندنا الذين هم نسخٌ مشوهةٌ عن علمانيي الغرب، وكأنهم يرون في علمائنا الأنقياء الأتقياء نُسَخًا من رجال الدين والكهنوت في الغرب وخاصةً في عصورهم الوسطى المظلمة، وشتَّان بينهما، فعلماء الأمة الإسلاميّة الذين أسسوا  المذاهب الفقهيّة طلابُ آخرة، ورُهبانهم باعوا الآخرة بثمن قليل.
رابعا - كوني امرأة مسلمة آمنت بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن وحيًّا من لدن حكيم خبير، وبالحديث النبويّ أنه غير منطوق عن هوى؛ بل هو (وحيٌّ يوحى)، فإنني أقول كما يقول الراسخون في العلم عند كل متشابه لا يعرفون عقلا الحكمة الربَّانية منه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}، ولا نقول إلا (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا  غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (سورة البقرة285).
خامسا - قبل أن يدَّعي أولئك وسَادتهم من الغرب أنهم (أحرص على العدل) من (الحَكَم العدل)، فليتذكروا أن الإسلام أورث المرأة ولم تكن ترث؛ بل كانت تورث كالمتاع، وليس عند العرب وحدهم؛ بل عند كل شعوب الأرض؛ وفي الغرب إلى الآن في أماكن كثيرة لاترث، وفي القانون الإنجليزي إلى بداية القرن التاسع عشر كان مال الزوجة ملكًا لزوجها، وله الحق في بيعها. ومازالت المرأة في الغرب أرخص من نعال تعرض في فاترينا للبيع لأنها لاتجد من يطعمها، أو يرويها بلا ثمن، ومازالت تُستباح وتُبتذل لتصل إلى الشهرة والنجومية الزائفة.

تعليق عبر الفيس بوك